ثورات عربية أضحت أضحوكة العالم، زعماء أنظمة وصفها شعوبهم بالمستبدة، لم يكن السجن مثواهم الأخير، فباستثناء القذافي، ما زال ينعم رؤساء الدول العربية التي أطاحت بهم ثورات الربيع بالحرية.
فبين هارب وبريء ومحصن، يعيش رؤساء تونس ومصر واليمن حياة هادئة، تاركين وراءهم إرثا ثقيلا من الفساد، حال دون استقرار الوضع في تلك الدول.
ورغم الأزمات المتلاحقة في الداخل الليبي، والتوترات القائمة، إلا أن الثورة الليبية هي الوحيدة التي استطاعت الانتقام من رئيس النظام، معمر القذافي والذي طرح قتيلا بيد الثائرين، أما تونس فما زال الرئيس زين العبدين بن علي هاربا في السعودية ينعم بحياة حرة مستقرة.
أما في مصر، سنوات قضاها الرئيس المخلوع حسني مبارك وكبار رموز نظامه أمام القضاء، وبعد جلسات عدة في محاكمة وصفت “بمحاكمة القرن”، أسدل القضاء المصري الستار بإعلانه تبرئة النظام المباركي من دماء شهداء ثورة 25 يناير.
وفي اليمن، يعيش على عبد الله صالح، كسياسي مرموق يمارس دوره بشكل طبيعي في الداخل اليمني مترئسًا حزب المؤتمر، بعد حصوله على حصانة سعودية بعدم المقاضاة.
وعلى إثر ثورات الربيع ما زالت دول عربية تعيش حالة من التمزق، ففي سوريا ما زال بشار الأسد جالسا على كرسي الحكم، رغم قتله لمئات الآلاف من ثوار المعارضة، وفي الجزائر لم تنجح محاولات الشباب لزعزعة استقرار الرئيس عبد العزيز بوتفليقة القعيد.
زين العابدين.. الرئيس الهارب
رغم اندلاع الشرارة الأولى من ثورات الربيع العربي، في تونس ضد نظام الرئيس زين العابدين بن علي، إلا أنها لم تنجح في إخضاعه إلى محاكمة عادلة، عن فساده لمدة 23 عاما، أو عن شهداء الثورة الذين سقطوا بأسلحة أجهزته الأمنية.
إذ استطاع الرئيس المخلوع بعد نجاح الثورة، إلى الهروب خارج البلاد، ورغم محاولات تونس مقاضاته خارجيا، إلا أنه ما زال حرا طليقا.
وزين العابدين، هو رئيس الجمهورية التونسية منذ 7 نوفمبر 1987 إلى 14 يناير 2011، وصنفت جماعات حقوق الإنسان الدولية النظام الذي يترأسه بن علي بالاستبدادي وغير الديمقراطي.
وبسبب قيام الشاب محمد البوعزيزي يوم الجمعة 17 ديسمبر عام 2010 بإحراق نفسه تعبيرًا عن غضبه على بطالته، اندلعت شرارة المظاهرات، التي تحولت إلى انتفاضة شعبية شملت عدة مدن في تونس وأدت إلى سقوط العديد من القتلى والجرحى من المتظاهرين نتيجة تصادمهم مع قوات الأمن.
وبعد وفاة الشاب محمد البوعزيزي الثلاثاء 4 يناير 2011 نتيجة الحروق، وقد أجبرت الانتفاضة الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، على إقالة عدد من الوزراء، كما أعلن عزمه عدم الترشح لانتخابات الرئاسة عام 2014.
لكن الانتفاضة الشعبية توسعت وازدادت شدتها حتى وصلت إلى المباني الحكومية، ما أجبر الرئيس زين العابدين بن علي، الذي كان يحكم البلاد بقبضةٍ حديدية طيلة 23 سنة، على التنحي عن السلطة والهروب من البلاد خلسةً، حيث توجه أولًا إلى فرنسا التي رفضت استقباله خشية حدوث مظاهرات للتونسيين فيها، فلجأ إلى السعودية.
وصلت طائرة زين العابدين بن علي إلى جدة بالسعودية، وقد رحب الديوان الملكي السعودي بقدوم بن علي وأسرته إلى الأراضي السعودية.
وجهت تونس طلبا رسميا إلى السلطات السعودية يوم الأحد 20/2/2011 م لتسليمها الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي.
وقالت وزارة الخارجية إن الطلب وجه “إثر توجيه مجموعة جديدة من التهم للرئيس السابق حول ضلوعه في عدة جرائم خطيرة تتمثل في القتل العمد والتحريض عليه وإحداث الفتنة بين أبناء الوطن بالتحريض على قتل بعضهم بعضًا”.
مبارك.. الرئيس البريء
امتدت شرارة الثورة التونسية لتصل إلى أرض المحروسة، مصر الكنانة التي أعلن الشباب فيها عن غضبهم، ثورة أبهرت العالم بسلميتها، سقط خلالها مئات الشهداء وآلاف الجرحى، إلا أن الأنظمة المتتابعة، والتناحر على السلطة حال دون تمكين الثورة من رأس النظام المباركي، والذي بات بريئًا من دم الشهداء بحكم القضاء.
محمد حسني مبارك وهو الرئيس الرابع لجمهورية مصر العربية من 14 أكتوبر 1981، حتى تنحيه في 11 فبراير 2011.
تقلد الحكم في مصر رئيسًا للجمهورية وقائدًا أعلى للقوات المسلحة المصرية ورئيسًا للحزب الوطني الديمقراطي بعد اغتيال الرئيس أنور السادات في 6 أكتوبر 1981.
تعتبر فترة حكمه (حتى تنحيه عام 2011) رابع أطول فترة حكم في المنطقة العربية، بعد السلطان قابوس بن سعيد سلطان عمان والرئيس اليمني علي عبد الله صالح والأطول بين ملوك ورؤساء مصر منذ محمد علي باشا.
تنحى مبارك عن الحكم على إثر نشوب ثورة 25 يناير في 11 فبراير 2011.
قدم للمحاكمة العلنية بتهمة قتل المتظاهرين في ثورة 25 يناير. وقد مثل – كأول رئيس عربي سابق يتم محاكمته بهذه الطريقة- أمام محكمة مدنية في 3 أغسطس 2011، وتم الحكم عليه بالسجن المؤبد يوم السبت 2 يونيو 2012، وتم إخلاء سبيله من جميع القضايا المنسوبة إليه وحكمت محكمة الجنح بإخلاء سبيله بعد انقضاء فترة الحبس الاحتياطي يوم 21 أغسطس 2013.
تمت تبرئته في 29 نوفمبر 2014 من جميع التهم المنسوبة إليه أمام محكمة استئناف القاهرة برئاسة المستشار محمد كامل الرشيدي.
معمر القذافي.. الرئيس المقتول
ويبدو أن ثوار ليبيا هم فقط من استطاعوا التنكيل بـ نظامهم السابق، برئاسة القذافي، بعد أن نفذوا بأنفسهم حكم الإعدام في حقه.
معمر القذافي، المعروف باسم العقيد القذافي. كان سياسيًا وثوريًا ليبيًا، وفي واقع الأمر كان من يحكم ليبيا لأكثر من 42 سنة.
يصف النقاد القذافي بأنه كان المستبد في ليبيا أو الغوغائي.
في فبراير 2011، وفي أعقاب الثورات العربية في الدول المجاورة في مصر وتونس، بدأت الاحتجاجات ضد حكم القذافي وتصاعد هذا التوتر إلى الانتفاضة في جميع أنحاء ليبيا، وسبّب قمع تلك المظاهرات إلى تشكيل حكومة للمعارضة، ومقرها في مدينة بنغازي، وسميت بـ المجلس الوطني الانتقالي.
وأدت هذه الخطوة إلى نشوب الحرب الأهلية الليبية، والتي عجلت للتدخل العسكري من قبل قوات التحالف بقيادة حلف شمال الأطلسي لفرض تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي الذي يدعو إلى إقامة منطقة حظر طيران وحماية المدنيين.
تم تجميد أصول القذافي وعائلته، وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية والإنتربول مذكرات توقيف في 27 يونيو لمعمر القذافي، وابنه سيف الإسلام، ورئيس المخابرات عبد الله السنوسي، بأحكام تتعلق بارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
خسر القذافي وقواته معركة طرابلس في أغسطس 2011، وفي سبتمبر من العام نفسه، حجز المجلس الانتقالي مقعده في الأمم المتحدة، ليحل محل القذافي.
احتفظ القذافي بالسيطرة على أجزاء من ليبيا، وعلى الأخص في مدينة سرت، وطرابلس وورفلة، وهي المدينة التي افترض لجوؤه إليها.
على الرغم من أن قوات القذافي أحكمت سيطرتها في بداية معركة سرت ضد هجمات قصف حلف شمال الأطلسي وتقدم قوات المجلس، إلا أن معمر اعتقل على قيد الحياة على أيدي أفراد من جيش التحرير الوطني بعد الهجوم على موكبه بالقنابل من قبل طائرات حلف شمال الأطلسي يوم سقوط المدينة في 20 أكتوبر عام 2011.
قتل القذافي من جانب مقاتلي جيش التحرير الوطني وأذنت لانتهاء فترة حكم امتدت لاثنين وأربعين عامًا وهي الأطول في تاريخ ليبيا منذ أن أصبحت ولاية عثمانية سنة 1551، وأطول فترة حكم لحاكم غير ملكي في التاريخ.
علي عبد الله صالح.. الرئيس المُحصن
تزامنت الاحتجاجات في اليمن مع ثورة يناير المصرية وكانت بسيطة في البداية ومقصورة على الشباب الصغار ولم يشترك أي من أحزاب المعارضة التقليدية وتم قمع التجمعات الأولى بقوة السلاح من قبل الأجهزة الأمنية.
في الثامن عشر من مارس أعلنت الأحزاب المعارضة دعمها للثورة بعد تصاعد الاحتجاجات في صنعاء وتعز وعدن والمكلا، وتزايدت أعداد المتظاهرين رافضة أي نوع من الحوار مع صالح دون تنحيه بلا شروط من رئاسة البلاد، تمسك صالح بالسلطة ووصلت أعداد المتظاهرين في مدينة صنعاء وحدها إلى نصف مليون متظاهر ووصل عدد القتلى بين المتظاهرين من فبراير 2011 إلى أكتوبر إلى قرابة 1500 ووصل العدد إلى ألفي قتيل في فبراير 2012.
تعرض صالح لمحاولة اغتيال في 3 يونيو 2011 بعد حشد أنصاره في جمعة أسموها جمعة الأمن والأمان، أصيب صالح بحروق بالغة وظهر بعد الحادث بفترة قصيرة عبر مكالمة مع التليفزيون اليمني يشير فيها إلى سلامته من الحادث وبدا الإعياء ظاهرًا على صوته واتهم “آل الأحمر” (زعماء حاشد) بالوقوف وراء الحادث ونفى صادق الأحمر الاتهامات.
توجه علي عبد الله صالح للسعودية وظهر في بث تليفزيوني من قصر الضيافة بالمملكة السعودية عقب نجاح العمليات وظهر بوجه محروق، هدأت المظاهرات بعد توقيع “المبادرة الخليجية” والتي نصت على تسليم سلطات الرئيس للمشير عبد ربه منصور هادي ومنح صالح حصانة من الملاحقة القانونية.
أثار قرار الحصانة الذي أقره البرلمان اليمني، حفيظة شباب الثورة الذين لا ينتمون لأحزاب والمؤسسات الدولية بحجة مخالفتها للدستور اليمني الذي يقر محاكمة رئيس البلاد وأعضاء الحكومة ما توجب ذلك دون امتيازات خاصة.
دخلت البلاد موجة من العنف فقد سلم صالح السلطة رسميًا عقب توقيع المبادرة وبقي أبناؤه على رأس الأجهزة الأمنية في البلاد واستمر صالح بممارسة عمله السياسي كرئيس لحزب المؤتمر الشعبي العام وتصفه الصحف الموالية بالزعيم، ووجهت له اتهامات من الأمم المتحدة وعدد من السفارات الغربية بمحاولة عرقلة الفترة الانتقالية هو وأبنائه وأقاربه، وما زال يمارس عمله كسياسي.
وائل مجدي
مصر العربية