البنوك السويسرية كانت في حاجة لحكم إدانة نهائي؛ حتى ترد لمصر أموالها المنهوبة والمسروقة من جيوب المصريين، والحكم طار مع منح القاضي محمود كامل الرشيدي صك البراءة لمبارك ورموز نظامه، وبالتالي فإن أحلام المصريين في استرداد الأموال المسروقة من قوتهم قد طارت.
ولن نسمع بعد اليوم عن وفود ذهبت إلى فرنسا لبحث إجراءات استرداد الأموال المنهوبة، وأخرى عادت من لندن بعد أن قضت أسبوعا في أفخم فنادقها، وثالثة طارت إلى زيورخ للتنزه في جبالها الساحرة تحت بند التفاوض مع السلطات السويسرية، لاستعادة أموال مبارك و19 من رموز نظامه.
مبارك يستطيع الآن، وبأريحية شديدة، أن يطلب من الاتحاد الأوروبي إلغاء مذكرة، أصدرها الاتحاد في 21 مارس/آذار 2011، تلزم المؤسسات والبنوك البريطانية والأوروبية بتجميد أرصدته وأمواله وممتلكات 19 شخصية من بينها أفراد أسرته ووزراء سابقون في عهده.
الرئيس المخلوع يستطيع الآن أن ينعم بالمليارات المنهوبة في المصارف البريطانية والسويسرية؛ والتي قدرتها مصادر غربية بنحو 40 مليار دولار على الأقل، في حين قدرها آخرون بنحو 70 مليار دولار، وأن ينعم الرئيس البريء بقصوره التي اشتراها بأموال المصريين في عواصم أوروبية وجزر في المحيط الهادي. الآن يستطيع نجلا مبارك “جمال وشقيقه علاء” أن ينعما وأبناؤهما وأحفادهما بقصورهما وشركاتهما في لندن وزيورخ وجزر البهاما.
بصك البراءة لمبارك ورموز نظامه لن يحصل موظفون في وزارة العدل، ومكتب النائب العام، وجهاز الكسب غير المشروع، ووحدة غسل الأموال، ومباحث الأموال العامة، وهيئة الرقابة الإدارية، بعد اليوم على مكافآت وحوافز وبدلات عن الاجتماعات المكوكية المخصصة لمناقشة ملف استرداد الأموال المنهوبة، أو حتى بدل سفر للعواصم الغربية.
“
لن يقع على السلطات والجهات الرقابية العديدة عبء إثبات عدم شرعية الأموال المهربة؛ لأن سارقيها حصلوا على صك البراءة، رغم وجود عشرات الوثائق والمستندات التي تُثبت تورّطهم
“
لن نسمع بعد اليوم عن مؤسسات ومنظمات كانت “بتاكل” عيش على حس ملف استعادة الأموال المصرية المنهوبة في بنوك العالم، ولن نسمع بعد عن منظمات صدّعتنا بقرب استرداد هذه الأموال، من بين هذه المنظمات بالطبع المبادرة الشعبية لاسترداد أموال مصر المنهوبة، واللجنة التنسيقية لاسترداد الأموال والأصول المصرية المهربة في الخارج، برئاسة وزير العدل، واللجنة القومية لاسترداد الأموال المنهوبة، واللجنة القضائية لاسترداد الأموال المهربة.
لن يقع على السلطات والجهات الرقابية العديدة عبء إثبات عدم شرعية الأموال المهربة؛ لأن سارقيها حصلوا على صك البراءة، رغم وجود عشرات الوثائق والمستندات التي تُثبت تورّط رجال أعمال ورموز نظام مبارك وتهريبهم ملايين الدولارات من قوت الشعب المصري إلى الخارج.
ولن نسمع مرة أخري عن وعود إعادة الأموال المهربة، وهي “اللبانة” التي تكررت منذ ثورة 25 يناير، وفي عهود حسين طنطاوي ومحمد مرسي وعدلي منصور وعبد الفتاح السيسي.
ولن تكتب جريدة الأهرام بعد اليوم عن “انتفاضة حكومية لاسترداد الأموال المهربة” وتضع عنوانا براقا كهذا على صدر صفحتها الأولى، ولن نسمع بعد اليوم عن فتوحات إبراهيم محلب رئيس مجلس الوزراء الذي قالت الجريدة الحكومية إنه استطاع في غضون أيام قليلة وبعد 3 سنوات من التعثر، أن يبعث الأمل في نفوس الشعب المصري، بإمكانية استرداد المليارات المنهوبة في بنوك سويسرا، وأوروبا، وأميركا، والتأكيد على حق الشعب في استعادة أمواله المهربة.
ولن نسمع بعد عن اقتراحات “لولبية” وأفكار فذة وجهنمية من خبراء اقتصاد ومحللين يطالبون بسرعة استثمار الأرصدة المالية المنهوبة والمجمدة فيي مشاريع كبرى توفر ملايين فرص العمل للشباب.
يستطيع الشعب المصري الآن أن ينعم بفقره وبطالته وفساده وذله، وأن ينام أربعة ملايين من أبنائه بلا طعام كل يوم، وأن يعيش 40% منه تحت خط الفقر، وأن يتسكع الملايين من شبابه في المقاهي وعلى نواصي الطرق.
خلاص القضية بحّ.
مصطفى عبدالسلام
العربي الجديد