“براءة.. عودوا إلى مقاعدكم” جملة قالها القاضي “محمود الرشيدي” لمبارك وكبار معاونيه المتهمين بقتل المتظاهرين إبان ثورة يناير، ليفتح بابا من الجدل الممزوج بالسخرية حول مغزى كلماته وما إذا كان يقصد – حقيقة – عودة مبارك والعادلي ومساعديه إلى مناصبهم التي جردتهم منها ثورة يناير؟
لكن أنصار الرئيس المخلوع أخذوا الأمر على محمل الجد، وتساءلوا، ولماذا لا يعود مبارك إلى كرسي الرئاسة بعد أن حكم القضاء الشامخ ببراءته من قتل الثوار؟ وطالما أن الجميع عرف الآن أن ثورة يناير كانت مؤامرة وأن تنحي مبارك عن الحكم في 11 شباط/ فبراير 2011 وتفويضه للمجلس العسكري لإدارة شؤون البلاد كان حقنا للدماء ونزولا عند رغبة الشعب، فلماذا لا يسحب هذا التفويض ويعود لممارسة مهام منصبه مرة أخرى؟
وقضت محكمة جنايات القاهرة السبت ببراءة مبارك ونجليه علاء وجمال، ووزير داخليته حبيب العادلي، وستة من كبار مساعديه، ورجل الأعمال الهارب حسين سالم، من جميع التهم التي وجهت لهم وعلى رأسها قتل المتظاهرين السلميين والفساد المالي، في القضية التي اشتهرت إعلاميا باسم “محاكمة القرن”.
حملة على “فيس بوك”
وأطلق مؤيدو مبارك حملة على “فيس بوك” بعنوان “الحملة الشعبية لإعادة الرئيس مبارك للحكم” ويتم من خلالها جمع توقيعات للمطالبة بعودة الرئيس المخلوع إلى منصب الرئاسة ولكن بشكل شرفي.
وشهدت التعليقات على الصفحة معارك بين ثلاثة أطراف أساسية، فلول نظام مبارك المرحبين بالفكرة من جهة، ومؤيدي عبد الفتاح السيسي من جهة أخرى، وأخيرا الشباب المناهض للانقلاب العسكري والرافض للرجلين بوصفهما “قاتلين”.
ويتساءل مراقبون، إذا كان رجال مبارك هم من يترأسون الآن كل أجهزة الدولة السياسية والعسكرية، فما المانع القانوني الذي يمنع عودته هو شخصيا لقصر الرئاسة الذي سكنه لثلاثة عقود؟
وكانت محكمة سابقة قد أصدرت حكما في القضية ذاتها في أواخر عام 2012 بالسجن المؤبد لمبارك ونجليه والعادلي، قبل أن تلغي محكمة النقض هذا الحكم وتأمر بإعادة محاكمتهم من جديد أمام دائرة أخرى.
قانونيا
واختلف الخبراء القانونيين حول إمكانية عودة مبارك لمنصبه، حيث رأى فريق أن براءته تمكنه من ذلك، بينما رأى آخرون أن الزمن قد تجاوز مبارك، وصار للبلاد رئيس جديد يمارس صلاحياته الكاملة.
وقال الخبير القانوني أحمد العطار – في تصريحات صحفية – إن براءة مبارك ردت إليه اعتباره أمام الشعب، مشيرا إلى أن إجباره على التنحي لا يعد ثغرة قانونية كافية لتجعله يطالب بالعودة للحكم، حيث كان واضحا أن ذلك تم بمحض إرادته.
من جانبه، أكد “محمود كبيش” العميد السابق لكلية الحقوق بجامعة القاهرة أن الفعل الثوري هو الذي أنهى حكم مبارك، ولا يجوز عودته لمنصبه رئيسًا للجمهورية، مرجحا أن مبارك لم يعد يفكر فى ممارسة العمل السياسي مرة أخرى”.
لكن “يسري عبد الرازق”، أحد أعضاء فريق الدفاع عن مبارك أكد أن الرئيس المخلوع سيظل محبوسا على ذمة قضية القصور الرئاسية بالرغم من انتهاء مدة سجنه فيها، لعدم تمكنه من سداد الغرامة المحددة عليه وقيمتها 120 مليون جنيه، موضحا أن مبارك ينتظر الطعن على الحكم في جلسة 13 كانون الثاني/ يناير المقبل لتخفيض الغرامة أو إلغائها.
وكانت المحكمة الإدارية العليا بمجلس الدولة قد رفضت في نيسان/ أبريل من عام 2013 دعوى أقامها أحد المحامين ببطلان تنحي مبارك عن الرئاسة والمطالبة بعودته إلى منصبه، وأعلنت في أسباب حكمها أن الشعب مصدر السلطات عبر عن إرادته الصريحة في ثورة كانون الثاني/ يناير بإنهاء حكم مبارك، كما عبر الشعب عن إرادته عدة مرات أخرى خلال انتخابات واستفتاءات لاحقة على التنحي، ومن ثم فإن هذه الإرادة تعلو على أي سلطة من سلطات الدولة.
وفيما طالب حزب الغد المؤيد للانقلاب – في بيان له – إلى إعادة الاعتبار “لمبارك” تاريخيا بعد أحكام البراءة، أكد “هاني كمال” المتحدث باسم وزارة التعليم أن المناهج الدراسية ستتناول محاكمة “مبارك” باعتبارها مرحلة تاريخية هامة من عمر البلاد، لكنه أرجأ هذه الخطوة لحين تحول الحكم على الرئيس المخلوع إلى حكم بات غير قابل للطعن.