“بالنسبة لإسرائيل، فإن دلالة تبرئة مبارك إيجابية للغاية. لأنها ترمز إلى أجواء جديدة في مصر تتعلق بعودة السيطرة ليد الجيش والابتعاد عن قيم الحركة الإسلامية. يشار إلى أن الرئيس الإخواني المعزول مرسي لم يستطع أن يتفوه بكلمة” إسرائيل” وحرص على الاستعاضة عنها بـ” الجانب الآخر”.
كان هذا جزء من تحليل “يارون فريدمان” المحلل المعروف لصحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية حاول فيه بحث دلالات براءة مبارك بالنسبة لإسرائيل، معتبرا أن الحكم جاء بمثابة ضربة قاصمة للحركة الإسلامية في مصر، التي فشلت قبل صدوره بيوم واحد في حشد المواطنين لما عرف بــ” انتفاضة الشباب المسلم”.
وذهب” فريدمان” في المقال الذي حمل عنوان” ثورة الإسلاميين ضاعت في الفيس بوك” إلى أن تبرئة مبارك ترمز إلى تضامن السيسي مع قائده السابق، وإلى الأجواء التي يمكن تحسسها في الإعلام والمساجد والتي باتت لا تفرق بين ناشطي الإخوان المعتدلين وبين الجهاديين الأكثر عنفا، فكلهم إرهابيون والحكم عليهم واحد- السجن أو الموت.
إلى نص المقال..
يرغب الإسلاميون في مصر بالتأكيد في نسيان يوم الجمعة الماضي. فالتظاهرات العملاقة التي دعوا لها على الفيس بوك بهدف إسقاط نظام السيسي فشلت، وتم تبرئة الرئيس المخلوع مبارك من قتل المتظاهرين. كيف تؤثر هذه الأحداث على إسرائيل؟.
ضربة قاصمة للحركة الإسلامية: انتهت المحاكمة التي عرفت في مصر باسم” محاكمة القرن” بتحول مذهل يرتبط في الغالب بالتحول في السلطة الذي حدث قبل عام في البلاد- نقل الحكم من الإخوان المسلمين لكبار رموز الجيش وعلى رأسهم عبد الفتاح السيسي.
محكمة جنايات القاهرة قالت أمس كلمتها: الرئيس السابق حسني مبارك، ونجليه جمال وعلاء، ووزير الداخلية حبيب العادلي بُرآء من كل التهم. فلم يعدوا يتحملون مسؤولية قتل المتظاهرين في ثورة 25 يناير 2011، ولم يعودوا متهمين بالفساد أو بالتآمر لبيع الغاز المصري لإسرائيل بثمن بخس.
بكلمات أخرى سيكون بإمكان جميع المتهمين الخروج قريبا من السجن والتجول بحرية. وهنا يُطرح السؤال ما هي تبعات هذا القرار بالنسبة لمصر وعلاقاتها مع إسرائيل؟.
ضربة للإخوان المسلمين
عمل الإخوان المسلمون خلال الشهور الأخيرة بالتعاون مع الحركة السلفية في مصر وخارجها وبالأخص عبر نشطاء في تركيا على ما كان يفترض أن تكون في يوم الجمعة 28 نوفمبر، “انتفاضة الشباب المسلم”. تمنى الإسلاميون إعادة نجاح المظاهرات التي انطلقت في يونيو 2013 والتي ادت لسقوط نظام رجل الإخوان محمد مرسي. وعلى فيس بوك دعا نشطاء التنظيمات الإسلامية المواطنين للتجمع بالآلاف بميادين المدن في مصر ورفع المصاحف.
رفع المصاحف تقليد قديم في الإسلام. الحادث المنقوش في الذاكرة الإسلامية هو معركة صفين، إحدى المعارك للسيطرة على الإمبراطورية الإسلامية بين جيوش الإسلام في العراق وبين خصومهم في سوريا نهاية القرن السابع. في هذه المعركة رفع السوريون الذين كانوا على شفا الهزيمة المصاحف، ما تسبب في الكثير من الارتباك داخل المعسكر العراقي الخصم وحال دون انتصاره. المناورة التي أدت لتفكك وانقسام المعسكر العراقي انتهت بسيطرة حاكم سوريا معاوية على الإمبراطورية الإسلامية بأسرها بعد ثلاث سنوات فقط.
ليس بغريب إذن أن تعلن مؤسسة الأزهر، صاحبة الصلاحيات الدينية الأعلى في العالم السني، بمناسبة يوم الجمعة الماضي موعد إثارة الشغب تحريم رفع المصاحف لتحقيق أهداف سياسية، وتحريم استخدام المصاحف بهدف إسقاط النظام أو تقويض النظام العام وخلق فوضى.
هذه القضية تؤكد أنه في حالات من هذا النوع فإن عيوب الفيس بوك أكبر من مميزاته. فقد تكشف ضعف وسيلة تخمير “الثورات العربية”- عبر نقل رسائل بشكل واضح ومكشوف لعناصر الاستخبارات. فقد تنظم الجيش المصري والشرطة بشكل جيد وأقاموا غرفة عمليات خاصة.
وانتشر الجنود المدججين بالسلاح بالميادين وبالأماكن الحساسة وحلقت المروحيات والطائرات بدون طيار فوق العاصمة القاهرة. كذلك احتشد الإعلام والسلطات الدينية للدفاع عن النظام. وتلقى الأئمة في المساجد تعليمات بالخطابة ضد التظاهرات العنيفة، والتحريض ضد النظام ورفع المصاحف في التظاهرات المناهضة للشرطة.
كانت النتيجة مخيبة للآمال بشكل كبير للمنظمين من الحركة الإسلامية- لم تمتلئ الميادين وكانت الاستجابة محدودة. نجاحات محدودة سُجلت في عدة ميادين بالقاهرة والجيزة، وهناك استخدمت الشرطة القوة لفض التظاهرات. بشكل عام اعتقل نحو 200 متظاهر في أنحاء مصر، وعثر على عدة مخازن للأسلحة تابعة للإسلاميين وتمت مصادرتها.
ضربة قاضية للحركة الإسلامية
تبرئة مبارك أمس، بعد يوم من فشل” انتفاضة الشباب المسلم” تمثل بلا شك ضربة قاضية للحركة الإسلامية في مصر، التي دعت بشكل واضح لإعدام مبارك، المسؤول عن القمع المتواصل لـ”الإخوان المسلمين”. زعم معارضو مبارك وعلى رأسهم الإسلاميين أن الرئيس المخلوع أعطى أوامر واضحة لفتح النار على المتظاهرين. تلك التعليمات التي أنكرها مبارك بقوة، أفضت إلى مقتل 239 مواطنًا على حد زعمهم.
من المناسب لدى الحديث عن ذلك مقارنة تصرف الرئيس المصري أيام” الربيع العربي” بتصرفات نظرائه في الشرق الأوسط. ففي الوقت الذي فر الرئيس التونسي زين العابدين بن علي من بلاده، أمر حاكم ليبيا معمر القذافي بقصف المتظاهرين ضد نظامه، وأصدر الرئيس اليمني علي عبد الله صالح أوامر بإطلاق النار على المتظاهرين، وفر بعد ذلك من بلاده، وارتكب الرئيس السوري بشار الأسد إبادة جماعية للحفاظ على كرسيه- استقال مبارك بعد أقل من شهر على اندلاع الاحتجاج ضد نظامه، لم يهرب ولكن تخلى عن السلطة وذهب إلى منتجعه بشرم الشيخ.
زعم مبارك من البداية أنه ليس هناك سببا يدفعه للفرار لأنه لم يأمر أبدا بفتح النار على المتظاهرين ولأنه واثقا في براءته. ربما تمنى مبارك أن يؤدي تاريخه العسكري إلى تبرئته في المحاكمة. ورأى مؤيدوه في القبض عليه ومحاكمته جزء من مخطط “الإخوان المسلمين” لاستغلال الاضطرابات في العالم العربي بشكل سافر للسيطرة على الحكم في مصر ودول اخرى. كذلك اضطر من اتهم مبارك للاعتراف أنه من بين 850 قتيلًا في الثورة المصرية، فقط 239 منهم قتلوا برصاص قوات الأمن. جزء كبير من القتلى كانوا جنودا ورجال شرطة حاولوا إعادة النظام لما كان عليه.
مع مبارك، مع عملية السلام
ترتبط تبرئة مبارك ونجليه بالأجواء التي يمكن تحسسها جيدا في هذه الأيام في وسائل الإعلام والمساجد بمصر. فنظام السيسي لا يفرق بين إسلاميين” معتدلين” وبين جهاديين. فقد صنع تطابق تام بين” الإخوان المسلمين” والقاعدة و”الدولة الإسلامية” ( داعش)- فكلهم إرهابيون والحكم عليهم واحد- السجن أو الموت. وبحسب الصحف المصرية ( المجندة) عثر على رايات القاعدة السوداء في تظاهرات” الإخوان المسلمين” في يوم الجمعة.
تشير تبرئة مبارك في الوقت الذي يحكم فيه السيسي، إلى تضامن الضابط الكبير السابق” الجرنال السيسي” مع قائده السابق، الذي قاد سلاح الطيران المصري خلال أكثر حرب ناجحة خاضتها مصر من وجهة نظرها- حرب يوم الغفران.
بالنسبة لإسرائيل، فإن دلالة تبرئة مبارك إيجابية للغاية. لأنها ترمز إلى أجواء جديدة بمصر تتعلق بعودة السيطرة ليد الجيش والابتعاد عن قيم الحركة الإسلامية. يشار إلى أن الرئيس الإخواني المعزول مرسي لم يستطع أن يتفوه بالكلمة” إسرائيل” وحرص على الاستعاضة عنها بـ” الجانب الآخر”.
قبل وصوله للرئاسة هاجم مرسي مرارا مبارك وكذلك” الكيان الصهيوني”. وبعد وصوله للحكم، عرض نفسه كزعيم ديمقراطي بهدف الحصول على المدى القصير على التأييد من الولايات المتحدة، لكنه خطط على المدى البعيد لتحويل مصر تدريجيا لدولة إسلامية تمنح رعاية كاملة لحماس في صراع الحركة ضد إسرائيل.
يرمز مبارك ليس فقط إلى قيم الجيش المصري بل أيضا إلى ميراث الحفاظ على معاهدات السلام والسعي لدفع عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين. ويظهر السيسي بالطبع انحيازا لتلك الأهداف. خلال زيارته لفرنسا أخيرا، أعرب الرئيس المصري الحالي عن تأييده للمبادرة الفرنسية لاستئناف العملية السياسية بهدف إنهاء الصراع العربي- الإسرائيلي وإحلال السلام بالشرق الأوسط.
الدكتور يارون فريدمان، محلل يديعوت أحرونوت لشؤون العالم العربي، خريج جامعة سوربون في باريس، واستاذ الشؤون الإسلامية في قسم الدراسات الإنسانية بالتخنيون ( معهد إسرائيل للتقنية) وبجامعة الجليل ومدرس اللغة العربية في التخنيون وفي قسم تاريخ الشرق الأوسط بحيفا. صدر له بالإنجليزية كتاب “العلويون- تاريخ ودين وهوية” عام 2010.