“لقد كان مستحيلا سياسيا، بالتأكيد، أن يدفع مبارك ووزير داخليته حبيب العادلي أي ثمن حقيقي قضائي جراء ما حدث في تلك الأيام،. فالفظائع التي حدثت ظهيرة ومساء 28 يناير 2011، تمت مضاهاتها ومجاوزتها..لكن الأكثر أهمية هو أن مستبد مصر الجديد، الرئيس عبد الفتاح السيسي، يدين بمنصبه الحالي إلى الخط المتشدد الذي انتهجه ضد المتظاهرين في وقت لاحق للانقلاب العسكري الذي جلبه إلى السلطة، وقُتل أكثر من ألف متظاهر في أغسطس العام الماضي، بأوامر قيادية مسجلة”.
هكذا علق الصحفي البريطاني ريتشارد سبسنسر في مقال بصحيفة تليجراف البريطانية على حكم براءة الرئيس الأسبق وآخرين من اتهامات قتل متظاهري ثورة يناير
وفيما يلي نص المقال
براءة حسني مبارك يعيد العجلة دائرة كاملة للوراء..ومهما كانت حيثيات الحكم، فإن كلا جانبي السياسة الممزقة في مصر سينظرون إلىه بأنه يمثل ختما قضائيا على “تغيير اتجاه”ثورة ميدان التحرير.
لقد كانت “جمعة الغضب”، يوم 28 يناير 2011، إحدى أكثر اللحظات الدرامية في التاريخ المعاصر، ودُفعت شرطة مبارك، التي طالما عذبت أفراد الشعب المصري، إلى الانسحاب من شوارع وسط القاهرة والكباري، بفعل الحشود الهائلة التي وقفت جنبا إلى جنب متحدين قنابل الغاز ومدافع الماء.
معركة ميدان التحرير التقطتها الكاميرات التي صورت المشهد من شرفات فنادق وسط القاهرة المطلة على وسط القاهرة، وبدت آنذاك وكأنها بداية النهاية للطغاة العرب.
ولكن بعيدا عن الكاميرات، كانت تحدث قصة أخرى في شوارع القاهرة والإسكندرية، ، حيث أشعلت حشود النيران في أقسام الشرطة التي استعمل أفرادها الأسلوب الوحيد الذي يعرفونه وهو استخدام الذخيرة الحية مباشرة ضد المحتجين.
واستمرت الشرطة في إطلاق النار بشكل موسع في التجمعات الأخرى، طالت المحتجين بالقرب من ميدان التحرير بنفسه.
وبشكل إجمالي قتل 846 شخصا، ولكن بسبب الاحتفالات السعيدة في ميدان التحرير المحرر، مرت حالات القتل على نحو غير ملحوظ باستثناء المشارح التي اكتظت بالجثث.
هل كان إطلاق النار جراء أوامر مباشرة بأوامر من القيادات العليا؟ في القاعدة الهرمية للشرطة المصرية، يبدو مستحيلا التفكير في أي احتمال آخر، ومع ذلك، فإن حكم السبت يخبرنا أنه لم يكن أمرا مباشرا.
“لقد كان مستحيلا سياسيا، بالتأكيد، أن يدفع مبارك ووزير داخليته حبيب العادلي أي ثمن حقيقي قضائي جراء ما حدث في تلك الأيام،. فالفظائع التي حدثت ظهيرة ومساء 28 يناير 2011، تمت مضاهاتها ومجاوزتها، عبر أحداث لاحقة..الأكثر أهمية، فإن مستبد مصر الجديد، الرئيس عبد الفتاح السيسي، يدين بمنصبه الحالي إلى الخط المتشدد الذي انتهجه ضد المتظاهرين في وقت لاحق للانقلاب العسكري الذي جلبه إلى السلطة، وقتل أكثر من ألف متظاهر في أغسطس العام الماضي، بأوامر قيادية مسجلة”.
لقد تلقت حكومة السيسي تحذيرات مفادها أن تطهير الشوارع من المتظاهرين سيتسبب ربما في إزهاق عدد أكبر من المتظاهرين، ربما ألفين أو ثلاثة آلاف، وكان الخوف من ملاحقة قضائية محتملة من بين القضايا التي خضعت للمناقشة.
المدافعون عن الجيش سيقولون إن قوى غير منظورة أخرى كانت تعمل في 28 يناير، اليوم الذي ما زال يلعب على عواقبه حتى اليوم، ويشيرون إلى قرار الإخوان المسلمين بالانضمام إلى المظاهرات، التي نظمها في الأصل نقابات عمالية وجماعات علمانية أخرى.
لقد اتضح أنه على الرغم من أن أغلبية المصريين، بينهم العديد داخل مؤسسة الجيش والشرطة، كانوا سعداء برؤية نهاية حكم مبارك المتهاوي، فإن العداء المتأصل للإسلاميين، لا سيما داخل الشرطة ، كان أشد وطأة.
ومن الصحيح القول إن السياسيين الليبراليين والعلمانيين وأتباعهم أثبتوا وهنا وافتقادا كبيرا للتنظيم كان من السهل معه بيع فكرة مواجهة مصر لاختيارين بين الحكم العسكري وخط الإسلاميين المتشدد.
البعض من هؤلاء الليبراليين يؤيدون السيسي ونظامه المستبد، رغم أن حكام مصر الجدد يتجاوزون كثيرا وحشية ونزوية نظام مبارك.
وقال هؤلاء إن وجود “حكومة مستقرة” يسمح لهم بزرع بذور ديمقراطية.
ثمة سوابق لذلك، مثل تشيلي في عهد بيونشيه، والديكتاتوريات السابقة في كوريا الجنوبية وتايوان.
النظام المصري ما زال يدعي أنه “ثوري”، مثلما ادعى أسلاف مبارك العسكريون منذ قبل ستة عقود.
الديمقراطية الحقيقة قد يستغرق تحقيقها عقودا أطول، وفي نفس الوقت، سيظل هؤلاء الذين يقتلون من أجل الدولة بمنأى عن العقاب.”لقد كان مستحيلا سياسيا، بالتأكيد، أن يدفع مبارك ووزير داخليته حبيب العادلي أي ثمن حقيقي قضائي جراء ما حدث في تلك الأيام،. فالفظائع التي حدثت ظهيرة ومساء