قضت محكمة أمن الدولة باﻹمارات الثلاثاء بسجن «أسامة النجار» 3 سنوات وتغريمه نصف مليون درهم (136 ألف دولار) بعد توجيه عدة تهم له؛ من بينها «تشويه صورة الإمارات والتحريض على كراهية الدولة عبر وسائل الإعلام الاجتماعية»، كما أكدت المحكمة على عدم استئناف الحكم. وكان المدعي العام قد قال في حيثيات حكمه إن المدوّن البالغ من العمر 25 عامًا «نشر الأكاذيب والشائعات، وخلق حالة من الفوضى والخوف في المجتمع». ولم تكن جريمة «النجار» سوى أنه قام بالتغريد دعمًا لوالده الذي أُدين العام الماضي بتهمة الانتماء إلى «خلية تابعة لجماعة الإخوان المسلمين» التي يُزعم أنها تتآمر للإطاحة بالحكومة. وصدر ضد الأب حكم بالسجن عشر سنوات استنادًا إلى اعترافات يُعتقد على نطاق واسع أنه أدلى بها تحت وطاة التعذيب
وفي الوقت ذاته؛ فقد أعلنت وزارة الداخلية السعودية في 25 نوفمبر/تشرين الثاني على لسان متحدثها عن اعتقال 77 من أعضاء «الدولة الإسلامية»، من بينهم أربعة مدبرين للهجوم الإرهابي على قاعة دينية شيعية في المنطقة الشرقية من البلاد قبل ثلاثة أسابيع.
فما الذي تريد تلك أن القصص أن تخبرنا بشأنه عما يشكل وما لا يشكل خطرًا حقيقيًا وموجودًا بشكل فاعل؟ تعالوا نبدأ من قضية «أسامة النجار».
وفي مرة سابقة مَثل فيها «النجار» أمام المحكمة خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قال لرئيس المحكمة إنه لم يُسمح له الحصول على ملف قضيته، كما أنه مُنع من الاتصال بمحاميه أثناء الاحتجاز. وقالت «منظمة العفو الدولية» إن الشرطة الإماراتية احتجزت النجار فور اعتقاله في «مكان مجهول» وخضع للتعذيب، لكن السلطات الإماراتية نفت تلك الاتهامات.
ولكن ما يتكرر حدوثه باستمرار هو نمط من السلوك المنطوي على قيام السلطات الإماراتية على مدى العامين الماضيين باعتقال أعضاء في تنظيم «الإصلاح»، وهو تجمع ديني محافظ يُزعم أن له صلات وثيقة مع جماعة «الإخوان المسلمين». وما أصبح يعرف باسم «معتقلي دولة الإمارات العربية المتحدة الـ 94 اعتُقلوا في «أماكن مجهولة»، وتعرضوا للتعذيب لانتزاع اعترافات منهم بالإكراه، وحُرموا من الاتصال بالمحامين ومن الحصول على مستندات القضية التي أُدينوا بها. وفي وقت لاحق تم الحكم على 69 من هؤلاء – بما في ذلك والد أسامة – بأحكام قاسية مع عدم وجود فرصة للاستئناف، وتمت تبرئة الباقين.
وقد صنّفت دولة الإمارات العربية المتحدة تجمع «الإصلاح» على أنه تابع لجماعة لـ«الإخوان المسلمين»، وأن جماعة «الإخوان» وعشرات من المنظمات الأخرى الإرهابية وغير الإرهابية في جميع أنحاء العالم تشكّل خطرًا حقيقيًا وقائمًا لدولة الإمارات.
وبالتالي؛ فإن ما يحدث في هذا العالم المصاب بجنون العظمة هو أن تغريدة كتبها ابن لمعتقلٍ من تجمع «الإصلاح» للإعراب عن خوفه بشأن معاملة والده في السجن قد تكون بمثابة الزناد الذي سيسقط الحكومة، ويلقي بدولة الإمارات العربية المتحدة في مستنقع الفوضى العنيفة. وأما هؤلاء المتهمون من المنظمات الدولية لحقوق الإنسان فلا أحد يعطيهم انتباهًا، حتى حلفاء الإمارات في لندن وواشنطن يغضون الطرف بشكل بالغ.
مراقب في دولة الإمارات العربية المتحدة – لا أستطيع ذكر اسمه لأنه سيُسجن إن فعلت – وصف قضية أسامة النجار بأنها «نموذجية»، مع العلم أن هذا الشخص ليس له أي صلة على الإطلاق بـ«الإصلاح» أو «الإخوان المسلمين».
وأضاف هذا المراقب: «نعم هي كذلك، هذه القضية هي السلطات ضد الفرد، فالقوانين والمحاكم ومؤسسات الدولة هي الأسلحة التي صُممت للترهيب والقمع. غير مسموح بالنقد السياسي أو تحدي السلطة. نحن نعيش في دولة بوليسية من الطراز الأول»، وتابع إن جهاز الأمن يسحق المعارضة وكالعادة بحجة تهديد الإرهاب الوهمي.
ذاك التهديد الوهمي الذي تتحدث عنه الإمارات يقودني إلى تسليط الضوء على المملكة العربية السعودية، وما الذي يُوصف بأنه تهديد حقيقي بالفعل غير قابل للجدل.
في الرد على الهجوم الذي وقع في بلدة «الدالوة» الشرقية، اعتقلت السلطات 77 شخصًا، ووجهت الشرطة لهم تهمة الانتماء لــ«خلية تابعة للدولة الإسلامية». الكثير من هؤلاء المعتقلين كانوا عائدين من الخطوط الأمامية للجهاديين في سوريا والعراق. والبعض الآخر كان قد خضع لبرنامج مكافحة التطرف الذي نال الإشادة الواسعة في المملكة وخارجها. كل هذا يشير إلى أن التهديد الإرهابي داخل المملكة أكثر خطورة مما تزعم المملكة، ويُفنّدُ مزاعم السلطات بأنه تحت السيطرة.
وتعتبر «الدولة الإسلامية» حكم «آل سعود» فاسدًا، ولا يستحقون المكانة التي هم فيها بالإشراف على شئون أكثر المواقع الإسلامية قدسية؛ مكة المكرمة والمدينة المنورة. ورغم أن هذا التنظيم قد لا يكون قادرًا على شن هجوم مباشر على الأراضي السعودية، إلا أن مثل هذه الهجمات الإرهابية التي تخيف الغرب قد تحدث في الرياض أو جدة كما يمكنها أن تطال لندن أو نيويورك أو باريس. والسبب راجع بقوة إلى الدعم القوي لتنظيم «الدولة الإسلامية» ولفكرته إقامة الخلافة التي تبسط رايتها على العالم ككل وأهمها شبه الجزيرة العربية.
وهذا الدعم ليس مستغربًا جدًا عند وضع نظام التعليم السعودي والنخبة الدينية في الاعتبار وهم كانوا على رأس من قاموا بتشكيل عقول وفكر الشباب على مدى عقود بمزيج فريد من التعصب المبنيّ على التفسير المتزمت للإسلام داخل المملكة؛ والمعروف باسم «السلفية» أو «الوهابية». وللأمانة فإن الغالبية العظمى من الشباب السعودي قد تخطى تلك القيود، ولكن أقلية صغيرة رضخت للأمر الواقع وتلقّت ما فُرض عليها، وتُمثل تلك الأقلية بالتأكيد أرضية تجنيد خصبة أمام «الدولة الإسلامية».
لقد كانت السلطات خجولة بشأن العدد الدقيق، ولكن بالتأكيد قام المئات وربما الآلاف من الشبان السعوديين بالانضمام إلى «الدولة الإسلامية» بينما اقتنع آلاف آخرون بأيديولوجيتها الفاشية والوحشية. تُرى كم عدد الخلايا الأخرى المنتمية لهذا التنظيم والتي تواجدت بالفعل في السعودية أو نجحت في التسلل إلى المجتمع السعودي خلال الفترة الأخيرة؟ … حسنًا، هذه هي الأسئلة التي يصارع السعوديون بفارغ الصبر من أجل معرفة إجابة عليها. ولكن ما لا شك فيه مُطلقًا هو أنّ المملكة تواجه تهديدًا حقيقيًا وقائمًا وينمو باستمرار.
وبناءً عليه؛ فإنه إن كان هناك خطر حقيقي وحاضر يواجه المواطنين في دولة الإمارات العربية المتحدة، فإنه الخطر ليس قادمًا من جماعة «الإخوان المسلمين»، بل من عمليات سحق المعارضة التي تقوم بها الأجهزة الأمنية والمحاكم في الوقت الذي يغضّ فيه الغرب الطرف تجاه تلك الممارسات مُتلبّسين بوهم أن ما يحدث ما هو إلا جزء من الحرب على الإرهاب الإسلامي. في الحقيقة؛ فإن ما يحدث في الإمارات ليس كذلك.
* نشر هذا المقال تحت عنوان: Saudi Arabia’s real and present danger
المصدر | ميدل إيست آي – بيل لو
ترجمة: الخليج الجديد