بين قوات النظام السوري التي قمعت بالقوة تظاهراتهم والمتشددين الذين يفرضون أحكاما إسلامية متطرفة عليهم، لا يجد الناشطون السوريون مفرا من نعي الحركة الاحتجاجية التي أطلقوها عام 2011 رغم إيمانهم بأن مستقبل سورية سيكون “أجمل”.
ويواجه هؤلاء الناشطون واقعا يزداد مرارة يوما بعد يوم في بلادهم حيث يقاتل آلاف الأجانب القادمين من الشيشان وأفغانستان ودول أخرى في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، وجبهة النصرة التي تمثل تنظيم القاعدة.
وقامت التنظيمات المتشددة التي تسيطر على مدن وقرى وبلدات في سورية بطرد المجموعات المعتدلة المعارضة للنظام من غالبية مناطق نفوذها، بينما تحول عدد كبير من المقاتلين المعارضين من “أبطال” بنظر سوريين كثر، إلى أمراء حرب.
وفيما تعزز هذه الجماعات المتشددة نفوذها في مناطق تواجدها وتحاول التمدد نحو مناطق أخرى، يواصل نظام الرئيس السوري بشار الأسد إحكام قبضته على العاصمة دمشق، ويشن حملة لاستعادة السيطرة على مناطق أخرى مستندا بشكل خاص إلى عمليات القصف الجوي.
موت الثورة
ويقول سامي صالح المقيم في تركيا والمتحدر من مدينة حماه وسط سورية لوكالة الصحافة الفرنسية إن معظم الناشطين الذين قادوا أولى المظاهرات ضد النظام قبل أكثر من ثلاثة أعوام ونصف تعرضوا إلى القتل، أو السجن، أو أجبروا على مغادرة البلاد.
ويضيف “الثورة ماتت، والبلاد غرقت في حرب شاملة”، موضحا أن “الثورة تحتاج إلى مظاهرات وتحرك مدني لكن ما نشاهده اليوم هو معارك للسيطرة على الأراضي والموارد والوصول إلى السلطة”.
ودفعت الحرب في سورية العديد من الناشطين إلى التخلي عن مطلبهم بإقصاء الأسد عن السلطة بأي ثمن وباتوا يطالبون اليوم بحل ما يضع حدا لهذا النزاع الدامي الذي قتل فيه أكثر من 195 ألف شخص منذ بدايته.
ويؤكد الناشط نائل مصطفى الذي يعمل على توثيق ممارسات داعش في مدينة الرقة الشمالية التي يسيطر عليها أن “مطلبي الثوري اليوم هو وضع حد لآلة القتل”.
والرقة أول محافظة سورية تقع في أيدي تنظيم داعش بعدما طرد منها المعارضة المسلحة التي سيطرت عليها في ربيع عام 2013، قبل أن يشن حملة اعتقال ونفي بحق كل من حاول إقامة ادارة مدنية فيها إثر خروج الجيش السوري.
ويرى مصطفى الذي يحمل اسما مستعارا خوفا من التعرض للملاحقة والقتل أن تحول الحركة الاحتجاجية التي ووجهت بقمع عنيف من قبل السلطة إلى حركة معارضة مسلحة، هو ما قاد نحو الحرب و”الثورة”.
ويوضح “أحترم تضحيات المقاتلين لكن عندما صدر قرار حمل السلاح أدركت أن الثورة السورية ماتت”.
ومن بين الناشطين الذين عملوا جنبا إلى جنب مع جماعات معارضة مسلحة، إبراهيم الإدلبي الذي يعيش منذ شهر في تركيا، وقد غادر سورية ليس بسبب الاعتقال والتعذيب الذي تعرض له على أيدي قوات النظام، بل بسبب سيطرة جبهة النصرة على بلدته في محافظة إدلب (شمال غرب).
ويقول الإدلبي “لو روى لي أحدهم في سنة 2011 ما يحدث اليوم، لكنت سخرت منه”، ملقيا اللوم على النظام والمعارضة المسلحة والداعمين الدوليين لهما وللحركة الاحتجاجية.
ويوضح “النظام قال إن الناس مسلحون عندما لم يكونوا يحملون السلاح، فحملوا السلاح، النظام قال إن في سورية إرهابيون عندما لم يكونوا هناك، فأتوا بعد ذلك، إنه خطأ النظام طبعا، لكننا ساعدنا على تحويل مزاعمه إلى حقيقة، ارتكبنا الخطأ تلو الآخر”.
ويرى هذا الناشط أيضا أن المعارضة السورية المسلحة تخوض حاليا حربا للوصول إلى السلطة، بينما تشن الدول الداعمة لها وخصوصا السعودية وقطر عبرها حربا بالوكالة مع دول أخرى، بينها إيران.
ويقول “كل دولة تقاتل هنا من أجل مصلحتها”، بعيدا عن هدف الإطاحة بالرئيس بشار الأسد.
بقايا أمل
ورغم ذلك، يرفض الإدلبي، مثله مثل الناشط الكردي أحمد خليل، التخلي عن الأمل بمستقبل أفضل لسورية.
ويقول خليل الذي سجن في سورية لمشاركته في تظاهرات قبل أن يحصل على لجوء له ولعائلته في النرويج “ستكون هناك حياة جديدة، قد لا نعيش لنراها، لكن عندما تبدأ، ستكون حياة جميلة”.