بدعوى مكافحة الإرهاب، تتخذ بعض دول الخليج إجراءات تعسفية قمعية ضد قوى المعارضة، فمنذ قيام ثورات الربيع العربي، يتوجس حكام السعودية والإمارات والكويت من وصولها إلى بلادهم، الأمر الذي دفعهم إلى ملاحقة المعارضين.
من السجن إلى سحب الجنسية تتدرج الإجراءات الخليجية ضد قوى المعارضة، فتحت مسمى محاربة الإرهاب أصدرت الإمارات قرارًا باعتبار عشرات المنظمات الداخلية والخارجية “إرهابية”، وشرعت قانونا لملاحقة أموالهم.
وفي السعودية، مازال سجن النشطاء والصحفيين والسياسيين مستمر، أما الكويت فتحاول المؤسسات الرسمية منع كافة الطرق السلمية والقانونية للاعتراض، وتصف المعارضة الكويتية البرلمان والحكومة بالفقدان للشرعية.
أعلنت الإمارات أمس إجراءات مكافحة غسل الأموال لتشمل جرائم تمويل الإرهاب ما سيسمح بالتدقيق في الأرصدة كافة والودائع في مصارف الإمارات والتحويلات منها وإليها أو عبرها وذلك استناداً إلى قرار اتخذه مجلس الوزراء الإماراتي في إطار توجّه لمواجهة الإرهاب وتمويله.
وأكد وكيل وزارة المال الإماراتي يونس الخوري في مؤتمر صحفي أن «القانون الاتحادي الرقم (9) لعام 2014 تضمن مادة لتغيير مسمى «القانون الاتحادي الرقم (4) لعام 2002 بما يتناسب ومواجهة جرائم الإرهاب وتمويله.
وأضاف أن ذلك بهدف معالجة بعض أوجه القصور الأساسية التي حددها خبراء صندوق النقد الدولي في تقرير تقويم نظام مواجهة غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب لدولة الإمارات وذلك من أجل تجنب إجراءات المتابعة المعززة.
وأصدرت دولة الإمارات بداية الشهر الجاري قراراً بإدراج 83 منظمة وهيئة وجبهة على قائمة الإرهاب، واتهمت منظمة العفو الدولية، الإمارات، بشن حملة غير مسبوقة ضد المعارضة منذ عام 2011، من خلال سجن ومحاكمة أكثر من 100 من النشطاء لمطالبتهم بإصلاحات سياسية.
وقالت المنظمة في تقرير لها إنَّ الإمارات المتحالفة مع الغرب تقوم بتنفيذ مشروعات لتضفي البريق على صورتها، لكن تحت هذه الواجهة واقع أقبح من ذلك بكثير، حيث أن النشطاء الذين يتجرؤون على تحدي السلطات أو يتحدثون عن مزيد من الديمقراطية ومساءلة الحكومة موجودين في السجن.
وكشف تقرير المنظمة، أن الحملة ضد المعارضة بدأت بعد أن وقع 133 شخصا على عريضة تطالب بالحق في برلمان منتخب في عام 2011، وتزامنت هذه الخطوة مع ثورات الربيع العربي في تونس ومصر.
واستطرد التقرير: بعد فترة قليلة، تم محاكمة 94 شخصا يعتقد أن لهم صلات بجمعية الإصلاح (تيار الإخوان المسلمين) المحظورة منذ سنوات، وأدين 69 شخصا منهم وحكم عليهم بالسجن لمدد تتراوح بين 7 سنوات و15 سنة، بتهمة السعي للاستيلاء على السلطة، وبعضهم نزعت منه الجنسية.
ونقلت المنظمة عن بعض الذين سجنوا قولهم إنهم: “تعرضوا للتعذيب وسوء المعاملة”، ووصفهم “كيف انتزع المحققون أظافرهم، وضربوهم ضربًا مبرحًا، وعلقوهم رأسًا على عقب لفترات طويلة، نتفوا شعرًا من لحاهم وصدورهم، وهددوهم بالصدمات الكهربائية والتعذيب، والاغتصاب والموت”.
وشهدت الإمارات منذ 2011 حملة واسعة من الملاحقات الأمنية للمعارضين، في خطوة وصفها المراقبون بأنها محاولات حثيثة لمنع وصول ثورات الربيع العربي لأراضيها.
السعودية
وفي السعودية، انهالت ردود الأفعال الغاضبة من قبل المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية العالمية على الممارسات والأحكام التعسفية التي يطلقها النظام السعودي بحق النشطاء والمعارضين السياسيين وأصحاب الرأي، فأصبح هناك عدد كبير من المعارضين داخل زنازين السلطة الحاكمة.
وزادت في الآونة الأخيرة أحكام الإعدام والسجن لفترات طويلة، إضافة إلى الاعتقالات وحملات الدهم والتفتيش التي تقوم بها القوات الأمنية.
وأدانت منظمة “مراسلون بلا حدود الدولية”، ما وصفته بـ”السياسات القمعية” التي ينتهجها النظام السعودي ضد الأصوات المعارضة التي تعبر عن آرائها، داعية إلى إعادة النظر في بعض الأحكام التي طالت صحفيين ونشطاء وإطلاق سراح المحبوسين منهم.
وقالت فرجيني دانجل، نائبة مديرة البرامج في منظمة “مراسلون بلا حدود” المعنية بالدفاع عن حرية الصحفيين ونشطاء الرأي في بيان أصدرته “ندين السياسات القمعية التي ينتهجها النظام السعودي ضد الأصوات المعارضة التي تعبر عن آرائها بشكل متزايد على شبكة الإنترنت”.
وأضافت دانجل: “نحث السلطات السعودية على إعادة النظر في هذه الأحكام والإفراج عن الصحفيين والمواطنين ونشطاء حقوق الإنسان مع سحب الإجراءات القضائية المسلطة عليهم”.
ويميل حكام السعودية إلى تقديم البلاد على أنها مساحة لا تخضع لتطبيق قواعد السياسة المتعارف عليها.
وشهدت السعودية خلال السنوات الثلاث الماضية موجة من المعارضة تبعها نمط من النشاط المعارض المتكرر داخل نظام سياسي يعاني القمع.
الكويت
رفضت المحكمة الدستورية الكويتية طعناً قدمه أحد المحامين، بإجراءات مرسوم «الصوت الواحد» الذي عُدل بموجبه قانون الانتخاب في سبتمبر2012. ويعني قرار «الدستورية» استمرار مجلس الأمة (البرلمان) الحالي في أعماله، على رغم أن المعارضة السياسية قاطعت اختيار أعضاء هذه المجلس اعتراضاً على ذلك المرسوم.
وقضت المحكمة أيضاً برفض جميع الطعون بانتخابات المجلس الحالي ورفض الطعون الخاصة بالانتخابات التكميلية التي أجريت الصيف الماضي بعد استقالة بعض النواب احتجاجاً على تصرفات حكومية.
واستند المحامي صلاح الهاشم مقدم الطعن، إلى مخالفة المادة 71 من الدستور التي توجب عرض المرسوم على المجلس في الجلسة الأولى لإقرار مرسوم قانون تعديل الانتخاب من عدمه، وقال «إن عدم عرض المجلس لمرسوم الصوت الواحد بصورة تتناسب والمادة 71 وبطريقة صحيحة يعني زوال أثر المرسوم وبأثر رجعي».
وكانت المحكمة الدستورية أصدرت قراراً مثيراً للجدل في يونيو 2012، بإبطال مجلس الأمة في حينه بسبب خطأ إجرائي تعتبره المعارضة شكلياً، وأطاح هذا الإبطال المجلس المنتخب في فبراير من العام نفسه، والذي حظيت به المعارضة للمرة الأولى بغالبية كاملة من المقاعد. وعندما جرى تعديل قانون الانتخاب بمرسوم في غياب المجلس اعتبر المعارضون ذلك تجاوزاً للدستور وقاطعوا الانتخابات منذ ذلك الوقت.
ومن جانبها تقول المعارضة الكويتية أن مجلس الأمة الحالي والحكومة فاقدان للشرعية، وأن أوضاع البلد في تدهور في جميع المجالات نتيجة لفشل الحكومة وعجز المجلس وطالبوا برحيل المجلس والحكومة، وبدء حوار وطني بين مختلف أطياف الشعب الكويتي لطي هذِه الحقبة من أجل مصلحة الكويت مطالبة بضرورة إجراء حوار وطني بين كافة أفراد الشعب للخروج من الأزمة الحالية على حد تعبيرهم.
وتزيد الكويت خلال الفترة الأخيرة من ملاحقة المعارضين والإعلاميين إما بالاعتقال أو التضييقات وصولا لسحب الجنسية حيث قررت الحكومة الكويتية في نهاية أغسطس الماضي سحب الجنسية من 17 شخصا، بينهم الإعلامي «سعد العجمي» رئيس اللجنة الإعلامية بحركة «حشد» المعارضة، والداعية الاسلامي «نبيل العوضي» وغيرهم ضمن مجموعة كبيرة من المعارضين قررت سحب الجنسية الكويتيه عنهم.
واقع مهين
بدوره أكد الدكتور مختار محمد الخبير السياسي، أن الإجراءات التي تتخذها بعض دول الخليج، على رأسها الإمارات والسعودية الكويت، لمواجهة المعارضة، إجراءات بعضها تعسفي، خصوصا فيما يخص سحب الجنسيات والأحكام المشددة.
وقال الخبير السياسي، إن سياسة دول الخليج ترفض معارضة الحكام، وتعتبره جريمة كبيرة وبالتالي تصدر تلك الأحكام القوية، مؤكدا أن الوضع زاد في الفترة الأخيرة بسبب الأحداث المتأزمة والتي خلقت واقع عربي مهلهل.
وعن علاقة مواجهة تلك الدول للمعارضة بالإرهاب، قال الخبير السياسي، هناك تخوف كبير من دول الخليج لما يسمى بثورات الربيع العربي، ولذلك فهي تستغل “الإرهاب” كذريعة للتنكيل بالمعارضة، لتجنب ردود الأفعال الدولية والمنظمات الحقوقية.
وأعرب الخبير السياسي عن أسفه لما يحدث في تلك الدول، مؤكدا أن الواقع الحقوقي في تلك الدول مهين.
وائل مجدي