عاد الكاتب المصري أحمد عبدالمعطي حجازي مشككا فى الرواية القرآنية بشأن قصة موسى عليه السلام مع فرعون مصر وقصة خروج بنى إسرائيل من مصر بعد أن شق الله البحر لهم ثم أغرق فرعون وجنده فى اليم بما كانوا يظلمون.
ويتهم حجازى فى مقاله المنشور اليوم بجريدة الأهرام تحت عنوان”ريمة .. وعاداتها القديمة” القرآن بالانحياز لبنى إسرائيل ضد المصريين قائلا:«الموقف الذى تقفه النصوص الدينية من تاريخنا حين تختزله فى قصة موسى وما كان بينه هو وبنى إسرائيل وبين فرعون والمصريين من صراع عنيف انحازت فيه هذه النصوص لموسى ضدنا».
ويرى حجازى أن المصريين حيال ذلك يقعون فى موقف لا يحسدون عليه بين الانتماء الدينى الذى يلزمهم بالانحياز إلى موسى والانتماء الوطنى الذى يستوجب منهم الانتماء إلى فرعون بقوله« ولأننا نحن المصريين نؤمن بهذه النصوص فنحن نجد أنفسنا فى موقف لا نحسد عليه. لأننا بحكم انتمائنا الدينى مطالبون بأن نكون مع موسى ومع بنى إسرائيل، وبحكم انتمائنا الوطنى مطالبون بأن نكون مع فرعون».
ويعتبر المفكر العلمانى أن هناك ثلاثة أسباب تدفع المصريين للانحياز إلى موسى وبنى إسرائيل على حساب أنفسهم وانتمائهم الوطنى واصفا موسى عليه السلام ومن معه بالغزاة الذين استعبدوا المصريين ونزحوا خيراتهم باسم الدين مثلهم مثل الفرس قديما وصولا إلى العثمانيين حديثا حيث يقول حجازى «لأن عواطفنا الدينية قوية بالوراثة. ولأن الأمية منتشرة فينا. ولأن ثقافتنا التاريخية وثقافتنا الوطنية عامة ضعيفة متهافتة فنحن فى هذا الصراع نقف ضد فرعون، أى ضد أنفسنا ونلتحق بالغزاة الذين تقاطروا على بلادنا ونزحوا خيراتها واستعبدونا باسم الدين من أول الفرس فى القرن السادس قبل الميلاد إلى الأتراك العثمانيين فى هذا العصر الحديث».
ويعرب حجازى عن اعتقاده بأن «الدين لم يعد المصدر الوحيد لمعرفة تاريخ المصريين، وإنما أصبح تاريخنا وتاريخ الإسرائيليين وغير الإسرائيليين معروفا يقرأه العالم ويتعلمه التلاميذ ويأخذه المؤرخون والباحثون من مصادره المباشرة المتمثلة فى هذه الآثار الباقية هنا وهناك فوق الأرض وتحتها. المعابد، والمقابر، والتماثيل والصور، والألواح المكتوبة التى تكشف لنا عن الماضى كأننا نعيش فيه كما نرى فى الجيزة والأقصر، وتل العمارنة، ودندرة» وهو تأكيد لتشكيكه فى صحة الرواية القرآنية وضرورة الاعتماد على بقايا الآثار القديمة هنا وهناك.
وتدليلا على تشكيكة فى قصة موسى عليه السلام مع فرعون يضيف حجازى «القصة الوحيدة التى لم ينقلها اليهود عن غيرهم هى قصة خروجهم من مصر عبر البحر الذى انفتح لهم وتركهم يعبرون سالمين ثم انطبق على فرعون والمصريين وأغرقهم عن آخرهم».
ثم يتجاهل حجازى ذكر الرواية القرآنية فى القصة التى يؤكد أنها «لا وجود لها فى أى مصدر من مصادر التاريخ القديم، لا عند المصريين، ولا عند البابليين، ولا عند اليونانيين. وهو أمر يدعو للتساؤل ويفرض علينا أن نميز بين التاريخ فى النص الدينى والتاريخ فى مظانه ومصادره» وكأنه لا يكفيه الرواية القرآنية التى اتفقت فى كثير من جوانبها مع ما ورد بسفر التكوين بالعهد القديم فيضرب عرض الحائظ بالروايتين مادامت لم تثبت فى مصادر التاريخ القديم على حد زعمه.
ويتمادى الكاتب العالمانى فى اتهام الرواية الدينية على إطلاقها سواء فى القرآن أو فى العهد القديم ويتهمها بأنها لا تتفق مع الحقيقة العلمية على حد زعمه متابعا «التاريخ فى النص الدينى وسيلة تستخدم لضرب المثل واستخلاص العبرة لأن العاطفة الدينية أو القيمة الأخلاقية هى الغاية المقصودة فى النص الدينى الذى يأخذ من التاريخ ويضيف إليه ويفسره بما يخدم الغاية الأخلاقية وإن لم يتفق تماما مع الحقيقة العلمية التى نلتمسها فيما تركه لنا القدماء وما بحث عنه وأثبته المؤرخون».
ومع تشكيكه الذى يصل إلى حد الإنكار للرواية القرآنية والعهد القديم فإنه يؤكد على إيمانه بما قرره الباحثون «منهم الباحث الألمانى (فلها وزن) فى دراسته المعمقة التى تناول فيها تاريخ اليهود ونصوص التوراة وانتهى إلى أن اليهود «لم يتواجدوا فى مصر، ولم يقفوا على جبل سيناء، بل قدموا عبر الأردن وتوغلوا فى كنعان ـ أى فلسطين» وهو ما ينتهى به إلى إنكار ما ورد بالقرآن صراحة.