حوار ناقة لم يتجاوز عمره الشهرين بيع بمبلغ يزيد عن أربعة ملايين ريال سعودي، والمشتري كان نائب أمير منطقة «حائل» الأمير «عبدالعزيز بن سعد»، بينما اشترى إماراتي ناقة مقابل عشرة ملايين درهم إماراتي في أبوظبي وصفت بأنها «الأغلى في العالم».
المواطن الإماراتي «حمدان الفلاحي» لم يكتف بذلك، بل اشترى اثنتان ليصبح العدد ثلاثة نوق بقيمة أربع وعشرين مليون درهم، فما القصة وراء غلاء مهور الإبل إلى هذا الحد المليوني، وهل للأمر صلة بجريمة غسيل الأموال في أسواق الإبل؟
يقول الشاعر «دغيم بن غيام» وثق مقاييس مزاين (جمال) الإبل بالأبيات التالية: «يا صاح.. كان انك تحب المغاتير، عليك باللي يرغبونه هل الصنف، وساع النحور اللي وبرها دواوير، جرد الرقاب اللي عرانينها هنف».
ومن أجل «المغاتير» التي تغزل في جمالهن الشاعر، اندلع خلاف مالي بين اثنين من أشهر ملاك الإبل في المملكة، اختلفا على قيمة ثلاثين ناقة من مزايين الإبل، بقيمة مئة وخمسة ملايين ريال سعودي، وهو ما أثار شكوكًا حول وجود عمليات غسيل أموال في هذه الصفقات، بسبب المغالاة في أسعار الإبل وعقد صفقات بمئات الملايين.
فهل يتوقف الأمر فقط على المقدرة المالية للبائع والمشتري، وهل زيادة الإقبال علي اقتناء ذات الحسب والنسب منها، سبباً في رفع أسعارها إلى ما هو أعلى من ناطحات دبي؟!
سوق «مزايين الإبل» صارت شهرته أكبر من شهرة مدينة صقلية التي تنحدر منها عائلات المافيا الإيطالية، وهدير أمواج الملايين من الريالات والدراهم والدنانير لا يتوقف صخبه، بل وفاق كل التوقعات وأصبح سوق يرتاده تجار الإبل من كافة أنحاء المملكة و جميع مناطق الخليج، كما يتوافد إليه أصحاب ومربي الجمال من كافة أنحاء المناطق المجاورة أيضا للمزايدة بالملايين من أموالهم.
يقف مالك الناقة أو من ينوب عنه ويبدأ المزاد عليها، وتشتعل الأرقام الفلكية، ويعللون أسباب زيادة أسعارها بأن نفقتها وتكاليفها مرتفعة جدا، وأنها نادرة الوجود وان أمها من سلالة آلهة الإبل عن الإغريق!
إلا أن رائحة جريمة غسيل الأموال في هذه الأسواق الصحراوية يستطيع أن يشمها حتى المصاب بالزكام، البعض يؤكد أن غسيل الأموال قد وجد مدخلا لهذا النشاط العفوي البريء، الحلال في ظاهره، ليحيله إلى جهنم صغرى، ولا أحد يعرف الحجم الحقيقي للمبالغ التي يجري غسلها عبر أنشطة بيع وشراء هذه الإبل.
آخر ما قد يفكر فيه المتتبعون لجرائم غسيل الأموال حول العالم، أنها تتم في المملكة وفي هذه الأسواق، وأن تكون السلعة هذه النوق «المستغفلة» ذات السمعة الطيبة، وهو آخر ما توصل له تجار الرعب والموت، للخروج بأموالهم مغسولة لا أثر لرائحة الفساد فيها، وهل يشك أحد في مجرد إبل «مغاتير» تباع بملايين الريالات؟!
هنا سيجد تجار المخدرات من أوروبا وأمريكا والمكسيك راحتهم في إعادة تدوير أموالهم وغسلها بعيدا عن تعقيدات الخرائط البنكية، أضف إلى ذلك أموال تجارة السلاح والخمور المهربة، كل هؤلاء في حاجة إلى إضفاء المشروعية على مصادر أموالهم، والحل في «مزايين الإبل»، وحتى لا تتم مساءلته: من أين لك هذا ؟
غاسلو الأموال لا يستطيعون دخول البنوك من أبوابها، إنها عملية تنطوي على مراحل وسلسلة من الإجراءات، وحاجتهم ملحة إلى إخفاء المصدر الحقيقي للملكية غير المشروعة، وكذلك المحافظة على ترتيبات عملية غسيل الأموال، والحاجة إلى تغيير الآلية وتعددها من اجل تحصيل كمية كبيرة من النقد المشروع .
الحل يكمن في المتابعة والتقصي عن أسعار وأسواق «المزايين» بالوسائل القانونية ومعاقبة المجرمين وتجار غسل الأموال، متى ما وجدوا ، ووسائل وآليات غسيل الأموال وتحديد مصادر الخطر وأنماط عمليات الغسيل، والمراحل التنفيذية لها و الترتيبات التي يتخذها غاسلو الأموال ومعاونيهم.
إن عددا من هؤلاء التجار لا يعطونك معلومات كافية عن مصادر أموالهم، فتجدهم مشتتين وكذلك فوضويين في تعاملاتهم، أعني أنهم لا يعرفون كيف يحركون تلك الأموال بل الأهم أنهم واجهات لكبار المسؤولين من الشيوخ والأمراء ويتاجرون بأوامر مباشرة منهم ولهم أتعابهم في النهاية وحظهم في الاقتراب من مكارم عطاياهم.
مثل هؤلاء لا يمكن تركهم دون متابعة ومحاسبة ، وإن كانت تجارة «مزايين الابل» بريئة من تهمة غسيل الأموال حتى الآن ، فهل من الممكن أن تظل بريئة منها على طول الخط، وهل تتورط فيها الرؤوس الكبيرة؟!
المصدر | الخليج الجديد