سلط صعود تنظيم الدولة الإسلامية مرة أخرى الأضواء على المملكة العربية السعودية، التي تتهم بتوفير الأساس الأيديولوجي المتطرف للتنظيم وللعديد من مقاتليه ومموليه.
وقد واجهت المملكة انتقادات مماثلة في عام 2001 بعد أن اتضح أن 15 شخصًا من بين الـ19 الذين نفذوا هجمات الحادي عشر من سبتمبر سعوديون. ونتيجة لذلك، عندما اعتلى الملك عبد الله العرش بعد ذلك بأربع سنوات، قام بتأسيس وحدة التحريات المالية لوقف تمويل الإرهاب وسن إجراءات صارمة ضد الخطباء المتطرفين في المساجد. ولكن حملته ضد التطرف تركزت على تجديد جوهري لنظام التعليم في البلاد.
بعد ما يقرب من عقد من الزمن، بدا جليًّا أن الاصلاحات السعودية ليست كافية. والأهم من ذلك أنه بات من الواضح أن مكافحة التطرف عبر إصلاح منظومة التعليم خطوة غير كافية. فهناك المزيد مما يتعين القيام به لمواجهة الدولة الإسلامية – التي تشكل خطرًا واضحًا وقائمًا على بقاء البلاد فضلاً عن تأكيدها على أن الإسلام هو دين الرأفة والسلام.
على مدى عقود، سيطر المحافظون السعوديون على التعليم السعودي، حيث روجوا لإسلام ضيق الأفق. فأصبح الخريجون غير مبالين، ويفتقرون إلى المهارات اللازمة لتطوير المجتمع السعودي واقتصاد البلاد.
ولتغيير هذه النتيجة، زاد الملك عبد الله من عدد الجامعات السعودية من 8 جامعات إلى 25 جامعة. وأغلق كليات المعلمين المحافظة، وحسن من تدريب المدرسين لتشجيع التفكير النقدي عوضًا عن الحفظ. وزاد من حصص تدريس الرياضيات والعلوم، وجرى حذف أجزاء من اللغة المتعصبة من الكتب الدينية. وجرى التأكيد على أن الإسلام دين “اعتدال”. وتخلص من المئات من المعلمين الذين ينشرون الأفكار المتطرفة.
وقد تمثلت أهم خطوات إصلاح التعليم التي أدخلها الملك عبد الله في برنامج المنح الدراسية في الخارج منذ عام 2005، حيث بموجبه جرى إرسال الآلاف من الشباب السعودي إلى الخارج لدراسة كل شيء بدءً من الإنجليزية ووصولاً إلى الهندسة. ثمة اليوم أكثر من 125000 سعودي يدرسون في حوالي 30 بلدًا، وأكثر من 70000 منهم في الولايات المتحدة وحدها. ولم يكتف الملك عبد الله برغبته في اكتساب السعوديين مهارات العمل المفيدة، بل أراد أيضًا فتح عقولهم على الثقافات الأجنبية والمجتمعات الحديثة.
إن هذه الإصلاحات التعليمية، والتي تضمنت تركيزًا جديدًا على العلوم والتكنولوجيا والهندسة والطب والرياضيات، مثيرة للإعجاب. في الواقع، إن لها السبق في العالم العربي. ولكن الطلاب السعوديين ما زالوا لا يحصلون على أسس جيدة في التاريخ والاقتصاد أو التحليل المقارن. يقول الكاتبان إنهما خلال السنوات التي عاشاها في المملكة، سمعا بعض الشباب السعودي الذين لا يعرفون شيئًا عن الحرب العالمية الأولى أو الثانية. ولا يدرسون الدين المقارن أو النظرية السياسية والفلسفة. فبالنسبة لبعض المعلمين السعوديين، هذه موضوعات خطيرة.
إن المواقف الدينية بين الشباب تتغير بالتأكيد، رغم أن هذا قد يكون راجعًا إلى جعل الإنترنت ضمن إصلاحات التعليم. في دراسة حديثة لسلوك الشباب، وجد أن الشباب السعودي هم أكثر استعدادًا من آبائهم لاستكشاف أنواع أخرى من الإسلام، وتزداد شكوكهم من الفتاوى الدينية الصادرة عن رجال الدين الرسميين. وعبر العديد من الشباب عن الرغبة في تطبيق معتدل للدين واهتمام أكبر بتنوع الإسلام. حيث يقول النساء خاصة إنهن يرغبن بفصل الإسلام من المعايير الثقافية السعودية التي تنطوي على تمييز ضد المرأة.
وقد جادل طالب سعودي متخرج من جامعة جورج واشنطن في أطروحة حديثه بالقول بأن المدارس في وطنه بحاجة إلى بذل المزيد من الجهد لتعزيز التسامح الديني. حيث قال: “لا يجب أن يكون الأمر (نحن) مقابل (هم) في صورة معركة بين المسلمين والكفار. في الواقع، ليس هناك حاجة لإشعال معركة ضد أي شخص”.
ولكن الواقع هو أن الشباب السعودي لا يتخرج من المدرسة إلى بيئة تتمتع بحرية مناقشة القضايا التي تزعزع الإسلام اليوم. في الواقع، إن الأمر عكس ذلك تمامًا. فرجال الدين السعوديون كثيرًا ما بثوا الكراهية والتعصب ضد الأقليات المسلمة، الشيعية بشكل خاص. كما أن المملكة العربية السعودية هي الدولة الوحيدة التي تحظر الدين المسيحي أو أي ممارسات عبادة أخرى في الأماكن العامة. وغالبًا ما يجري اعتقال السعوديين الذين يعبرون عن انتقادهم للدين أو الحكم، ويفقدون وظائفهم.
إن هذا يساعد على تفسير الإحجام الأولي بين الناس العاديين والمؤسسة الدينية عن إدانة تنظيم الدولة علنًا. فبعد معاناة السنة من قبل الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران في العراق ومقاتلي حزب الله في سوريا، رأى بعض السعوديين في الدولة الإسلامية، مهما كانت قاتلة، عودة لـ”فريق السنة”.
أظهر استطلاع للرأي أن أقلية صغيرة من السعوديين – تقدر بحوالي 5%- يتعاطفون مع الدولة الإسلامية. ورغم ذلك، فإن هذا هامش كبير بما فيه الكفاية لخلق الكثير من العنف. فلا بد من مواجهته بشكل أكثر صراحة من بقية المجتمع السعودي، وأن يتم نبذ نسخته الوحشية للإسلام تمامًا.
على ما يبدو أن هذا كان الهدف من الإعلان مؤخرًا عن أن منتدى الحوار الوطني الذي أنشأه الملك قبل عدة سنوات سيعقد 20 جلسة عامة للتركيز على “رؤية وطنية مستقبلية للتصدي لمشكلة التطرف” طبقًا لصحيفة عرب نيوز. هذا أمر مهم، لأنه بدون مباركة من القيادة، سيتردد السعوديون في تقاسم آمالهم ومخاوفهم حول مستقبل الدولة والإسلام. ولكن مثل هذا الحوار الوطني يحتاج إلى تجاوز مشكلة التطرف. فهو يحتاج إلى مناقشة ما يعنيه الإسلام في العصر الحديث، وكيفية تطبيق قيم التعددية الإسلامية، وكيف يمكن للقيم الإسلامية التعامل مع النظرية السياسية والتخطيط الاقتصادي.
ينبغي لمثل هذا الحوار أيضًا نبذ فكرة تفضيل الجهاد على التفكير والاجتهاد. إن الالتزام بالاجتهاد، وهو السعي من أجل الوصول إلى فهم جديد للإسلام من خلال التأمل في الكتب المقدسة، هو ما جعل الإسلام شاملاً ويدعم البحث العلمي والفضول الفكري. وهو السبب في تنبيه المؤمنين بأن “حبر العالم أكثر قدسية من دم الشهيد”.
وبخلاف هذا الحوار الوطني، ثمة إجراءات أخرى ضرورية. حيث يجب على الملك عبد الله إحياء الرغبة لدى العالم العربي في السعي وراء كل معرفة، وجعل خطاب الكراهية غير مقبول عبر معاقبة السعوديين الذين يستخدمونه، وتوجيه مؤسسات الدولة لكي تعكس التسامح نحو جميع الأديان. ويجب عليه أيضًا إعادة صياغة دور المؤسسة الدينية بحيث يصبح أكثر اعتدالاً ونبذًا للطائفية. وهذا مطلوب على وجه السرعة قبل أن يصبح اليمين الديني المتشدد أكثر خطورة، والذي قد يُحدث أزمات إذا عاد السعوديون الذين يقاتلون في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية إلى بلادهم. وبالإضافة إلى ذلك، لا بد من إخضاع التمويل الخاص لمزيد من التدقيق.
إن هذه الخطوات يمكنها أن تقود المنطقة للخروج من دوامة الانحدار من خلال تقديم مثال يحتذى به لبلدان عربية أخرى. وباعتباره أحد أكثر القادة تأثيرًا في الإسلام، فإن الملك عبد الله مؤهل تمامًا لقيادة هذه المبادرة بعيدة المدى. فسلام المنطقة وصورة الإسلام ينتظران تحركه.
مترجم عنThe Struggle to Erase Saudi Extremism
مقال لجانيت سميث* وكاريل ميرفي على نيويورك تايمز
*جانيت سميث هي زوجة السفير الأمريكي الأسبق في السعودية.