فتح باراك أوباما الباب لتسوية وضعية نحو خمسة ملايين مهاجر غير شرعي من أصل ما مجموعه 11 مليون شخص يعيشون في الولايات المتحدة بصفة غير قانونية. وقال الرئيس الأمريكي في خطاب رسمي مقتضب من البيت الأبيض: “إن العفو الشامل سيكون غير عادل، كما أن الترحيل الجماعي سيكون مستحيلًا ومخالفًا لطبيعتنا”، واعدًا بنظام “أكثر عدلاً وإنصافًا”.
هل يعتبر هذا القرار مهمًا؟
من دون أدنى شك. فإن التدابير التي أعلن عنها باراك أوباما بشأن الهجرة ستكون لها آثار هامة ولفترة طويلة، وتأكيدًا لذلك فقد قال خورخي راموس أمس، مراسل القناة الناطقة بالإسبانية نيفيسيون إن “هذا الإجراء سيكون الأهم في موضوع الهجرة منذ قرارات عام 1965″، مضيفًا أن “هذه الأهمية تتمثل بالخصوص في عدد الأشخاص المعنيين بهذا الإجراء، مما يجعله أكثر أهمية من الذي سبقه عام 1986″.
ولا يمكن اعتبار وقف عمليات الترحيل بالنسبة ل5 ملايين مهاجر، من الذين استقروا منذ فترة طويلة أو من الذين لديهم عائلات في الولايات المتحدة، عفوًا، ولراموس الحق حين أشار إلى أنه “حتى لو كان هذا الإجراء مؤقتًا، فإن الجمهوريين سيكونون أمام موقف حرج في صورة رفضهم هذا القرار، باعتبار أن ذلك سيجعلهم من المعادين للمهاجرين أو من المعادين للاتينيين”.
هل هذا القرار غير قانوني؟
حتى قبل الإعلان عن هذه التدابير الجديدة، فقد كان الجانب المتشدد من اليمين رافضًا وبشدة لهذا القرار. واتهم سناتور من التكساس أوباما بأنه “يثير أزمة دستورية” من خلال التصرف بطريقة “غير دستورية وغير قانونية”، كما أعلن عضو منتخب من ولاية نيويورك أنه “سيطالب بمسائلة أوباما”، في حين أن السناتور تيد كروز اغتاظ لرؤية أوباما يتصرف كـ”ملك”. وكان التعليق الأكثر ضراوة من قبل السناتور توم كوبورن من أوكلاهوما الذي قال: “سيتسبب هذا القرار في حالات من الفوضى والعنف”.
في الواقع، فإن أوباما، الأستاذ السابق في القانون، دقق بعناية في شرعية قراراته، متجنبًا التدابير الخاصة بعمال الزراعة أو الحالمين (الأطفال الذين ولدوا في الخارج والذين نشأوا في الولايات المتحدة بشكل غير قانوني) حتى لا يتم إسقاط هذا القرار قانونيًا.
هل هذا القرار لم يكن مسبوقًا من قبل؟
في عام 1986، أصدر ريغان قرارًا يمنع فيه تشتت الأسر المهاجرة، ليسمح للذين دخلوا بطريقة غير مشروعة البلاد قبل عام 1982 من البقاء مع أسرهم. وتم وقتها تسوية وضعية ثلاثة ملايين شخص. وقبل هذا التاريخ أذن روزفلت للعمال المكسيكيين المؤقتين من البقاء في الولايات المتحدة خلال الحرب. و تم تمديد هذا الإجراء مع الرؤساء الذي خلفوا روزفلت حتى الستينيات؛ وبالتالي، فإن تسوية وضعية المهاجرين في الولايات المتحدة ليست أمرًا مستحدثًا.
هل يعتبر هذا القرار شعبيًا؟
من خلال عملية مسح قامت بها “وول ستريت جورنال” / إن بي سي، فإن 48٪ من الأمريكيين لا يوافقون على اختيار أوباما التصرف بموجب مرسوم.
ولكن، ما يقرب من ستة من بين 10 أمريكيين يؤيدون فكرة تسوية وضعية المهاجرين غير الشرعيين، و 74٪ يعلنون دعمهم للقانون المصادق عليه العام الماضي من قبل مجلس الشيوخ (ولكن ليس من قبل مجلس النواب)، والذي فتح الباب لتسوية وضعية 11 مليون مهاجر غير شرعي. واعتبر أوباما هذه التدابير ليست “بالعفو” باعتبار أن الأمريكيين هم في الأصل “أمة من المهاجرين”.
ولكن، هل سيسمع هذا الخطاب من قبل الناخبين البيض، الذين يشكلون 75٪ من الناخبين؟
الشركات، من جانبها، تميل لدعم التعديلات، كما دعت الشركات العاملة في التكنولوجيا الحديثة إلى تسوية وضعية المهاجرين المؤهلين وأصحاب الخبرات.
هل يعتبر هذا القرار غير مسؤول؟
تجلب كل تسوية وضعية للمهاجرين المزيد منهم كما تشجع الأجانب على القدوم إلى الولايات المتحدة آملين في الاستفادة من تسوية شاملة مقبلة. هذا التخوف يشتد في الفترات التي يزداد فيها عدد المهاجرين، ويتناقص من تناقص هذه الظاهرة. لكن، السنوات الأخيرة شهدت تباطؤًا ملحوظًا في عدد المهاجرين إلى الولايات المتحدة، ففي عام 2012، كان هناك 11.2 مليون من المهاجرين غير الشرعيين، وهو نفس الرقم خلال عام 2009 مع تراجع مع ما تم تسجيله سنة 2007. وكنسبة مئوية من السكان، فإن نسبة المقيمين بصفة غير قانونية مرت من 4٪ في عام 2007 إلى 3.5٪ في عام 2012.
وهذا الانخفاض في عدد المقيمين بصفة غير قانونية يهم بالخصوص المكسيكيون حيث انخفض عددهم 500.000 بين عامي 2009 و 2012، ومن الممكن أنه سيستمر في الانخفاض. وسبب ذلك عمليات الإخلاء المتكررة (438.000 في عام 2013) ، ولكن العامل الأكثر أهمية هو النمو الاقتصادي الذي شهده جنوب نهر ريو غراندي، والذي جعل الملايين من المكسيكيين يستقرون في بلادهم.
هل هناك تغيير في المواقف؟
صحيح أن أوباما سبق وأن وعد بإصلاح قوانين الهجرة خلال السنة الأولى من ولايته الأولى، عندما كان الديمقراطيون يسيطرون على مجلسي الكونغرس. ولكنه لم يف بوعده، بسبب تركيزه على التصويت لفائدة إصلاح النظام الصحي. وفي الآونة الأخيرة، تباطأ حين أجّل هذا القرار إلى ما بعد الانتخابات النصفية، حتى لا يحرج المرشحين الديمقراطيين في الولايات المحافظة.
لكنه أعلن في يناير 2013، أنه سيقوم بهذه الإجراءات بمرسوم إذا أثبت الكونغرس عدم القدرة على تمرير قانون حول الهجرة، وبالفعل ذلك ما حدث. في هذه الحالة، أظهر الجمهوريون سوء نواياهم حين خضعوا لضغط الشق اليميني في الحزب ليدفنوا بذلك مشروع القانون الذي أقره مجلس الشيوخ، وليرضوا بعدم تسوية وضعية المقيمين بصفة غير قانونية، حتى لو كان ذلك ظالمًا سخيفًا وغير عملي.
هل يعتبر هذا القرار صائبًا؟
منذ وقت طويل لم يلق أوباما خطابًا قويًا ركز فيه على المبادئ والعقل. ومع ذلك، فإن هذا الموقف يعتبر مقامرة حقيقية، ولا أحد يستطيع أن يقول من الذي سيفوز في هذا الصراع السياسي خلال الأشهر المقبلة.
في الوقت الراهن، فإن الجمهوريين هم الأكثر حرجًا، حيث كانت رغبتهم تصب حول سن بعض التشريعات التي فيها الحل الوسط، الذي من شأنه أن يسمح لهم بالاقتراب من الانتخابات الرئاسية لسنة 2016. بدلًا من ذلك، فقد اندلعت الانقسامات الداخلية مرة أخرى بسبب هذا الموضوع الأكثر حساسية حول الهجرة؛ إذ من الممكن أن تصوت الأقليات ضد الجمهوريين.
وبالفعل، فقد وصفت النائبة عن الحزب الجمهوري، ميشيل باخمان، أولئك الذين ستتم تسوية وضعيتهم بـ”الأميين” ما تسبب في نشر الذعر بين الجمهوريين المعتدلين. وقال جون ماكين إن “القليل من مثل هذه التعليقات سينفر اللاتينيين”.
هل جاء القرار في الوقت المناسب؟
إذا كان الهدف من هذا القرار هو مواجهة اليمين، فقد كان على أوباما أن يقوم بذلك منذ عدة سنوات. ولكن، إذا أراد أن يسترجع ثقة الناخبين اللاتينيين الذين خيب آمالهم، فإن القرار جاء في الوقت المناسب، فقد تزامن الإعلان عن هذا القرار مع حفل جوائز جرامي اللاتينية، واحدة من أكبر برامج العام للقناة الناطقة بالإسبانية نيفيسيون، مع 10 ملايين مشاهد. وقد أجلت نيفيسيون بدء الحفل إلى ما بعد خطاب أوباما.
مصادفة أخرى، إن كانت هي كذلك، تزامنت مع خطاب أوباما وهي “يوم الثورة” في المكسيك، وهي عطلة وطنية كبرى؛ وبالتالي، فإن تزامن هذا الخطاب، الذي حمل أخبارًا جيدة للمهاجرين مع عطلة وطنية كبرى يعتبر ذكاء في حسن اختيار التوقيت.
نوفال أوبسارفاتور الفرنسية – التقرير