إتساع الدائرة هو أبرز ما يلفت الانتباه للوهلة الأولى بشأن قائمة دولة الإمارات العربية المتحدة للإرهاب؛ التي ضمت 83 منظمة صُنّفت «إرهابية». تضم القائمة مؤسسات إسلامية من مختلف أنحاء أوروبا والولايات المتحدة والشرق الأوسط وآسيا. وعلى الرغم من السخف الواضح في القائمة، إلا إنها ربما تعزز بشكل غير مقصود الأسطورة الشائعة التي تقول بأن كل الإرهابيين مسلمون. لم يكن هناك ذكر لأي منظمة يهودية، على الرغم من الحملات العنيفة التي تشنها بعض جماعات المستوطنين «الإسرائيليين» ضد السكان الفلسطينيين في «القدس المحتلة» والضفة الغربية، والاعتداءات اليومية على قدسية «المسجد الأقصى».
من ناحية؛ فإن قائمة دولة الإمارات العربية المتحدة للإرهاب تتحدث باستفاضة عن الأسماء التي تضمنتها. كما أنها تحكي قصة بلد لا يشعر بالأمن والأمان خوفًا من نفسه ومن جيرانه. وعلاوة على ذلك؛ فإنها تكشف عن انعدام الثقة لدى دولة تشعر بوجود الخوف أسفل كل سرير.
وفي ظل غياب أي أدلة ملموسة وحقيقية على وجود تهديد إرهابي ضد الإمارات، تظهر قائمة «الإرهاب» لتعكس الخوف من التغيير من ناحية، وتوطيد العلاقة مع جارتها الخليجية قطر من ناحية أخرى. وفي الوقت الذي تدعم فيه قطر الانتفاضات الشعبية صراحة من أجل التغيير الديمقراطي في المنطقة، تبنت دولة الإمارات العربية المتحدة موقفًا مغايرًا تمامًا. لقد اختارت الإمارات – على سبيل المثال – أن تفتح ذراعيها لفلول نظام «حسني مبارك».
وفي ظل هذه الظروف؛ كان الأمر مسألة وقت قبل أن يقوم حكام الإمارات – مثل عملائها المصري – بشن هجوم شامل على جماعة «الإخوان المسلمين» والمنظمات المرتبطة بها. وفي الوقت الذي تضم فيه 83 منظمة وُصفت بـ«الإرهابية»؛ من بينها «الدولة الإسلامية» و«القاعدة»، إلا إن الهدف الحقيقي – من دون شك – هي الحركة الإسلامية.
وأعلن رئيس الوزراء البريطاني «ديفيد كاميرون» في وقت سابق من العام الجاري مراجعة أنشطة جماعة «الإخوان المسلمين»، الأمر الذي فهمه كثيرون أنه استجابة لضغوط الحلفاء الخليجيين – الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية. وفي أغسطس، ذكرت صحيفة «فاينانشال تايمز» البريطانية أن المراجعة خلصت إلى «أن وجود حقائق تحول دون لصق تهمة الإرهاب بالجماعة، ومن ثمّ لا ينبغي تصنيفها كمنظمة إرهابية […] هناك أدلة بالكاد تشير إلى أن أعضاءها ضالعون في أنشطة إرهابية»، وصرّح مصدر حكومي للصحيفة «أن السير «جون جينكنز» – سفير بريطانيا لدى المملكة العربية السعودية – قال إن جماعة «الإخوان المسلمين» ليست منظمة إرهابية. ذلك التوجه من شأنه أن يثير استياء السعوديين والإماراتيين بشدة».
ومنذ ذلك الحين؛ وتتوالى «تسريبات» إعلامية؛ ولاسيما صحيفة «ديلي تليجراف» البريطانية، والتي أكدت أن الحكومة كانت على وشك تبني إجراءات ضد 60 منظمة بريطانية على علاقة بجامعة «الإخوان المسلمين»، ويدرك المحامون الموكلون للدفاع عن الجماعة أن تلك التسريبات تهدف إلى مزيد من الضغط على الحكومة لتغيير التقرير النهائي الذي وضعه «جون جينكيز»، ويبدوا أن قائمة الإمارات العربية المتحدة للإرهاب تسير في هذا السياق كمحاولة فاشلة بكل المقاييس للي ذراع الحكومة البريطانية.
وبخصوص تلك النقطة فقد قال الأقدمون: «من يسكن في بيت من زجاج لا يرمي الناس بالحجارة» هي أنسب تعليق على هذا الأمر. وفي الوقت الذي صنّفت فيه الإمارات «المنظمات الإرهابية» بمختلف ألوانهم، فإنها بحاجة لتوضيح الأمور الغامضة التي تقوم بها في تونس وليبيا وحتى عُمان زميلة «مجلس التعاون» الخليجية.
وفي يناير/كانون الأول 2011م؛ صرح مسئولون أمنيون في السلطنة لـ«وكالة الأنباء العُمانية» أن السلطات اعتقلت جواسيس «تابعين لقوات أمن الدولة الإماراتية يستهدفون نظام الحكم في عُمان وآلية العمل العسكري والحكومي»، وفي أغسطس/آب الماضي؛ نقلت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية عن أربعة مسؤوليين أمريكيين بارزين أن الإمارات ومصر يقومان بضربات جوية ضد أهداف تابعة للإسلاميين وحلفائهم داخل الحدود الليبية.
وبثت قناة «الجزيرة» القطرية وثائقيًا يكشف اغتيال «شكري بلعيد» – السياسي التونسي. وسلّط الفيلم الوثائقي الضوء على محادثة هاتفية مع سائق «بلعيد» قبل دقائق من إطلاق النار عليه. ويعتقد العديد من التونسيين الآن أن السياسي قُتل لإثارة الغضب والمعارضة ضد «حزب النهضة الإسلامي» الحاكم آنذاك، ونجحت الخطة وثار الرأي العام واشتدت المعارضة السياسية ضد النهضة.
ومن السهل في هذا العالم المليء بالفوضى في منطقة الشرق الأوسط أن تلعب بورقة الإرهاب. تلك الورقة استخدمها القادة في الماضي ويستخدمها خلفائهم في الحاضر لإسكات الأصوات المعارضة وتشويه سمعة المعارضين السياسيين. وتنزل هذه الورقة في أحيان أخرى على طاولة اللعب لجذب الأنظار بعيدًا عن الفشل الداخلي، وكسب التأييد الخارجي.
وفي الواقع؛ فإن قائمة الإمارات العربية المتحدة للإرهاب تبدوا أنها فشلت في إقناع حتى الحكومتين الأمريكية والبريطانية؛ حيث طلبت كل منهما تفسيرات بشأن جماعات ومنظمات المجتمع المدني في بلادهما، والدوافع التي تعزز وصفها بالإرهابية.
ولا يتطلب الأمر مهارة أو عملاً استخباراتيًا لوضع قائمة مزعومة للإرهاب عندما لا يوجد دليل يُثبت أو يبرر. والمهمة الأكثر صعوبة هو إثبات أن هذه الأسماء الموجودة ضمن القائمة قد تورطت في أعمال إرهابية أو تمثل تهديدًا لسلامة الأراضي الإماراتية.
وإذا كان هناك بالفعل شيء؛ فإن الحكومة في الولايات المتحدة تبحث في المكان الخطأ عن مثل هذا التهديد الذي يعرض السيادة الإماراتية للخطر. ووفقًا للإماراتيين فإن جزر «أبوموسى» و«طنب الكبرى» و«طنب الصغرى» محتلة من إيران منذ مطلع السبعينيات؛ أليس من الأحرى أن تركز تلك الدولة على المناقشات مع طهران أكثر من سعيها لتشويه سمعة منظمات المجتمع المدني. الاعتماد على العضلات في التعامل الميداني معناه أن الإمارات تدمر نزاهتها التي ربما تمتعت بها من قبل بشكل تام.
داود عبدالله، ميدل إيست مونيتور