يبدو “ذو القرنين الألماني الذي يشغل منصب وزير ديوان التعليم من أبرز وأشهر قيادي تنظيم داعش في الموصل بلا منازع، إذ سطع نجمه منذ توليه مسؤولية ملف التربية والتعليم وقيامه بعقد جولات ولقاءات على النقيض من باقي قادة التنظيم المتشدد.
اسمه المميز يـنـفـُـذ سريعاً الى مسامع المعلمين والمدرسين خاصة إذا جاء مذيّلا بأوامر وتوجيهات لا يفكر بتجاهلها إلا المجازفون بحياتهم، فبعد أسابيع قليلة من تعينه رئيسا أي(وزيرا)لديوان التعليم في”الدولة الاسلامية أحدث تغييرات دراماتيكية في الموصل والقادم ربما أخطر.
في باحة مديرية التربية وقف ذو القرنين منادياً على الحاضرين وقال: “قسماً إني لا أريد هذا المنصب ولا أحب عمل المكاتب، إنما جئت للجهاد ضد الكافرين” هكذا يروي الموظف سليم وجيه مشاهدته الأولى للرجل الذي بات يشغل بال الكثيرين.
وجيه مثل جميع زملائه مُجبر على التعامل مع الواقع الجديد لكن بحذر شديد، فهناك من أخذ دور المدير الرسمي الذي فر منذ حزيران الماضي خارج المدينة. ولإطفاء فضول زوجته قال وجيه واصفاً مديره الجديد: “انه ضخم الجثة وكث اللحية، لم ينه عقده الثالث بعد، يظهر اللين مع الموظفين لكنه قادر على بث الرعب فيهم بقدر ما يجعل الآخرين منصاعين له”.
وعبر جدار الغرفة المجاورة كانت ابنة الموظف الصغيرة تستمع لحديث والديها، فرسمت في مخيلتها وحشا يحمل سيفا وله قرنين! وعرضت الورقة على والدتها متسائلة : هل حقاً مدير والدي الجديد يشبه هذا ؟.
الجولات المكوكية التي يقوم بها نجم داعش الشهير بين المدارس والكليات ليست زيارات عابرة فحسب، بل تأتي للإعلان عن قرارات غير قابلة للنقاش.
واذا كان اسمه الحقيقي غير معروف حتى اليوم لكن اسمه المستعار من روايات دينية ارتبط بإجراءات منافية لرسالة التعليم، أبرزها الاستيلاء على الأموال المخصصة لبناء مدارس وانفاقها في شراء سلاح وعتاد.
في اجتماع عقده ذو القرنين مع موظفي التربية وبعض المقاولين، أكد الأخير خبر الاستيلاء على ست مليارات دينار عراقي(5 مليون دولار)، وحينها قال بنبرة حادة عندما رأى المقاولين مستائين: “اليوم ليس المهم بناء مدارس وجامعات، بل النصر على أعداء الاسلام”.
لا شك بأن داعش اختار شخصاً مميزاً لهذا المنصب المهم، فبالإضافة لكونه مصري ولهجته تدل على أصله، فهو يحمل الجنسية الألمانية أيضاً، بحسب موظفين نقلوا ذلك عن مرافقه الخاص.
جامعة الموصل التي تعد من أكبر الجامعات العراقية وتضم عشرات البنايات والمنشآت الحيوية، امتدت إليها أيادي المتطرفين وصارت من أهم أملاك ذو القرنين.
هذه المؤسسة العلمية تخضع اليوم لعملية تحوّل قسري إلى مؤسسة تبشر بالتطرّف، والمشروع بدأ فعلياً بإلغاء كليات الحقوق والعلوم السياسية والفنون الجميلة وتغيير مناهج الدراسات الإسلامية وغيرها، فضلاً عن الفصل بين الجنسين في الكليات والمعاهد، ليكون الدوام بالتناوب يوماً للذكور وآخر للإناث.
أحد الأساتذة الجامعيين حلل شخصية رجل داعش وذكر بأنه ليس عشوائياً، بل يخطط جيداً لتنفيذ مشاريعه، وأقحم بعض الموظفين في دوامته بعدما أجبرهم على التعاون معه، فكان رد وزارة التربية العراقية حجب رواتب نحو مئتي موظف بتهمة التعاون مع المتطرفين.
“هو يتبنى سياسة الجزرة أيضاً، فهو يمزح مع الموظفين ويلاطفهم بلهجته المصرية ويصلي معهم، ليتظاهر بالتواضع” الكلام للأستاذ.
عُرف عن ذو القرنين تشدده في فرض الخمار، ووصل به الأمر إلى شمول طالبات الإبتدائية بعمر 10 سنوات بالخمار، وإجبار تلميذات الصف الأول(6 سنوات)على ارتداء الحجاب.
للموظفات معاناتهنَّ أيضاً التي تختصرها قصة هيام سمير السيدة الخمسينية التي تعمل محاسبة في جامعة الموصل وتتحايل على الأوامر كي تنجز واجباتها.
ولكن الرقباء اصطادوها فألحوا عليها أن تلتزم بالخمار جيداً، لكنها ردت عليهم بانفعال: أعاني من ضعف النظر وكما ترون استعين بالنظارات، وإن غطيت وجهى فلن أُميز الألف من المليون.
وللذكور حصة الأسد في الاهتمام عند ذو القرنين، إذ أن مكائن معمل الألبسة الجاهزة بدأت تنتج ملابس القندهاري الذي هو الزي الرسمي لعناصر داعش، لكنه هذه المرة بقياسات صغيرة، لانها ستكون مخصصة لطلبة المدارس الابتدائية والثانوية.
ليس هذا فحسب، فلعاب المتطرفين يسيل لوجود آلاف الطلبة في المدارس الثانوية، إذ يسهل تجنيد مقاتلين مطيعين، لكن التجربة الأولى فشلت لأن وفداً لداعش زار إحدى المدارس لإقناع الطلبة بالانضمام اليهم، لكن لم يستجب له أحد فخرج خائباً.
أكثر ما يقلق ذوي الطلبة والتربويين هو التخطيط لتغيير المناهج الدراسية بما يتلاءم وفكر تنظيم داعش المتطرِّف القائم على تكفير وقتل كل من يخالفه، وجاءت الخطوة الأولى بإلغاء مادتي التاريخ والوطنية في المدارس والجامعات وحذف كل ما يشير إلى الوطن.
والمزيد كان مع فتح معهد لإعداد أئمة وخطباء موالين”للدولة الاسلامية”، في مدرسة وسط الموصل، بعد طرد طلابها ومدرسيها بأمر من ذو القرنين.
ولما سئل احد التربويين المخضرمين، اين سيصل التعليم على يد هذا الرجل؟.
أجاب : إلى جيل من المتطرفين والقتلة.