في 15 أكتوبر، حكمت المحكمة الجنائية الخاصة في الرياض بالإعدام على رجل الدين الشيعي السعودي، نمر النمر. ومنذ عام 2011، ظهر النمر في واجهة حركة احتجاج تركزت في شرق المملكة العربية السعودية، وحرمت إلى حد كبير من تغطية وسائل الإعلام.
ولهذا الحكم آثار أبعد من مصير نمر الشخصي. حيث إنه مهم، لكونه يعد سابقة في كيفية تعامل المملكة مع المعارضة السياسية؛ وليس فقط لأنه يشكل مثالًا آخر على مكافحة السعودية للشيعة.
وتوقيت الحكم هو أمر محير. بعض المراقبين يشعرون أن المقصود من إصدار حكم الإعدام بحق النمر هو طمأنة السكان السنة بأنه -وإلى جانب إصدار عدد من الأحكام بالسجن لمدد طويلة بحق السنة الذين دعموا المتشددين في “الدولة الإسلامية” أو تنظيم القاعدة- تتعامل الحكومة بقسوة مع الشيعة أيضًا. ولكن، هذا المنطق الطائفي يرسخ ويزيد فقط من الانقسامات والعداوات التي تغذت بصعود الجماعات الإسلامية المتطرفة والحرب الطائفية الإقليمية.
وقد أدت الأيديولوجية المضادة للشيعة التي ترعاها السعودية إلى حدوث نتائج عكسية داخل الوطن أيضًا. ففي يوم 3 نوفمبر، وقبل يوم واحد من ذكرى عاشوراء، فتح المسلحون السنة النار على حشد من الشيعة عند مغادرتهم المسجد في واحة الأحساء في شرق المملكة العربية السعودية، وهو ما أدى إلى مقتل عدد من الشيعة، بينهم عدد من القاصرين، وجرح العشرات.
وفي حين أن الشيعة في السعودية يعانون من التمييز المؤسسي والديني، كانت قوات أمن الدولة قد وفرت لهم حتى الآن حماية ضد الهجمات التي يشنها مسلحون سنة. وكان تنظيم القاعدة وفروعه المختلفة قد خططوا لسنوات للقيام بهجمات على الشيعة في المنطقة الشرقية، بهدف زيادة التوترات الطائفية في المملكة، إلا أن عدة مؤامرات من هذا القبيل أحبطت، بما في ذلك واحدة كان يعتقد بأنها خططت لاستهداف رجل الدين الشيعي البارز، حسن الصفار.
وسارعت جميع الأجهزة الرسمية للدولة، بما في ذلك رجال المؤسسة الدينية، إلى شجب هجوم 3 نوفمبر. وخلال أيام قليلة، طاردت قوات الأمن الجناة، مما أسفر عن مقتل العديد منهم. واعتبر ذلك دليلاً على أن الدولة لن تتسامح مع العنف الطائفي داخل حدودها. كما أعلن العديد من السنة على وسائل الإعلام الاجتماعي دعمهم للتعايش بين السنة والشيعة في الأحساء، وحضروا جنازة من قتلوا خلال الهجوم.
ومع ذلك، غذت الدولة السعودية، والمؤسسة الدينية السعودية، على مدى عقود، العداوات الطائفية في جميع أنحاء المنطقة. وغالبًا ما تكون دوافع المجندين السعوديين في تنظيم القاعدة و”الدولة الإسلامية”، الرغبة في احتواء التشيع، ووقف النفوذ الإيراني في المنطقة، وهي نفس الأهداف الاستراتيجية التي تنشرها وسائل الإعلام السعودية. التحريض ضد الشيعة (وضد المسيحية، وضد اليهود)، ينتشر عبر المنطقة من خلال القنوات التلفزيونية التي تعمل من مقراتها في السعودية. وكان من المشجع أنه، ومباشرة بعد هجمات 3 نوفمبر، أعلن وزير الإعلام، عبد العزيز خوجة، إغلاق أسوأ تلك المحطات ربما، وهي قناة وصال. ولكن، وفي إشارة إلى أن النظام السعودي منقسم حول كيفية التعامل مع تطرف الشيعة والسنة في المملكة، أزيل الوزير من منصبه في اليوم التالي، ولا تزال قناة وصال تعمل.
والدور السياسي لنمر متجذر في تقليد طويل من النشاط الشيعي الذي يعود إلى تأسيس المملكة العربية السعودية، والذي أدى إلى تأسيس الحركات الإسلامية الشيعية منذ السبعينيات. إنه ينحدر من عائلة بارزة من العوامية، وهي قرية شيعية فقيرة نسبيًا وتحيط بها مزارع النخيل خارج القطيف، كبرى المدن الشيعية في المملكة العربية السعودية. والعوامية لديها تاريخ طويل من مقاومة نظام الحكم في السعودية. وفي الواقع، جد النمر قاد تمردًا مسلحًا في عامي 1929-1930 ضد جباة الضرائب والمبشرين بالوهابية السعودية، الذين أرسلوا إلى المنطقة الشرقية بعدما استولى عليها مؤسس المملكة العربية السعودية الحديثة، الملك عبد العزيز بن سعود، في عام 1913.
وكانت العوامية أيضًا واحدة من مراكز الانتفاضة الشيعية لعام 1979، والتي كانت مستوحاة من الثورة الإيرانية. النمر أصبح مسيسًا خلال هذه الأحداث، وانضم إلى حركة الشيرازي، التي كانت قد بدأت الانتفاضة. وكانت حركة الشيرازي منظمة سياسية شيعية غير وطنية يقودها رجل الدين العراقي-الإيراني، محمد مهدي الشيرازي، ولكن الجزء الأكبر من مؤيديه كانوا من شيعة دول الخليج، وخصوصًا الكويت، والبحرين، والمملكة العربية السعودية. والتحق نمر بمدرسة الحركة الدينية (الحوزة العلمية) في إيران، ومن ثم أصبح مدرسًا في حوزة الحركة في السيدة زينب، قرب العاصمة السورية دمشق.
وفي وقت مبكر من التسعينيات، تفاوض الأعضاء السعوديون من حركة الشيرازي على تسوية سياسية مع الحكومة السعودية، وقبلوا بالعفو العام الذي قدمه آنذاك الملك فهد، بمقابل وقف أنشطتهم المعارضة. ورغم ذلك، كان هناك عدد من نشطاء المعارضة، ومنهم على وجه الخصوص مجموعة من رجال الدين بقيادة نمر، ممن عارضوا الاتفاق؛ لأنهم اعتقدوا أن الدولة السعودية لم تغير وضع الشيعة. وحين عاد نمر إلى المملكة العربية السعودية، جنبًا إلى جنب مع نشطاء آخرين بعد عام 1993، جاء رفضه لاتفاق عام 1993 ليضعه في منافسة مع المجموعة الأخرى في حركة الشيرازي، والممثلة بالصفار.
ومع ذلك، بقي نمر شخصية هامشية خلال بداية الألفية الثانية، بينما حاول الملك عبد الله الوصول إلى الشيعة، وشملهم في بعض المؤسسات التمثيلية للدولة السعودية. ولكن، وبينما اشتدت التوترات الطائفية الإقليمية والتنافس السعودي الإيراني، ومع تجدد الاحتجاجات الشيعية في المنطقة الشرقية في عام 2009، عاد العديد من الشيعة السعوديين الشباب ليعجبوا بالخطب النارية لنمر، والتي تنتقد بشكل مباشر أسس الدولة المعادية للديمقراطية وللشيعة. وفي واحدة من خطبه الشهيرة، بدا أنه يجادل بأن الشيعة قد يطالبون يومًا ما بالانفصال إذا لم يتمكنوا من تحقيق مطالبهم السياسية داخل حدود الدولة السعودية. وبعد فترة وجيزة، اختبأ النمر تجنبًا للاعتقال، وعاد للظهور في عام 2011، حين تسارعت وتيرة الانتفاضات في البحرين المجاورة وفي المنطقة الشرقية من السعودية.
وكان النمر رجل الدين الشيعي السعودي الوحيد الذي دعم بالإجماع كلاً من الاحتجاجات في البحرين، والاحتجاجات التي اندلعت في مختلف أنحاء المنطقة الشرقية. بينما كان زملاؤه السابقون في حركة الشيرازي، مثل الصفار، أكثر حذرًا، وأحيانًا حثوا الشباب على البقاء في منازلهم لمنع اشتعال الموقف أكثر.
وبالتالي، أصبح النمر الشخصية الرئيسة في حركة الاحتجاج التي تركزت في العوامية والقطيف. ولكن، ونظرًا لقمع المتظاهرين بقسوة، حيث قتل أكثر من 20 شابًا على يد قوات الأمن في المنطقة الشرقية منذ عام 2011، وعدم وجود دعم من مناطق أخرى من المملكة العربية السعودية، خفتت الاحتجاجات في نهاية الأمر.
ورغم ذلك، وفي يوليو عام 2012، أطلقت الشرطة النار على النمر وألقت القبض عليه، مما أثار تجدد الاحتجاجات الجماهيرية. إلا أنه، ومنذ عام 2013، عادت الاحتجاجات مرة أخرى لتصبح أصغر حجمًا؛ ولذلك، فمن المفاجئ بالنسبة لكثيرين أن القضاء السعودي قرر الآن إصدار حكم الإعدام بحق النمر، وهي الخطوة التي عملت على إعادة تنشيط الحركة الاحتجاجية والتوترات الطائفية الملتهبة في المنطقة.
وفي حين أن الحكم قد يرفض من قبل الملك عبد الله، أو يخفف إلى السجن، إلا أنه ليس من المؤكد أن هذا سيحدث. كما تشير منظمات حقوق الإنسان إلى أن الأدلة التي أدت إلى هذا الحكم تستند أساسًا على خطبة النمر؛ وبالتالي، يجب أن يعتبر سجين رأي.
وقد أيد نمر حق الشعب في اختيار حكومته، ودعا إلى إسقاط العائلة المالكة السعودية. وفي خطوة غير عادية للغاية بالنسبة لرجل دين شيعي، أيد النمر الانتفاضة ضد الرئيس السوري بشار الأسد. كما أنه دعا الشباب المحلي مرارًا إلى أن يكون جاهزًا للموت كشهداء، ولكنه، حثهم على عدم “الرد على الرصاص بالرصاص”، ولكن بدلاً من ذلك، استخدام الوسائل السلمية، مثل المظاهرات، والعصيان المدني.
وتبقى خلاصة القول هي أنه، وفي غضون بضعة أسابيع، حكم على رجل دين شيعي سعودي بارز بالإعدام في محاكمة جائرة، وكانت مجموعة من المسلحين السنة قادرة على قتل الشيعة في بيت من بيوت العبادة عشية عاشوراء.
من الصعب أن نرى كيف يجب أن يشعر المسلمون الشيعة بأنهم آمنون ومقبولون في دولة يسمح فيها بنشر الخطاب المعادي للشيعة في وسائل التعليم، وفي الخطاب العام، ويسمح فيها لمثل هذه الفظائع بأن تحدث. لقد أكدت عمليات القتل الأخيرة الأمر البديهي، وهو أن دعم الخليج العربي لخطاب الكراهية الطائفية وللميليشيات في الخارج سيعود في يوم من الأيام بنتائج عكسية.
هذا، وبعد عقود من استخدام مكافحة التشيع كأداة استراتيجية في الداخل والخارج، سيكون من المستحيل تقريبًا التراجع عن استخدام هذه الأداة من دون استعداء الدوائر الأساسية للنظام السعودي. ومن المرجح أن التناقضات داخل النظام السياسي السعودي، والحرب الطائفية الإقليمية، سوف تزداد سوءًا فقط في المستقبل المنظور.
توبي ماتثيسن – واشنطن بوست (التقرير)