بدأت أبوظبي في الترويج مباشرة إلى أنها الحليف الأهم والأفضل للولايات المتحدة بدلاً من السعودية التي تعاني من مشاكل داخلية عديدة، على رأسها قيادة مسنة وخلافات عميقة في العائلة المالكة وتهديدات طائفية، إضافة إلى تهديدات في المحيط من «داعش» والقاعدة والحوثيين.
وتطمع أبوظبي بالاستحواذ على المكانة التي تتمتع بها المملكة العربية السعودية منذ عقود طويلة، وتطمح إلى إزاحة الرياض عن صدارة المنطقة العربية، وذلك رغم أن (أبوظبي) تتظاهر بأنها حليف للرياض وليس منافساً لها.
ومما أثار الانتباه وصف الإمارات في تقرير منشور مؤخراً في جريدة «واشنطن بوست»، بأنها «إسبارطة الصغيرة»، في إشارة إلى «إسبارطة اليونانية» التي ظهرت في القرن العاشر قبل الميلاد، عندما كانت دولة عسكرية مستبدة إلا أنها تميزت بالاستقرار مقارنة بمحيطها وتمكنت لاحقاً من هزيمة جيش الفرس الذي كان يريد احتلال اليونان.
ويقول محلل سياسي عربي في واشنطن لـ«عربي21»: إن التشبيه الذي ورد في الصحيفة الأمريكية يحمل دلالات عميقة بأن الإمارات وحدها أصبحت الحليف القوي في المنطقة العربية، وهي وحدها القادرة على التصدي لإيران أو قيادة المحور المواجه لها، وهو ما ظهر جلياً في نص التقرير.
وتؤكد العديد من المصادر في واشنطن، والتقارير الصحفية أن ولي عهد (أبوظبي) يقيم علاقات ود جيدة جداً مع المحافظين الجدد واللوبيات في الولايات المتحدة، في الوقت الذي ينفق عشرات ملايين الدولارات على حملات العلاقات العامة التي تحول هدفها الرئيس حالياً ليصبح إزاحة السعودية بهدوء عن مكانتها، والتحول إلى الحليف الأهم والأبرز للأمريكيين في المنطقة.
وكشف تقرير الـ«واشنطن بوست» الذي كتبه مؤخراً مراسلها «راجيف تشاندراسيكران» أن أكثر من 3500 جندي أمريكي يرابطون حالياً في قاعدة الظفرة الجوية في (أبوظبي) التي تنطلق منها المقاتلات الأميركية لضرب تنظيم «داعش»، ومن بينها المقاتلات «اف-22 رابتور» التي ترافقها على الدوام الطائرات الحربية الإماراتية.
ويضيف الكاتب أن «التعاون في الظفرة وفي الأجواء فوق سوريا هو نتاج علاقات تتطور بسرعة بين الولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة».
وتنقل الصحيفة عن «أنطوني زيني»، القائد السابق للقوات الأميركية في الشرق الأوسط، قوله «إنه في الوقت الذي توترت فيه العلاقات الأميركية مع حلفاء واشنطن القدامى في المنطقة، السعودية وتركيا، وواجهت مصر والأردن مشاكل محلية، فإن الإمارات تحتل موقعاً بارزاً في المنطقة، في إشارة واضحة على أن (أبوظبي) تعمل على استغلال هذه التوترات في المنطقة لتطرح نفسها على أنها البديل الأفضل للأمريكيين».
وقالت الصحيفة: إن الإمارات احتلت مكانة فريدة في المنطقة، حيث تُعتبر «أقوى علاقة للولايات المتحدة في العالم العربي اليوم»، كما نقلت عن سفير الإمارات في واشنطن قوله: «نحن نختلف عن غيرنا، ونحن أفضل الأصدقاء لكم في هذا الجزء من العالم»، في إشارة إلى أن (أبوظبي) قدمت الكثير من الخدمات للأمريكيين، وأنها تختلف عن غيرها –أي تختلف عن السعودية- التي تواجه مشاكل عديدة.
وقال مصدر أمريكي إن صورة الضابطة الإماراتية «مريم المنصوري» وهي تقود مقاتلة عسكرية تقذف بحممها على رؤوس مقاتلي «داعش»، جاءت في سياق حملة العلاقات العامة الجديدة التي بدأتها (أبوظبي) في الولايات المتحدة.
وبحسب المصدر فإن الصور تم نشرها وتوزيعها على وسائل الإعلام بتوصية من شركة علاقات عامة أمريكية، وكان الهدف منها «الترويج إلى أن دولة الإمارات دولة حديثة ومتطورة، وأنها الحليف الأفضل للأمريكيين»، وإيصال رسالة إلى العالم مفادها أنه «في الوقت الذي تكافح فيه المرأة السعودية من أجل السماح لها بقيادة سيارتها الخاصة، فإن المرأة في الإمارات تقود مقاتلات حربية لا يستطيع ملايين الرجال في العالم قيادتها».
أما ما يؤكد هذه المعلومات فهو ما تسرب من وثائق عبر «ويكيليكس»، وهي وثائق ليست سوى مراسلات تمت بين ولي عهد (أبوظبي) «محمد بن زايد» ومسؤولين في الإدارة الأمريكية، أو محاضر اجتماعات تمت بين الجانبين، تبين أن بن زايد حاول من خلالها مراراً، وقبل سنوات من الآن، التحريض ضد السعودية.
وبحسب عدد من الوثائق التي نشرها موقع «ويكيليكس» باللغة الإنجليزية فإن الشيخ «محمد بن زايد آل نهيان» ولي عهد (أبوظبي) حاول أكثر من مرة تحريض الأمريكيين ضد المملكة العربية السعودية، ولم يتوقف عند ذلك وإنما تحدث بالعديد من الألفاظ التي تمثل إهانة للملك وللمسؤولين في السعودية، فضلاً عن عبارات أخرى تعتبر إهانة جامعة لكل الشعب السعودي، خاصة عندما وصفهم «بالجهل والتخلف مستدلاً على ذلك بدليل واهن، وهو أن 52% من السعوديين لا يستطيعون قيادة السيارة، في إشارة إلى منع المرأة من قيادة السيارات في المملكة»
ووفقاً لوثيقة يعود تاريخها إلى أبرل/21 نيسان 2008، فإن ولي عهد (أبوظبي) عقد اجتماعاً يوم 16 أبريل من العام ذاته مع قائد العمليات البحرية الأمريكية، ودار بين الرجلين مباحثات في قضايا مختلفة، وقال بن زايد للمسؤول الأمريكي: «العالم تغير، والإمارات ستظل متفائلة على الرغم من وجودها في منطقة يغلب عليها التخلف، وضرب مثلاً على التخلف بجارته السعودية التي لا يستطيع 52% من سكانها قيادة السيارة».
وتكشف وثيقة أخرى يعود تاريخها إلى 25 حزيران/ يونيو 2008 أن وزير الخارجية «عبد الله بن زايد» كان يحاول تحريض الأمريكيين أيضاً ضد نظام الحكم في السعودية، وأن موقفه من الملك «عبد الله بن عبد العزيز» بالغ السلبية، حيث قال لمسؤول أمريكي في (أبوظبي): «على الرغم من نوايا الملك عبد الله الصادقة في محاربة الإسلام الراديكالي، الا أن رجلاً في السادسة والثمانين لا يمكن أن يكون راعياً للتغيير».
وأضاف «عبد الله بن زايد» أنه لا يرى في الأمراء السعوديين الأصغر سناً أي وجوه واعدة، مردفاً: «النظام السعودي لا يسمح إلا للفاسدين وأولئك المتحالفين مع شيوخ الدين بالوصول إلى القمة»
وتمكن موقع “عربي21” من معرفة عدد من مؤسسات العلاقات العامة الأمريكية التي تعمل في الحملة الجديدة لصالح دولة الإمارات، والتي تستهدف بكل صمت السعودية التي تمثل في الظاهر حليفاً للإمارات، بينما تسدد لها هذه الأخيرة الضربات من تحت الطاولة.
وفيما يلي قائمة بأهم الشركات:
– Adam Friedman Associates
وكان مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، وهو مركز حكومي في (أبوظبي)، قد تعاقد في العام 2013 مع هذه المؤسسة التي تتخذ من نيويورك مقراً لها، من أجل عقد سلسلة من الندوات والمحاضرات، ودفع للمؤسسة الأمريكية في ستة شهور فقط 783 ألفاً و252 دولار أمريكي.
– Akin Gump Strauss Hauer & Feld
وهذه الشركة التي لديها مكتب في (أبوظبي)، تعمل لحساب سفارة الإمارات في واشنطن منذ العام 2007، وتختص بتقديم المشورة التي تتعلق بالسياسات الأمريكية، كما أن مهمتها بحسب الوثائق الرسمية هو «تعزيز الاعتراف بالإمارات كشريك أمني مقدر، ومساعدتها في توسيع اتصالاتها مع أبرز أعضاء وموظفي الكونجرس»
وتلقت الشركة خلال الفترة من منتصف 2013 حتى 30 حزيران/ يونيو 2014 مبلغ 903 آلاف و139 دولار أمريكي، أي نحو 75 ألف دولار شهرياً.
– Brunswick Group
وقع جهاز (أبوظبي) للاستثمار الذي يدير صندوق الاستثمارات السيادية لحكومة (أبوظبي)، عقداً مع هذه الشركة التي تمتلك مكاتب في دبي و(أبوظبي)، على أن العقد تم توقيعه في العام 2009 وحصلت الشركة بموجبه خلال ستة شهور فقط على مبلغ 187 ألف و439 دولار أمريكي. وفي العام 2010 وقعت المجموعة عقداً مع دائرة المالية في (أبوظبي) لرصد التغطيات الإعلامية وتقديم المشورات في هذا المجال، كما قامت هذه الشركة بتقديم أموال لصحفيين بالنيابة عن حكومة الإمارات.
– DLA Piper
دي أل إيه هي عبارة عن شركة محاماة دولية تعاقدت معها حكومة (أبوظبي) منذ ديسمبر 2008، على أنها تقوم بتقديم خدمات التواصل مع الإعلاميين والمسؤولين في الكونجرس الأمريكي والسلطة التنفيذية، وخلال ستة شهور فقط تلقت هذه الشركة أكثر من 111 ألفاً و250 دولار أمريكي.
– Glover Park Group
دفعت حكومة (أبوظبي) لهذه الشركة مبلغ 30 ألف دولار عبر جهاز (أبوظبي) للاستثمار، مقابل تقديم خدمات ومشورات بشأن السياسة الأمريكية، خلال الشهور الستة الماضية.
– Harbour Group
وهذه الشركة هي أكبر متعاقد مع السفارة الإماراتية في واشنطن، منذ العام 2009، والعقد بينهما بحسب الخدمات التي يتم تقديمها وبالساعة، وتتجاوز قيمته السنوية منذ ذلك الحين الخمسة ملايين دولار أمريكي. والمهمة هي تنفيذ برامج دبلوماسية بالنيابة عن سفارة الإمارات.
– Kemp Goldberg Partners
وهذه الشركة تقوم بتقديم خدمات “التفكير الاستراتيجي” لصالح سفارة الإمارات في واشنطن، وتلقت مؤخراً مبلغ 180 ألف دولار نظير خدمات قدمتها لدولة الإمارات.
المصدر | عربي 21