نشرت صحيفة واشنطن تايمز مقالًا لـلباحث الأمريكي في شؤون الشرق الأوسط، البروفسور روب سبحاني، تحت بعنوان “الأمير السعودي الذي يمكن أن يصبح ملكًا”، استهله بالقول: “من مصلحة أمريكا استمالة ولي العهد المنتظر في السعودية”.. نستعرض ترجمته في السطور التالية.
منذ التقى الرئيس فرانكلين روزفلت بالملك عبدالعزيز على متن الطرَّاد يو اس اس كوينسي في عام 1945، والمملكة العربية السعودية أحد أكثر حلفاء أمريكا رسوخًا. ثم جاءت زيارة أحد أحفاد الملك عبد العزيز إلى واشنطن، هذا الشهر، لتقدم للولايات المتحدة لحظةً تاريخية للتواصل مع مَن يُحتَمل أن يكون الحاكم القادم للبلد، الذي يحظى بمكانة أساسية على الساحة العالمية، وأهمية استراتيجية هائلة لأمريكا.
هو متعب بن عبد الله، نجل حاكم السعودية الحالي الملك عبد الله، المولود في الرياض، والذي تلقى تدريبه العسكري في أكاديمية ساندهيرست العسكرية الملكية، وتخرج برتبة ملازم، ثم ترقى في صفوف الجيش السعودي.
بدأ عمله العسكري في أوائل الثمانينيات، وعُيِّنَ في نهاية المطاف قائدًا للحرس الوطني السعودي خلال شهر نوفمبر 2010- وهو المنصب الذي كان يشغله الملك شخصيًا في السابق- ثم عُيِّنَ لاحقًا وزيرًا للحرس القومي في مايو 2013.
يشغل حاليًا عضوية مجلس الوزراء السعودي، ومجلس الخدمة العسكرية، ومنصب نائب رئيس اللجنة العليا للمهرجان الوطني للتراث والثقافة؛ الجنادرية. وتشير سيرته المهنية إلى المكانة العالية التي يحظى بها لدى والده، كعضو مؤهَّل ومؤثِّر في الجيل القادم من القيادة الملكية السعودية.
لكن نفوذ الأمير متعب لا يعود فقط إلى المناصب التي يشغلها، بل أيضًا إلى الإجراءات التي اتخذها خلال السنوات القليلة الماضية، والتي ترتكز على أربعة مبادئ رئيسية:
(1) أهمية الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط الكبير؛ حيث يدرك الأمير متعب أن الاستقرار في دول مثل العراق والبحرين واليمن ومصر يمنع الجهات الفاعلة الإقليمية المخربة من اكتساب نفوذ مُفرِط.
على سبيل المثال، أمر متعب الحرس الوطني عام 2011، بالتدخل في البحرين؛ لمنع هذا الحليف الأمريكي (تستضيف البحرين الأسطول الخامس الأمريكي) من الانزلاق إلى منطقة النفوذ الإيراني، وخلقِ مزيد من عدم الاستقرار في الخليج. كما أظهر الأمير متعب قدرة على التصرف بسرعة وحسم ضد الجهات الفاعلة غير الحكومية التخريبية، مثل الدولة الإسلامية أو المعروفة باسم “داعش”.
(2) ينبع هذا الحسم من المبدأ الأساسي الثاني الذي يعتمد عليه تفكير الأمير الستينيّ، وهو: ضرورة الوحدة ضد التطرف. حيث يعتقد الأمير متعب أن “الدولة الإسلامية” ليست إسلامية ولا دولة. وكرجلٍ متدين، أبوه هو خادم الحرمين الشريفين (مكة والمدينة)، ليس لديه شك حيال ضرورة ضمان ألا يتمكن المتطرفون من اختطاف الإسلام لأغراض سياسية.
على سبيل المثال، تحدث الأمير متعب عام 2013، في مهرجان الجنادرية عن الحاجة لمزيد من العلمنة (secularization) في المملكة العربية السعودية، وتقليل دور الإسلام السياسي. وهي التصريحات التي لاقت ترحيبًا من الرجال والنساء السعوديين، الذين لا يريدون البقاء رهينة لرجال الدين ضيقي الأفق، بل يرغبون بدلًا من ذلك في التفكير- مثل الأمير- في أن الجهاد ينبغي أن يركز على الإنشاء والبناء والابتكار وليس التدمير.
(3) ولا غروَ أن يكون المبدأ الثالث الذي يوجه تفكير الرجل الذي يحتمل أن يصبح حاكم السعودية المقبل، هو الحاجة إلى تبني الابتكار التكنولوجي من أجل النهوض بالتحديات المشتركة التي تواجه البشرية. ويصف الأمير متعب، مثل والده، المؤسسات التي يمكنها خلق أفكار مبتكرة لمحاربة السرطان، وبناء المزيد من الخلايا الشمسية الأكثر كفاءة، بأنها “بيوت الحكمة”.
ويشعر السعوديون بالقلق حيال الهجمات على شبكة الطاقة الوطنية، مثلما يشعر الأمريكيون تمامًا. لذلك رغم كونها أكبر منتج للنفط في العالم، تعتزم السعودية إنفاق مليارات الدولارات على مدى السنوات القليلة المقبلة في قطاع الطاقة الشمسية. وباعتبار الأمير أحد المتحمسين للابتكار الأمريكي، فإنه يرى إمكانيات هائلة لعقد شراكة بين السعودية والشركات الأمريكية التي تمتلك تقنيات بإمكانها تغيير قواعد اللعبة.
(4) ويعتبر العمل الخيري أحد المبادئ الأساسية الأخرى التي تحكم توجهات الأمير متعب. فقد كانت الرحمة هي التي تقود الأمير، سواء في مساعدته للأسر السعودية منخفضة الدخل بتوفير السكن، أو إرساله مساعدات للعائلات العراقية التي تتضور جوعًا أثناء هربها من إرهاب سفاحي “داعش”.
وبشكل أكثر تحديدًا، يود الأمير تأسيس مركزٍ في السعودية، بالتعاون مع وزارة الدفاع الأمريكية، لفريق استجابة سريع يتكون من الحرس الوطني السعودي والمسؤولين العسكريين الأمريكيين بهدف مواجهة الكوارث التي تظهر في مختلف أنحاء العالم، مثل: الإعصار المدمر الذي ضرب الفلبين العام الماضي.
وعلى الصعيد الأمريكي، ينبغي أن تتخذ واشنطن خطوتين فوريتين لبدء تعاون وثيق مع الأمير متعب:
أولا: ينبغي دعوة الأمير لإلقاء خطاب أمام جلسة مشتركة للكونجرس، وتحديد رؤيته حيال ما يمكن للشراكة الأكثر قوة بين أمريكا والسعودية أن تفعله للتعامل مع التحديات العالمية والإقليمية التي تواجه الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية والعالم المتحضر.
ثانيًا: ينبغي أن تنظم الأكاديمية الوطنية للعلوم جولة للأمير متعب في الجامعات والشركات الناشئة الأمريكية، ليلتقي بالجيل القادم من المبتكرين الأمريكيين.
وبينما تتطلع أمريكا إلى الفصل التالي من علاقتها مع السعودية، يصبح التواصل، وتعزيز العلاقة، مع الرجل الذي يمكن أن يخلف والده الملك عبد الله أمرًا بالغ الأهمية. وهذا الشخص هو الأمير متعب بن عبد الله.
روب سبحاني- واشنطن تايمز