بعد إغلاق الطرق، وقطع التيار الكهربائي، وتحول الأنفاق إلى بحيرات مياه، واحتجاز المركبات والعائلات، وانهيار المنازل، ومصرع كثير من المواطنين جراء هذه الكوارث، بسبب سقوط الأمطار في بعض مناطق السعودية، في مشهد يتكرر في مثل هذا الوقت من الأعوام الماضية، وفي ظل عجز أمانات محافظات المملكة عن مواجهة آثار هذه الأمطار، يدعو العاهل السعودي قاطني المملكة إلى صلاة الاستسقاء غدا الاثنين!
فهل استعدت المملكة للأمطار التي ستصلي لاستنزالها؟ أم أنها تحتاج للصلاة والدعاء بعدم هطول الأمطار التي تكشف عن تهالك البنية التحتية وفساد إمارات المناطق والأمانات والبلديات، وتكشف أيضا عن المشروعات الوهمية، التي يعلن عن تنفيذها، وتتكلف المليارات، ثم يتبين أنها حبر على ورق، أو أنها لم تجد نفعا نتيجة مخالفتها للمواصفات الفنية السليمة.
وصدر بيان الديوان الملكي منذ أيام يدعو فيه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، بإقامة صلاة الاستسقاء في جميع أنحاء المملكة، يوم غد الإثنين، تأسياً بسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
يأتي هذا في الوقت الذى تتكالب المشكلات والكوارث في إمارات المملكة إذا هطل المطر بغزارة، وتظهر مشكلة تصريف مياه المطر متكررة ودون علاج، ولا ننسى الحوادث الأليمة التي حدثت في جدة الأعوام الماضية.
وأول أمس الجمعة، هطلت أمطار غزيرة على بعض مناطق المملكة، وأدت إلى إغلاق الطرق واحتجاز المركبات والعائلات وقطع التيار الكهربائي وتحول الأنفاق إلى بحيرات مياه، في الوقت الذي تنشغل فيه هيئة مكافحة الفساد بالأعمال الروتينية، والزيارات للأمراء والمسؤولين، وتركت دورها ومهمتها ووظيفتها في تعقب المفسدين واللصوص.
تسببت الأمطار الجمعة الماضية في حدوث حالة من الارتباك والفوضى على الطرق بسبب غرقها بالمياه، وأغلقت الجهات الأمنية عدداً من الطرق بعد ارتفاع منسوب الأمطار فيها، واستخدمت الأنوار التحذيرية لتوجيه قائدي المركبات، وتساقطت الصخور من الجبال على طريق الشرائع الجديد الموصل إلى أنفاق الملك خالد وطريق المجازر الجديد.
وأعرب المواطنون عن تذمرهم لفشل مشروعات الصرف وتصريف مياه الأمطار، وتحول الشوارع إلى برك للمياه، وقالوا إن المشكلة لا زالت متكررة بدون أن تتدخل جهة ما لمعالجتها أو الاستعداد لاحتمالات هطول الأمطار.
وقال الناطق الإعلامي باسم مدني العاصمة المقدم صالح العلياني: “تم تطبيق خطة الأمطار لرفع جاهزية الفرق وتوزيعها على المواقع المحددة في الخطة لمواجهة أي طارئ”، واعترف بوقوع حوادث الالتماسات الكهربائية، وطالب التزام الحذر وتجنب مجاري الأودية ومصادر الكهرباء.
وقد سَبّب هطول الأمطار التي شهدتها العاصمة مساء الجمعة أيضا، في سقوط عدد من الأشجار الضخمة على عدد من المركبات بحي الزاهر؛ مما ألحق بها أضراراً كبيرة، وساهمت الرياح – التي تَزَامن هبوبها مع هطول الأمطار- في سقوط هذه الأشجار، وإغلاق عدد من الشوارع.
وفي الطائف أكد أهالي حي المنتزه أن الأمطار الغزيرة التي هطلت قد حوّلت الحي إلى بحيرة كبيرة؛ وشكا الأهالي من سوء تنفيذ مشروعات التصريف، وإهدار الأموال المستقطعة من الميزانية على ذلك، وتحدّثوا عن المركبات التي جرفتها مياه السيول الناتجة عن تلك الأمطار، وسوء المشاريع في الحي الناشئ، الذي تحوّلت شوارعه إلى “طين”، وبحيرات متراكمة وكأن فيضاناً قد اجتاح الحي.
وكرر الأهالي إدانتهم للأمانة، واتهموها بعدم ممارسة الرقابة الكافية على المقاولين الذين كانوا مسؤولين عن تنفيذ مشروعات التصريف.
وأكد المتحدث الرسمي باسم “صحة الطائف” سراج الحميدان، أن مستشفيات الطائف استقبلت خلال الأمطار التي هطلت على الطائف حوالى 25 إصابة، من بين الحالات 11 حالة ناجمة عن حوادث مرورية وحالتا دهس، إضافة إلى 12 حالة سقوط.
وأضاف: ” أعلنت إدارة الطوارئ والأزمات حالة الاستنفار، وجهزت عدة فِرَق طبية متحركة في جميع المستشفيات”.
وفي المدينة المنوّرة، حذّرت مديرية الدفاع المدني من حالة عدم استقرارٍ تشهدها أجواء منطقة المدينة المنوّرة، وخاصة المحافظات الساحلية، التي تثور فيها الرياح النشطة المحملة بالغبار والأتربة التي تؤثر في مدی الرؤية الأفقية وتؤدي لهطول أمطارٍ علی محافظة ينبع؛ ذلك من مساء الجمعة، وحتى اليوم الأحد.
وتتكرر تلك الحوادث والكوارث كل عام، ففي العام الماضي تلقت إدارة الدفاع المدني ما يزيد عن 3911 بلاغاً جراء الأمطار والسيول التي سقطت خلال 24 ساعة فقط على منطقتي الرياض والشرقية. وتمكن رجال الدفاع المدني من إنقاد 55 من المواطنين والمقيمين الذين احتجزتهم مياه الأمطار والسيول في عدد من المواقع بالإضافة إلى انتشال 76 مركبة وحافلة جرفتها مياه الأمطار, فيما بلغ عدد الوفيات نتيجة للحوادث الناتجة عن الأمطار والسيول منذ بداية هطوله 24 شخصا، في مناطق الرياض ومدينة عرعر والقنفذة والباحة خلال 24 ساعة فقط
وصلاة الاستسقاء سنة نبوية لطلب نزول المطر، وتدعو إليها المملكة كل حين وآخر، وحددت الإدارة العامة للأوقاف والمساجد والدعوة والإرشاد بمحافظة جدة 36 جامعاً ومصلى لإقامة صلاة الاستسقاء غداً, بمختلف أنحاء المحافظة، كما تم تهيئة وتجهيز المصليات والجوامع، من حيث زيادة مستوى الأداء من خدمات الصيانة والنظافة، إضافة إلى تأمين ما تحتاجه المصليات من فرش, وأجهزة فنية وصوتية.
ويبقي السؤال.. بعد كل هذه التجهيزات والاستعدادات لصلاة الاستسقاء.. إلى متى تظل المملكة غير مستعدة لهطول الأمطار التي تتضرع لطلبها، ثم تتوالى الكوارث ويكثر عدد الضحايا عاما تلو الآخر، وتتحول السقيا بهذا إلى سقيا عذاب لا سقيا رحمة؟!.
شؤون خليجية