اذا سألك أحدهم : ‘كيف يمكن التواصل معك’ ؟ ، فالاجابة بسيطة : ‘عبر الواتساب’ .
يُخيّل الينا أن هذا التطبيق أصبح الوسيلة شبه الوحيدة للتواصل بين البشر بعد أن فرض سيطرته على حياتنا. واليوم ، أصبحت القاعدة بالنسبة لكثيرين كالتالي: علاقتك بالآخرين رهينة ال’Last Seen’ وال’Online’ ومؤخرا العلامتين الزرقاوتين . أما اذا كانت العلاقة شبه مقطوعة عبر الواتساب فهي كذلك في الحياة الواقعية.
في بدايات اطلاق ‘الواتساب’ ، كان معظم المستخدمين يشعرون بحماسة مفرطة لأنهم ارتاحوا الى حدّ كبير من كلفة الاتصالات الهاتفية التي قلّ الاعتماد عليها بعد اطلاق خدمة التراسل الصوتي . الا أن الوقت كان كفيلا في اظهار أعباء الواتساب لنجد أنفسنا أحيانا نشعر بالضيق من الرسائل التي قد تصلنا بالعشرات خلال فترة قصيرة .
أما المضحك في الأمر فكيف أن للواتساب هيبته الخاصة خصوصا في العلاقات العاطفية . كلّ من أراد ‘تلطيش’ من يحبّ ، يمكنه أن يبدع في ال’Status’ ليلقّن الآخر درسا في حال كان غاضبا منه . ومنهم من يتعمّد اثارة غيرة الطرف الآخر عبر صورة ‘البروفايل’ حيث يكشف له أنه يستمتع بوقته برفقة آخرين . أما من يحترق شوقا وألما بسبب الفراق فبالطبع سيجد ‘status’ مؤثرة تعبّر عن حالته.
ويزداد الأمر تشويقا عندما تحصل الخلافات بسبب الوقوع في فخ ال’Online’ وال’Last Seen’ . فكم من المرّات نسمع أحدهم يتذمّر من أنّه وجد من يحبّ online عبر الواتساب لفترة طويلة ولم يكلّمه. أما ال ‘ Last Seen’ فيعمد كثيرون الى اخفائها تجنبا للمساءلة أو التطفّل ، وهي أيضا تثير التكهنات والتحليلات التي قد تسيء الى العلاقة بين الطرفين . وعلى سبيل المثال، يمكن معرفة أن الشريك الآخر مدّد سهرته لوقت متأخر جدا من خلال مراقبة متى كان ظهوره الأخير على التطبيق.
المفارقة أنّ الواتساب أصبح موضة أيضا في وظائفنا وهو ما دفع أرباب العمل الى التخلص من هذا الكابوس بعد أن ضاقوا ذرعا برسائل الموظفين أو الزبائن . فلم يعد غريبا مثلا أن نطلب موعدا من مصفف الشعر عبر الواتساب ، وعلى التطبيق نفسه قد يستفسر الزبون عن موعد استلامه البضاعة التي ينتظر وصولها، كما أنّ للموظفين أيضا حوارات يومية ومطوّلة للبحث في شؤون العمل .
أما العلامتين الزرقاوتين فهما آخر اختراعات الواتساب وبالطبع لم يكن التحديث بالخبر السار للمستخدمين كونه يكشف للمرسل ما اذا تمت قراءة الرسالة من قبل المتلقي عبر ظهور علامتين زرقاوتين . تخيلوا درجة الغضب التي قد يبلغها كلّ من اكتشف أن رسالته التي قرئت، أُهملت من جانب المتلقي أم تأخّر الردّ عليها .
وللتعبير عن استيائهم، لجأ مستخدمو الواتساب الى مواقع التواصل الاجتماعي اذ وجدوا أن التحديث الجديد خرقٌ جديد لخصوصيتهم . بعض التعليقات مبالغٌ بها اذ هناك من وجد أن علاقتهم بالأصدقاء وبأفراد العائلة وأحبائهم سوف تتأثر سلبا لأن عدم الردّ عليهم رغم قراءة الرسالة سيعرّضهم للسيم والجيم. وللتحايل على الواتساب ، تمّ التوصل الى طريقة تمنع ظهور العلامتين الزرقاوتين من خلال تفعيل ‘وضعية الطيران’ أي ‘Airplane Mode’ في الهاتف المحمول لإيقاف جميع الاتصالات اللاسلكية، وهكذا يمكن قراءة الرسائل والتخلص من ضغط الردّ السريع . وبعد الانتهاء من ذلك ، يجب اغلاق ‘الواتساب’ وتعطيل ‘وضعية الطيران’.
وفي حين تتفاوت الآراء بين غير مكترثٍ بالعلامتين الزرقاوتين وبين من أعطى الأمر أبعادا غير طبيعية، نتفاجأ كيف يصدّق كثيرون مقولة أنّ الواتساب يفضح نوايانا ومشاعرنا علما أننا قد نهمل أحدهم عبر الواتساب ولكننا في الواقع نتحرّق شوقا اليه، وقد نتواصل يوميا مع عشرات الأشخاص دون أن يعني ذلك أننا لا نستطيع الاستغناء عنهم .
ريما عبد النور