يزداد التنافس بين واشنطن وطهران في العراق يوماً بعد آخر، تسابقان الزمن للحصول على النفوذ الأكبر في البلاد الأولى بمليشياتها والثانية بضرباتها الجوية. الجمعة الماضية وصل المئآت من عناصر الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران إلى قاعدة”عين الأسد”العسكرية غرب محافظة الأنبار، وهي المرة الأولى التي يتواجد فيها عناصر ميليشيات في هذه المدينة السنيّة التي يمقت سكانها الميليشيات بشدة.
وبعد يومين أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما عن إرسال 1500 مستشاراً عسكرياً أميركياً جديداً إلى العراق وتحديداً إلى الأنبار، وبهذا فإن عناصر الميليشيات الموالية لإيران أصبحوا جنباً إلى جنب مع عناصر الجيش الأميركي في قاعدة”عين الأسد” لتي تبعد 200 كم غرب بغداد.
ضابط كبير في الجيش طلب عدم الإشارة الى اسمه قال لـ “نقاش” إن 300 عنصر من قوات بدر التابعة إلى وزير النقل الأسبق وحليف إيران هادي العامري وصلت إلى قاعدة عين الأسد، و200 آخرين من عناصر سرايا السلام التابعة إلى مقتدى الصدر للمشاركة في هجوم على مدينة “هيت” التي يسيطر عليها “داعش”.
ولم تتدخل الميليشيات الشيعية في الأنبار إلى هذا الحد سابقاً، واقتصر نشاطها منذ دخول”داعش” إلى المدينة بداية العام الحالي على مناطق حدودية بين بغداد والفلوجة، ولكنها اليوم في مركز الأنبار وستقوم بمهام قتالية ضد داعش مع القوات الأمنية.
عشيرة”البو نمر”التي تعرض المئآت من عناصرها إلى القتل على يد تنظيم”داعش”قبل أسبوعين بسبب وقوف العشيرة إلى جانب الحكومة، هي من تقف وراء طلب دخول الفصائل الشيعية إلى هذه المحافظة، ولكن هذه العشيرة لم تأخذ في الاعتبار حساسية ذلك.
وخلال لقاءات مشتركة واتصالات هاتفية بين عدد من شيوخ الأنبار وبين عشيرة”البو نمر”حدثت مشادات كلامية بينهم، لأن الغالبية العظمى من هذه العشائر ترفض دخول الميليشيات الشيعية إلى هناك لأن السكان والعشائر يكرهون هذه الميليشيات كما يكرهون داعش وربما أكثر.
نصير المحمدي أحد شيوخ عشائر الأنبار قال لـ “نقاش” إن غالبية عشائر الأنبار والفصائل السنية مثل”جيش المجاهدين”و”الجيش الإسلامي” “كتائب ثورة العشرين”ترفض بشدة ما قامت به عشيرة”البو نمر”.
هذه الفصائل اتخذت موقف الحياد من التحالف الدولي ضد داعش، ولم يساعدوها في القتال، كما أنهم لم يساعدوا القوات الحكومية ضد داعش كما فعلوا قبل سنوات في محاربة تنظيم”القاعدة”، بسبب فقدان ثقتها في الحكومة بعدما تخلّت عنها في مشروع الصحوات.
“عصائب أهل الحق” و”منظمة بدر” المدعومتين من إيران و”سرايا السلام” التابعة لرجل الدين الشاب مقتدى الصدر انخرطت في القتال ضد داعش منذ شهور، وتركزت عملياتها في مناطق “الفلوجة” و”الصقلاوية” و”الكرمة” و”إبراهيم بن علي” وهي مناطق قريبة من بغداد ومهمة هذه الميليشيات منع سقوط بغداد.
وعلى ما يبدو فإن الصراع بين الولايات المتحدة وإيران للحصول على أكبر مساحة من النفوذ وراء اتساع عمل الميليشيات الشيعية في الأنبار السنية، فيما ردت واشنطن على ذلك بإرسال المئآت من المستشارين إلى الأنبار أيضاً.
الرئيس الأميركي باراك أوباما قال في مقابلة مع شبكة “CBC” الأحد الماضي إن “إرسال 1500 جندي أميركي إضافي يؤشر إلى بدء مرحلة جديدة في الحملة ضد تنظيم الدولة الإسلامية وستقوم هذه القوات بتدريب عدد من عناصر العشائر السنية في الأنبار التي تقاتل ضد داعش”.
بعد ساعات على قرار أوباما، انتقدت “عصائب أهل الحق” إرسال الجنود الأميركيين الجدد وقالت في بيان رسمي إن “واشنطن تحاول إيجاد الأعذار والحجج لوضع قواتها البرية في العراق، كما أن إرسال المزيد من جنودها يكشف عن فشل الدفعة الأولى منهم”.
منذ بداية الشهر الحالي نجحت قوات الجيش العراقي وبمساعدة كبيرة من الميليشيات الشيعية في تحقيق انتصارات مهمة في مدينة تكريت شمال بغداد، ومدينة “جرف الصخر” جنوب بغداد من دون مساعدة أميركية، وهو ما يعني تزايد النفوذ الإيراني في العراق.
ولكن واشنطن أعادت توازن القوى عندما نفذت غارات جوية مهمة في مدينة”القائم”الواقعة أقصى غرب الأنبار استهدفت اجتماعاً لقادة في تنظيم “داعش” بينهم زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي، وتشير المعلومات إلى مقتل العديد من القادة وإصابة البغدادي بجروح بليغة.
الواقع يشير إلى إن هناك سباقاً بين واشنطن وطهران لملئ الفراغ الأمني في العراق، إيران ومن خلال الميليشيات الشيعية لها النفوذ الأكبر على الأرض، بينما تمتلك أميركا وحلفائها النفوذ الأكبر في السماء عبر الطائرات الحربية.
هذا السباق لم يقتصر على الجنود والأسلحة بل شمل كسب جانب العشائر في الأنبار، فالحكومة العراقية استطاعت إقناع عدد من العشائر بالانضمام إلى جانبها وإقناعها بالموافقة على إرسال الفصائل الشيعية إلى المدينة لمساعدتهم في مواجهة داعش.
ونجحت الولايات المتحدة في إقناع عدد من العشائر بالانضمام إلى جانبها أيضاً، وتشير معلومات أمنية عراقية إلى أن عدداً من عشائر الأنبار تتعاون مباشرة مع واشنطن خصوصاً في الجانب ألاستخباراتي بمنحها معلومات عن أماكن تواجد داعش وهو ما يجعل الغارات الجوية ناجحة.
السباق بين إيران وأميركا على ما يبدو يصب في مصلحة العراق، لأن كل طرف يحاول إثبات انه الأقوى والأفضل لمواجهة”داعش”، وتستخدم كلا الدولتين العديد من الإجراءات الأمنية والسياسية لتحقيق ذلك، ولكن هنالك مخاوف من حصول صراع بين الجانبين من خلال جنودهما في مواقع القتال، خصوصاً وأن العديد من القواعد العسكرية تضم جنوداً أميركيين وعناصر ميليشيات.