تخوض السلطات الإماراتية حروبها الخارجية ودعمها السخي لمحاربة الديمقراطية في العالم العربي من واقع معاناة مواطنيها والمقيمين على أرضها لتشير إلى بوادر أزمة اقتصادية تعاني منها الدولة جراء تلك الإجراءات الناجمة عن فوضوية العبث بخزينة الدولة العامة.
قررت أبوظبي، يوم الخميس (13/11)، رفع تعريفة الكهرباء الخاصة بالمساكن سترتفع ما بين عشرة و40 في المئة اعتبارا من الأول من يناير كانون الثاني. لتضيف معاناة جديدة للمقيمين في الإمارة الغنية بالنفط، وهو ما سيؤدي إلى ارتفاع التكلفة المعيشية إلى الضعف إذ سيتعين على المصانع الرئيسية أن تدفع مثلي تعريفة الكهرباء خلال فصل الصيف. وستبدأ أبوظبي في تحصيل رسوم عن استهلاك المياه من المواطنين في حين ستزيد تعريفة المياه للأجانب بنسبة 170 في المئة. وبالنسبة للأسر الإماراتية سيتم زيادة الرسوم 10 في المئة عن المعدل الحالي وهو خمسة فلسات (1.4 سنت أمريكي) للكيلووات/ساعة عندما يتجاوز الاستهلاك حدا معينا. أما بالنسبة للأجانب الذين يشكلون معظم سكان أبوظبي سترفع الأسعار 40 في المئة من مستوياتها الحالية عند 15 فلسا.
سيطرة أبوظبي
وتسيطر شركات تابعة لإمارة أبوظبي على تزويد معظم احتياجات الإمارات الشمالية من المياه والكهرباء وهو ما سيرفع التكلفة أيضاً على بقية الإمارات السبع. وتسيطر شركة أبوظبي الوطنية للطاقة على بنسبة 54% في ثمان محطات لتوليد الكهرباء وتحليه المياه في الإمارات، فيما تتوزع الملكية المتبقية على هيئة مياه وكهرباء أبوظبي (6%) وشركتي “ماروبيني” و”جي دي إف سويس” (20% لكل منهما)، وتملك حكومة أبوظبي قرابة 76% من شركة أبوظبي للطاقة المسيطرة.
ويأتي هذا الرفع لأسعار الكهرباء في ظل تدارس حكومة دبي خفض الدعم عن المشتقات النفطية في الإمارة تتراوح ما بين عشرة إلى 20 في المئة عن المعدل الحالي البالغ 50 في المئة. ، والإمارات هي الأولى خليجياً وثالثة عربياً بعد سوريا وتونس في ارتفاع أسعار المشتقات النفطية، وكانت أبوظبي قد قررت عدم خفض المشتقات النفطية في 2012 بعد أن لاقت ارتفاعات أسعار 2010 سخط شعبياً كارتفاعات للمرة الثالثة على التوالي منذ 2001، ويبلغ سعر (اللتر البنزين) 1.83 درهم.
ويتحمل القطاع الخاص والشركات الكبرى في الإمارات عملية توظيف الاستثمارات الضخمة للنمو باقتصاد الدولة، فرفع أسعار الكهرباء والمياه إلى النصف وأحياناً إلى الضعف، سيساهم في زيادة إفقار الإمارات الشمالية بقسوة بالإضافة إلى رفع الدعم عن المشتقات النفطية، التي ستؤدي فعلاً إلى أعباء إضافية على الحياة المعيشية في الإمارات إذا ما تأكدنا أن أسعار إيجارات الشقق السكنية ارتفعت 200% خلال العام الحالي.
ويقول محللون اقتصاديون أن هذا مؤشر جديد على أن تراجع أسعار النفط يدفع حكومات الخليج لترشيد الإنفاق، لكن ذلك ليس سبباً رئيساً في ذلك، إذا ما تنبهنا إلى تقليل وزير الاقتصاد الإماراتي “سعيد المنصوري” من أهمية المخاوف بأن انخفاض أسعار النفط يمكن أن يكون لها آثار مادية على التمويل بالدولة للحفاظ على التوقعات بنمو الاقتصاد بنسبة تتراوح بين 4% و4.5% العام المقبل. فأبوظبي تتدخل في شؤون العديد من دول المنطقة في الإقليم وتتحمل تكاليف باهظة في محاربة الإسلاميين بدأً بمصر ثم تونس وليبيا، وليس أخيراً اليمن، وتحاول أبوظبي إدارة التوحش في محاربة “داعش” بتكاليف إضافية يتحمل أعباءها المواطنون والعاملون فيها.
عبء الانقلابات العسكرية
وعلاوة على الدعم السياسي فقد تحملت أبوظبي أعباء الانقلاب العسكري في مصر وتحاول جاهدة إنهاك اقتصادها لإنقاذ الاقتصاد المصري، ليصل إجمالي ما تلقته من دول الخليج العربي 10.6 مليار دولار، كمنح نقدية، ومساعدات نفطية، عدا المنح التنموية والودائع البنكية وحصلت القاهرة بموجبها من أبو ظبي على نحو 4.9 مليارات دولار لتنفيذ مشروعات، وذلك بعد قرض بملياري دولار قدمته الإمارات لمصر عقب الانقلاب على الرئيس المصري الدكتور محمد مرسي، إلى جانب ستة مليار دولار ودائع لدى البنك المركزي، ستتحمل ردها الحكومات المقبلة، إلى جانب مساعدات إماراتية أخرى تقدر بنحو 2.9 مليار دولار لإنشاء مشروعات تنموية و3 مليارات دولار ستدعم بها الإمارات مشروع المليون وحدة سكنية.
وهو ما يقارب موازنة الدولة الاتحادية للسنة المالية 2015، البالغة 49.1 مليار درهم (13.4 مليار دولار( وهي الأعلى في تاريخ الإمارات، بزيادة 6.3 في المئة مقارنة بالسنة المالية 2014م. وتتولى الحكومات المحلية في الإمارات السبع وضع موازنات سنوية خاصة بها. موازنة حكومة أبو ظبي قد تتجاوز بأكثر من ثلاثة أضعاف موازنة الحكومة الاتحادية، فيما بلغت موازنة حكومة دبي العام الماضي، حوالي 10 مليارات دولار.
وبالإضافة إلى الانقلاب المصري تدعم الإمارات انقلاباً عسكرياً في ليبيا عن طريق اللواء المتقاعد خليفة حفتر الذي يقود حرباً شرسة على الثوار الليبيين الرافضين لعودة القذافي، وشاركت طائرات حربية إماراتية في قصف مطار طرابلس في أغسطس الماضي، فيما يؤكد ليبيون أن الإمارات تدفع نفقات الحرب والتدخل المصري في ليبيا إلى جانب حفتر وتقدر التكاليف بمليارات الدولارات تظل تفاصيلها غامضة.
عبء الحرب على داعش
في جهة أخرى تشارك الإمارات إلى جانب قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية في الحرب ضد “داعش” التي لم تحسب ميزانيتها التشغيلية بعد، ويقول الاقتصادي السوري سمير رمان أن كلفة حرب داعش التي قدرها ب 30 مليار دولار ستدفعها الإمارات إلى جانب السعودية والعراق مقسمة بينهما بالتساوي، ويؤكد ذلك تصريح لمصدر حكومي في المملكة الأردنية الهاشمية أن السعودية والإمارات تعهدتا بتسديد فاتورة المشاركة الأردنية في الحرب على “داعش”، وهو ما تمّ خلال اجتماع جدة، الذي عقد في 11 سبتمبر الماضي، وضمّ وزير خارجية الولايات المتحدة جون كيري، إضافة إلى وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي ومصر ولبنان والأردن والعراق.
وحول التكاليف اليومية للحرب على “داعش” يقول موقع «انترناشونال بيزنس تايمز» الأمريكي الذي قال إن تكاليف العملية خاصة اليوم الأول من الحملة كان الأكثر كلفة حيث دام القصف خمس ساعات بصواريخ وقذائف من الطائرات وحاملاتها.
وذكر التقرير أن الحرب على داعش في سوريا والعراق تكلف الخزينة الأمريكية وحدها أكثر من 312 ألف دولار في الساعة الواحدة، إذا ما استمرت وتيرتها كما هي منذ أن بدأت أي 5200 دولار بالدقيقة وتقريبا 87 بالثانية.
وأمام هذا النزيف المالي المهول يبرز السؤال: من يدفع فاتورة هذه الحرب ؟، يسود الاعتقاد لدى المحليين العرب والغربيين بأن دول الخليج العربي -وتحديداً الإمارات والسعودية- هي التى ستدفع فاتورة الحرب على داعش، وأن واشنطن والدول الغربية تعتمد على حلفائها العرب بشكل أساسي لتمويل هذه الحرب، حيث ذكر بعض المحللين أن ضخامة تكاليف هذه الحملة وثقل عبئها الكبير على الاقتصاد الأمريكي جعل الرئيس باراك أوباما يلجأ لشركائه وحلفائه ليتحملوا النفقات، في الوقت الذي تتجنب واشنطن وحلفاؤها الغربيون تحمل فاتورة الحرب عسكريا أو ماليا لأنهم قد يحاسبون عليها انتخابيا ومن هنا برز الاعتماد على التمويل الخليجي.
في الوقت الذي توفر فيه دول مجلس التعاون الخليجي الدعم اللوجستى من قواعد بحرية وبرية ومطارات جوية، فضلًا عن المساهمة في تمويل نفقات الحرب التى لم تحدد بعد.
وأخيراً..
علاوة على صناعة الحروب الخارجية للإمارات التي أثقلت عبء التزامات الدولة، فهناك صناعة للأعداء في الخارج مما يؤثر سلباً على الإمارات من ناحية انتشار العنف الانتقامي بواسطة تنظيم غير محكم كـ”داعش”، ومع كل ذلك فالمجتمع الإماراتي يدفع تلك التكاليف الباهظة من قوّت يومه ومن حياته المعيشية، إلى جانب المقيمين في الدولة، لتدعو تلك الحالة من رفع الأسعار مع بقاء الدخل كما هو إلى زيادة استدانة المواطنين من الصناديق الحكومية ليبقى مرهوناً طوال حياته وأبناءه لتلك الصناديق مما يؤثر على إنتاجيته في خدمة وطنه.
“ايماسك” موقع إماراتي معارض