“لا يمكن تجاهل أنَّ الدولة الإسلامية (المعروفة إعلاميا بداعش) تحظى بشعبية واسعة في أرجاء العالم الإسلامي. نقرأ يوميًا عن الكثير من المسلمين ومعتنقي الإسلام- من أنحاء العالم الذين يتدفقون على ساحات الجهاد في سوريا والعراق للمشاركة بفعالية في عمليات “الدولة الإسلامية” بل وحتى للتضحية بحياتهم من أجلها”.
بهذه الكلمات افتتح المستشرق الإسرائيلي “مردخاي كيدار” مقاله على موقع “مرئيه” الذي حمل عنوان “خلافة من الجحيم”، مشيرًا إلى أن الكثير من التنظيمات بايعت “الخليفة” أبو بكر البغدادي زعيم الدولة، كان آخرها تنظيم “أنصار بيت المقدس” الذي يعمل بسيناء ويستهدف القوات المصرية هناك.
ومضى يقول: “إضافة إلى ذلك لا يمكن تجاهل حقيقة أنه حتى اليوم لم نرَ أو نسمع في أي مكان بأنحاء العالم الإسلامي عن تظاهرة ضد “الدولة الإسلامية” واحتجاج على تعاملها مع الأقليات، والنساء والأطفال”.
“كيدار” المحاضر بالقسم العربي بجامعة بار- إيلان وزميل مركز بجين- السادات للدراسات الاستراتيجية، قال إنَّ المسلمين كثيرًا ما خرجوا في تظاهرات حاشدة في مشارق الأرض ومغاربها ضد رسوم كاريكاتورية، وأفلام وعمليات عسكرية، متسائلاً: لماذا لا يحتجون ضد قطع الرؤوس؟ والقتل الجماعي للأقليات وبيع النساء في سوق النخاسة؟ هل يوافقون على ذلك؟.
وأضاف: “وفي السياق، هناك سؤال آخر: لماذا لم تكن “القاعدة” خلال سنوات نشاطها، جذابة للغاية مثل “الدولة الإسلامية اليوم؟”.
الإجابة الجوهرية على هذه التساؤلات- بحسب “كيدار”- هي أنَّ “الدولة الإسلامية” بدت للكثير من المسلمين وكأنها “شيء حقيقي”، يمثل الإسلام الصافي، النقي، الأصلي، الذي أتى به للعالم نبي الإسلام محمد، والذي كان نبراسا لأصحابه ومن جاءوا بعده.
وزعم المستشرق الإسرائيلي أنَّ المسلمين الأوائل كانوا يفعلون مثل ما يفعله تنظيم الدولة الآن، معتبرا أن “الكثير من المسلمين سمعوا وقرأوا دون خجل بل بالكثير من الفخر كتب التاريخ الإسلامي التي توثق كيف احتلت جيوش الإسلام معظم العالم الذي كان معروفًا في القرن السابع الميلادي، كيف ذبحوا الكفار، كيف نهبوا الكنائس والمعابد، وكيف باعوا الكفار في سوق العبيد وكيف فرضوا الإسلام على الشعوب التي احتلوا أرضها”.
“الدولة الإسلامية” تفعل اليوم الأمر نفسه، تحتل الأراضي، وتقطع الرؤوس، توصلب الكفار، وتبيع الأشخاص والنساء في سوق العبيد، كما اعتاد المسلمون الأوائل في القرن السابع، كما تقطع يد السارقين، ويرجم الزناة، ويجلد المجرمون، تمامًا كما تقضي الشريعة. على حد زعم الكاتب الإسرائيلي.
وتابع: “هل يمكن لمسلم مؤمن أن يخرج في تظاهرة ضد فرض الشريعة؟ هل يمكن أن يحتج على عودة الممارسة الإسلامية للأيام الجيدة للنبي وصحابته؟ هل يستطيع مسلم أن ينتقد سلوك النبي محمد، الذي تقضي العقيدة الإسلامية أنه معصوم؟”.
بعكس “القاعدة” التي لم تسيطر قط على منطقة من أجل إقامة دولة إسلامية عليها، فإن “الدولة الإسلامية” تجسيد إقليمي في أيامنا لما قام به محمد في القرن السابع. راية “الدولة الإسلامية” مكتوبة بخط مستوحى من القرن السابع، ويضم ختم محمد، هكذا يؤمنون. الكثير من مقاتلي “الدولة الإسلامية” يرتدون ملابس سوداء، كتلك التي كان يرتديها مقاتلو الإسلام الأوائل”.
على رأس “الدولة الإسلامية” يقف خليفة، كهؤلاء الذين خلفوا النبي محمد. ينطوي ذلك على أهمية كبيرة، نظرًا لأن مؤسسة الخلافة الإسلامية أُلغيت عام 1924 على يد مصطفى كمال أتاتورك. والذي يعتبره المؤمنون العدو اللدود للإسلام، الذي ألغى الشريعة، وأحرق المساجد، وأغلق المدارس الإسلامية، واستبدل الخط اللاتيني بالعربي وحاول بشتى الطرق اجتثاث الإسلام من تركيا. الآن تأتي “الدولة الإسلامية” وتستأنف مؤسسة الخلافة، وهو الأمر الذي يعزف على وتر حساس للغاية في النفس الإسلامية.
أمر آخر هو حقيقة أن “الدولة الإسلامية” لا تتردد في إعلان تحديها للقوة الغربية، الكافرة، بل وذبح أمريكان وبريطانيين- رمز الهيمنة الغربية، النصرانية، الكافرة- أمام الكاميرا دون خجل أو تردد، مع تلاوة رسالة تحدي بالإنجليزية لزعماء تلك الدول، الذين يعتبرون أقوى الرجال في العالم. شجاعة “الدولة الإسلامية” تثير لدى الكثير من المسلمين في العالم فخر شديد وشعور بأن هذه هي الطريقة التي يجب للمسلم الحقيقي أن يتصرف، ويتحدث بها أمام الكفار.
هذا الأمر هام لاسيما بالنسبة للشباب المسلم المقيم في أوروبا وأمريكا، الذي لم يندمج في المجتمعات الغربية، وتطور لديه الغضب والحنق على الدول التي نشأ في كنفها. تدفق الصغار أبناء المهاجرين على ساحات الجهاد في سوريا والعراق ينبع من الرغبة في الانتقام من الدول الغربية التي قامت بتهميشهم وممارسة التمييز ضدهم في دول الغرب التي ولدوا وترعرعوا وتعلموا بها. وفقًا لـ “مردخاي كيدار”.
معتز بالله محمد