نقل معارضون سوريون في واشنطن عن مسؤول رفيع المستوى في “مجلس الأمن القومي” الأميركي قوله، إن واشنطن لن تقوم بما من شأنه أن يثير حفيظة الإيرانيين في المنطقة، ما يعني أن الولايات المتحدة “لن تقوم بأي مجهود عسكري، مباشر أو غير مباشر، ضد قوات الأسد”.
ويضيف المسؤول الأميركي متحدثا لضيوفه السوريين: “أي حل تريدون أن تقدموه لنا يتعلق بسورية، يجب أن يتضمن كلمتي إيران وروسيا”.
ومن شاركوا في الجلسة المذكورة هم من المحظوظين، إذ يشكو المعارضون من أن إدارة الرئيس باراك أوباما لا تمنحهم لقاءات مع مسؤوليها الكبار، بل تحصر التواصل معهم بدانيال روبنشتاين، الدبلوماسي الذي يحاول لعب الدور الذي قام به السفير السابق في سورية روبرت فورد.
وإلى جانب روبنشتاين، ويلتقي المعارضون السوريون بشكل متواصل مع المبعوثة الأميركية الدائمة في الأمم المتحدة، سامنتا باور، التي يصفها المعارضون بالمتعاطفة كليا مع القضية السورية.
لكن باور، الصحافية والناشطة السابقة، تصارح ضيوفها بأن نفوذها محدود داخل الإدارة، رغم أنها لا تألو جهداً في تقديم أي مساعدة في مركزها في المنظمة الدولية.
وبخصوص تدريب المعارضين السوريين، نقل المعارضون السوريون عن مسؤولين أميركيين أن العدد المعني بالتدريب من الثوار قليل، وذلك لاستحالة تدريب المقاتلين المنخرطين على الجبهات، إذ قد يؤدي سحبهم إلى إضعاف صفوفهم، ما يعني أن التدريب الأميركي سينحصر على مقاتلين يتم تجنيدهم من مخيمات اللاجئين، لكن يمكن للمخيمات تقديم أكثر بكثير من خمسة آلاف مقاتل.
وأوضح المسؤولون الأميركيون لهؤلاء المعارضين أن “الحل في سورية يأتي في أعقاب الحل مع إيران وبالاتفاق معها”، ما يعني أن واشنطن تعتقد أن إيران أصبحت الآمر الناهي في سورية، وأن نفوذ الأسد ونظامه انتهى فعليا.
ويوافق الدبلوماسي المنشق والرجل الثاني سابقا في السفارة السورية في واشنطن، بسام بربندي، على الرؤية الأميركية القائلة بأن الكلمة الفصل في سورية صارت بيد إيران، ويقول إن “بعض المسؤولين الأميركيين يفكرون في تكرار الحل العراقي في سورية، أي إزالة الأسد وتعيين شخص مقبول بديلاً عنه، والإفادة من الجيش والحكومة لمحاربة المتطرفين”.
وأوضح بربندي: “منذ العام 1986، أبقى حافظ الأسد على مسافة بينه وبين إيران وحزب الله، الذين يبحثون من دون كلل عن نفوذ لهم في المنطقة”، مضيفاً: “كنا جميعا في الحكومة نعلم أن بشار لا يثق في قدراته القيادية، وهو ما سمح لزعيم حزب الله حسن نصرالله بإقامة علاقة مع بشار قبل سنوات قليلة من وفاة والده في العام 2000، واقترب منه بشكل لم يكن حافظ ليسمح به”.
وتابع “بربندي القول إنه “أثناء مراسم عزاء الأسد، كنت من ضمن فريق وزارة الخارجية الذي توجه إلى اللاذقية للقيام بالترتيبات الخاصة بالعزاء، حيث شاهدنا كتيبة من حزب الله جاءت للمشاركة ومشت عسكرياً في المأتم”، معتبراً أن “تلك اللفتة كانت إشارة من حزب الله إلى بشار الأسد أن الحزب هو مصدر ثقته”.
على أن بربندي يشير إلى أن إيران واجهت صعوبات في التقرب من الأسد، مضيفاً: “شاركت في لقاءات متعددة مع مسؤولين إيرانيين، كانت تهدف لإنشاء خط ساخن بين طهران ودمشق، للتنسيق بين المرشد الأعلى (علي خامنئي) وبشار”، لكن مستشار حافظ وبعده بشار، محمد ناصيف، رفض الفكرة من دون حتى طرحها على الأسد الابن بعد توليه الرئاسة، لعلمه أن حافظ لم يكن ليوافق.
ويقول الدبلوماسي السوري السابق إن “اندلاع التظاهرات الشعبية المعارضة لحكم الأسد في مارس 2011، أعطى إيران الفرصة، فتحركت بسرعة، وأرسلت سعيد جليلي إلى دمشق بعد أيام من تظاهرات درعا، وأكد جليلي للدائرة المقربة من بشار أنه يعرف طريقة فعالة لوقف التظاهرات، وشجع الأسد على تفادي التنازلات، وأطلق عملية لمقاومة الثورة الشعبية السورية بالتعاون مع إيران تدعى الجدار العازل”.
وتابع أنه مع تطور التظاهرات إلى صراع مسلح، يروي بربندي أن “إيران أرسلت مستشارين وقناصين وقوات خاصة لدعم بشار، ومع انشقاق ضباط كثر، استعان الأسد بقوات حزب الله وإيران، وهو بالضبط ما عمل حافظ الأسد على محاربته على مدى عقود”.
ويكشف المسؤول السوري السابق أن دمشق تسلمت في العام 2011 مبادرتي حل، الأولى من الإمارات، وأيدتها الولايات المتحدة، وتضمنت دعم نظام الأسد سياسياً واقتصادياً، مقابل قيامه بإصلاحات داخلية، وإعادة العلاقات مع إيران إلى حدودها الطبيعية، والثانية من قطر.
ومع ارتفاع عدد القتلى، اقترحت تركيا في مطلع العام 2012 على بشار أن يتحول إلى رئيس حكومة مع إبقاء سيطرته على الجيش والاستخبارات الجوية. كما قضت الخطة التركية بتعيين نائب الرئيس فاروق الشرع رئيساً ومشرفاً على أمن الدولة والأمن السياسي، وصهر الأسد الراحل آصف شوكت وزيراً للدفاع، لكن إيران لم تكن تثق في اللواء شوكت.
وحتى يخفف الأسد الضغط الدولي عليه، فتح حواراً مع الأتراك، وعقد نائبه الشرع مؤتمراً للحوار مع المعارضة، لكنَ “إيران استشاطت غضباً، واستخدمت نفوذها لوقف تلك اللقاءات التي كان يمكن لها أن توحد سورية خارج النفوذ الإيراني”، حسب بربندي، مضيفاً، أنه “في يوليو 2012، اغتيل شوكت ومسؤولين أمنيون رئيسيون، واستخدمت إيران التفجير، فأقنعت الأسد أن المصالحة ستؤدي إلى المزيد من الهجمات على مسؤوليه، ما دفع الأسد إلى المزيد من العناد في وجه معارضيه والعالم”.
سيطرة إيران على الدائرة الداخلية لنظام الأسد تسمح لها بدفعه إلى الانهيار ساعة تشاء..
لكن ماذا يحدث إذا لم تتوصل واشنطن وطهران إلى اتفاقية نووية تؤدي إلى تفاهمات في الملفات الأخرى؟ تكون إيران قد استولت على سورية، مع أو من دون الأسد، ومع أو من دون اتفاق مع واشنطن، ويكون ذلك حدث بمباركة أميركية.
واشنطن – من حسين. ع