ليس كثيرا أن تدفع عائلة «آل خليفة» البحرينية 5400 جنيه استرليني لكل فرد من نبلاء البرلمان البريطاني: البارونة باتريشيا سكوتلاند (أشتال)، واللورد غلام نون، وهيزل بليرز، واللورد باتيل (برادفورد)، واللورد كلايف سولي، لزيارة المملكة البحرينية في إبريل/نيسان، بحسب ما يظهر في سجلات البرلمان البريطاني.
لقد حصلتُ مؤخرًا على نسخة مطبوعة من تقرير مُكوّن من 24 صفحة أعدّه الوفد عقب انتهاء زيارته يفيد براءتهم مما نُسب إليهم. ولإعلان الأمر على الملأ فإن بين أيدينا دراسة حالة كاملة بشأن غسل السمعة البحرينية.
كافة أفراد الوفد نشروا مخاوفهم التي تكشف دهاء «آل خليفة» وجهودهم في الالتفاف على الثورة – أولاً من خلال الاتهامات بالإرهاب للمتظاهرين، وثانيًا أن الحركات المطالبة بالديمقراطية ليست سوى مجموعات تدعمها إيران الثيوقراطية وتحركها كما تريد.
كلا الأمرين عبارة عن خرافة، لكن التقرير أظهر أن الوفد كان سعيدًا ومستمتعًا بالزيارة، وأطلق الكثير من التصريحات التي لا يمكن وصفها بالهُراء.
صديق شخصي لآل خليفة
اللورد «غلام نون» – على سبيل المثال – قال: «أنا شخصيًا أعتبر البحرين بلدي الثاني وأتطلع للعيش هنا. أستطيع أن أصف نفسي أني مواطن نصف بحريني». ولقد اعترف «نون» لي قبل أشهر قليلة أنه كان صديقًا شخصيًا لآل خليفة.
وفي محاولة لتجميل وجه «آل خليفة» ادعى «نون» أن النفوذ الإيراني السري يتصرف بدون إستحياء. وفي مقال بعنوان «خائنون وليس لاجئون» نُشر في البحرين خلال زيارة الوفد أخبر المراسل المحلي أن 500 أو أكثر من الناشطين البحرينيين الذين غادروا إلى لبنان غير مرغوب فيهم.
وتابع «نون» قائلا: «هم ليسوا لاجئين أو طالبي لجوء سياسي كما يُقال، لكنهم على علاقة بوكالات خارجية تعمل ضد صالح المملكة»، مُضيفًا بدون تقديم أي أدلة: «نحن في المملكة البحرينية على وعي تام بالموقف حيث أن نظامنا القضائي يسمح بمنح حق المواطنة بسهولة. نحتاج إلى مراجعة إمكانيات التغيير في النظام القانوني حيث أن كثيرين يستغلون مثل تلك الامتيازات».ويحمل اللورد «نون» أجندة قوية تخصّ الإرهاب والتطرف؛ خاصة بعد أن احتُجز في فندق «تاج محل» في «مومباي» خلال نوفمبر/تشرين الثاني 2008 حينما تعرض الفندق لهجوم إرهابي، ومن وقتها أيّد إجراءات صارمة ضد «المبشرين الإرهابين» في المملكة المتحدة، وقدّم الكثير من المقترحات لمجلس اللوردات بشأن قوانين تضيق الخناق على الإرهاب.
وفي المقابل؛ كان ذلك تكتيكًا من الحكومة البحرينية لتشويه سمعة الناشطين المؤيدين للديمقراطية ووصفهم بأنهم إرهابيون. وفي اليوم الذي حطت فيه طائرة اللورد «نون» والسياسيين البريطانيين الآخرين في البحرين كان الناشط المحلي في مجال حقوق الإنسان «عبد الهادي الخواجة» يقضي يومه الــــ 1025 من عقوبة سجنه مدى الحياة؛ والتي صدرت بعد انتفاضة عام 2011م. «الخواجة» وسبعة آخرون وُجهت إليهم اتهامات «تكوين وإدارة منظمة إرهابية».
جريمة «الخواجة» الحقيقية أنه كان يدافع عن حقوق الإنسان. كان هو المؤسس المشارك لمركز البحرين لحقوق الإنسان، ولم يكن في يوم إرهابيا. كان الممثل الإقليمي لمجموعة «فرونت لاين» المدافعة عن حقوق الإنسان، ولم يكن انتحاريًا. وجهت منظمة العفو الدولية له دعوة في السابق للانضمام لـ«بعثة تقصي الحقائق» في العراق، ولم تكن دعوة من تنظيم «القاعدة».
وللأسف، فإن صياغة تقرير الوفد الذي نشره اللورد «غلام نون» يُضفي مصداقية على هذه الاتهامات الباطلة بالإرهابمن خلال التلميحات المتكررة لها بهدف تحقيق التوازن بين حقوق الإنسان مع ”الأمن القومي“.
ربما ترفض وجهة النظر القائلة بأن مزاعم التكتيكات الإرهابية لا أساس لها من الصحة. قبل شهر من زيارة الوفد قُتل ثلاثة من رجال الشرطة في هجوم بقنبلة حمّلته الحكومة للمعارضة. التقرير يتبنى لهجة مُركزة، لكن ”عمياء“ تصيب بالإحباط.
«لقد رأينا بعض الأسلحة التي صادرتها الشرطة. ومما لا يثير الدهشة كان بعضها إيراني المنشأ، لكن ما يدعوا للقلق أن بعضًا منها كان محليّ الصنع وبطريقة بدائية لكنه كان فعّالاً».
«كان من بينهم قنابل محلية الصنع، واحدة منها كان يُعتقد أن تكون مشابهة… لتلك التي تسببت بمقتل ضباط الشرطة الثلاثة… مثل هذه الأسلحة المُصنّعة تشير إلى وجود مقاومة منظمة في القرى الشيعية».
وبعيدًا عن ما يثير الدهشة أم لا فإنه كانت هناك كلمة «هجوم إرهابي» في التقرير؛ والتي تثير بعض الأسئلة التي تُوجّه مباشرة للوفد: تأمل ببساطة أيهما من المفترض أن يجني المزيد: النظام البحريني أم المعارضة حال انفجرت القنبلة؟ هل تخسر المعارضة بدرجة كبيرة؟ هل سيأتي المجتمع الدولي لمساعدتهم إذا لجأوا إلى الإرهاب؟
هناك نظرية موثوقة تقول إن الهجوم لم يكن خطأ ارتكبته المعارضة، ومن الأرجح أن الأجهزة الأمنية هي التي زرعت المتفجرات. هذه النقطة أثارها نائب بحريني سابق، ويرددها الكثير في مجتمعٍ يناهض النظام الملكي.
ما علاقة هذا كله بتقييم انتهاكات حقوق الإنسان؟
اللورد «هيزل بليرز» – عضو البرلمان – هي الأخري جاهزة لاستغلال تلك النقطة، وخاطرت بمكانتها لتظهر «صارمة» تجاه الإرهاب. وخدمت «هيزل بليرز» كوزيرة للدولة البريطانية للشئون الداخلية في ظل حكومة حزب العمال، وتمتلك ”خبرة عميقة في الشئون الأمنية المحلية والدولية“، وطبّقت استراتيجية ”مكافحة الإرهاب“ في المملكة المتحدة؛ بحسب التقرير الذي أصدره الوفد.
ربما لا تستطيع الصمت عن طرح سؤال بخصوص ما علاقة هذا كله بتقييم انتهاكات حقوق الإنسان.
ربما لأن «آل خليفة» أرادوا بريطانيون يتمتعون بالنفوذ يرون العالم من خلال عيون «الأمن القومي» الذي ينكس رأسه عندما يقوم شخص بوصم الثوار على أنهم إرهابيون. من السهل تحويل الأنظار عن الانتهاكات الفظيعة لحقوق الإنسان عندما يصدق السياسيون – الذين تقدمهم أنت – أنفسهم على أنهم في طليعة «الحرب على الإرهاب».
التقرير يوضّح أن «بليرز» كانت مع البارونة «سكوتلاند» في الرحلة بسبب خبرتها الطويلة في المشاركة المجتمعية. وبحسب التقرير أيضًا فإن «بليرز» ”لديها خبرة عميقة في الإشراف على تطورات الشرطة المجتمعية بالمملكة المتحدة“.
ولم تُشر الوثيقة التي اطلعتُ عليها إلى قسوة الشرطة البحرينية في التعامل؛ وخاصة إسرافها في استخدام الغاز المسيل للدموع. قبل شهر واحد من زيارة الوفد؛ حظرت كوريا الجنوبية كل صادرات الغاز المسيل للدموع إلى البحرين خوفًا من إساءة استخدامه من قبل قوات الأمن. وبكل المقاييس؛ وحشية الشرطة – بما في ذلك التعذيب – في أسوأ حالاتها، ليس فقط منذ عام 2011م، لكن منذ بدء الانتفاضة في التسعينات.
الخداع مرة أخرى
وماذا عن اللورد «كلايف سولي»؟ ربما تم اختياره ليقود الوفد؛ لأن للورد «غلام نون» مُتحيز للغاية لآل خليفة ويكثر من الدفاع عنهم، أو ربما بسبب سجله الحافل بالوقوف بجوار مماليك الخليج المستبدة.
في عام 2012م؛ وجّه مركز الدراسات والبحوث الاستراتيجية – الذي تديره دولة الإمارات ومقره أبوظبي – الدعوة لـ«سولي» للحديث عن سيادة القانون، وأشاد وقتها بــ«الإطار القانوني والسجل الحافل بسيادة القانون في دولة الإمارات».
ونشر « مركز الدراسات والبحوث الاستراتيجية» تقريره بعد الخطاب مُستخلصًا منه: «التصريحات الأكثر أهمية في محاضرة اللورد «سولي» كانت «العلاقة بين سيادة القانون والاستقرار في دولة الإمارات، وتنمية البلاد، والرخاء الاقتصادي، والحفاظ على حقوق الإنسان والحرية».
وما زالت الإمارات لا تسمح لأي منظمات حقوقية مُستقلة بالعمل على أراضيها، كما ترفض الرد على مزاعم تعذيب المواطنين البريطانيين والنشطاء السياسيين المحليين، وانتقدتها وزارة الخارجية الأمريكية عام 2013م لفرضها قيودًا صارمة على الحريات المدنية للمواطنين (بما في ذلك حرية التعبير والصحافة والتجمع، وتكوين الجمعيات، واستخدام الإنترنت)، بالإضافة إلى الاعتقالات العشوائية، والإخفاء القسري، والاحتجاز لفترات طويلة من دون تقديمٍ لمحاكمة.
إذا كان «سولي» من السهل أن يُخدع أو رضي أن يكون دُمية في يد الإمارات، فلماذا لا يكون كذلك بالنسبة للبحرين؟ لقد اعترف بسهولة أنه ليس خبيرا في شؤون الشرق الأوسط، وصفحته على موقع «اللوردات» تعلن ضمن سيرته الذاتية أن سياسته الخارجية لا شأن لها بجنوب شرق ووسط آسيا، إلا أنه بعد أن حضر زيارة الوفد ذكر البحرين في خطاباته المتكررة أمام مجلس اللوردات.
أما اللورد «باتيل» – المندوب الأخير ضمن الوفد – فهو أكاديمي بارع وسياسي مقبول، لكنه هو الآخر يعترف على موقع البرلمان أنه متخصص في الشأن الهندي، وليس الشرق الأوسط.
يبدوا أن «باتيل» مثل «سولي» من السهل أن يُخدع.
ومن الغريب أن تجد «باتيل» حاصل على الأستاذية من جامعة شرق لندن، (والبارونة سكوتلاند حاصلة على درجة الدكتوراه الفخرية من نفس الجامعة). إنها مؤسسة غيّرت رأيها في البحرين، وبتمويل من اللورد «غلام نون» فإن الجامعة تدير بالفعل برنامجا تبادليًا مع الحكومة البحرينية.
وتجدر الإشارة إلى أن النظام البحريني وجّه دعوة للوفد إما لصداقتهم القوية وعلاقتهم بالأسرة الحاكمة، أو لأجندتهم المتعلقة بالإرهاب والتطرف، أو لصلتهم بمؤسسات بالفعل مرتبطة بالبحرين.
التقرير الذي أصدره الوفد أعطى انطباعًا أن الأمور تسير على ما يُرام، وليس هناك ما يُؤخذ على البحرين. منظمة «هيومن رايتس ووتش» من جانبها أشارت في وقت سابق أن هناك مناطق لم تقترب منها الحكومة البحرينية، وهي التي وعدت من قبل بتحسينها.
وحذرت منظمة «العفو الدولية» من أن النظام يعذّب الأطفال. ووزارة الخارجية الأمريكية نفسها نشرت تقريرًا من 49 صفحة ينتقد البحرين بشدة. ورغم ذلك؛ فإن الوفد رأى ما أراد النظام له رؤيته فقط ثم خرجوا يتغنون بألحان الثناء والإشادة. عليهم أن يخجلوا من أنفسهم.
المصدر | اليستر سلون، ميدل إيست مونيتور
ترجمة وتحرير: الخليج الجديد