رأى خبراء في قضايا حقوق الإنسان والعلاقات الدولية، خلال ندوة حقوقية عقدت في لندن الأربعاء، أن هناك محاولات في الغرب للتغطية على انتهاكات حقوق الإنسان في دولة الإمارات العربية المتحدة بسبب المصالح الاقتصادية وصفقات السلاح بشكل خاص، إضافة إلى العلاقات “الاستراتيجية” لدول مثل بريطانيا مع منطقة الخليج عموما، هذا علاوة على الاستثمارات الكبيرة لهذه الدول في الغرب.
وأجمع المشاركون على ضرورة الضغط، ليس فقط على الحكومات الغربية، بل أيضا على شركات السلاح لوقف صادراتها أولا لدول مثل الإمارات، ثم لثنيها عن عرقلة التحركات بشأن قضايا حقوق الإنسان في الخليج والإمارات بشكل خاص للحفاظ على مصالحها.
وعُقدت الندوة لمناقشة تقرير أصدرته المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا، حول الاعتقالات والاختفاء القسري والتعذيب في الإمارات، حيث شملت هذه الانتهاكات أشخاصا من جنسيات مختلفة.
ويورد التقرير حالات لمعتقلين من جنسيات إماراتية ومصرية وقطرية وليبية، كما شملت الاعتقالات فلسطينيين وسوريين، حيث تعرض هؤلاء المعتقلون للاختفاء القسري بعد احتجازهم، فيما تنكر السلطات الإماراتية وجودهم لديها حتى مرور وقت طويل على اعتقالهم.
وحاول الباحث في جامعة “سواس” البريطانية ديفيد ويرنغ؛ تلمس بعض أسباب تغاضي الغرب، وخصوصا بريطانيا والولايات المتحدة، عن انتهاكات حقوق الإنسان في الإمارات، مشيرا على وجه الخصوص إلى موضوعي الطاقة (النفط) وصفقات السلاح.
ورأى ويرنغ أن علاقة بريطانيا بالإمارات “استراتيجية”، وأن الأمر لا يتعلق فقط بالحصول على الطاقة بل بالتحكم بالآخرين الذين يريدون الحصول عليها أيضا. هذا إضافة إلى صفقات السلاح الكبيرة مع الشركات البريطانية، مع الإشارة إلى أن علاقات بريطانيا بمنطقة الخليج “تاريخية” وترتبط أيضا باعتبار المنطقة قواعد أساسية لبريطانيا والولايات المتحدة.
ولفت ويرنغ إلى أن الإمارات تحتل المرتبة الخامسة عشرة في الإنفاق على السلاح، متسائلا عن حاجة دولة بحجم الإمارات لشراء طائرات وصواريخ، إضافة إلى أسلحة أخرى قد تستخدم في القمع الداخلي، ملمحا إلى أن جزءا من هذه السياسة هي للضغط على الغرب للتغاضي عن ملف حقوق الإنسان.
ويؤكد تقرير المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا؛ أن “انتهاكات حقوق الإنسان في الإمارات أصبحت ذائعة الصيت خلال السنوات الأخيرة”، ولكن رغم ذلك فإن “العالم اختار أن يغمض عينيه عن هذه الانتهاكات بسبب الضغوط التي تمارسها الإمارات من خلال صفقات السلاح مع الغرب”.
كما يرصد التقرير نحو 20 شكلا من أشكال التعذيب وسوء المعاملة، تتراوح بين الإخفاء لفترات طويلة، والاحتجاز في زنزانات انفرادية ضيقة بعيدا عن العالم الخارجي، ومنع المعتقلين من الحصول على حقهم بالاتصال بمحام، ومنعهم من الحصول على الرعاية الطبية، وصولا إلى الضرب المبرح وخصوصا على الرأس والأماكن الحساسة من الجسم، والتعذيب بالكهرباء، وتقييد اليدين والرجلين في أوضاع مؤلمة، وعصب الأعين لفترات طويلة، وإجبار المعتقلين على الوقوف أو الانحناء في أوضاع مؤلمة، والتهديد بالقتل.
وكان رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان محمد جميل قد قال لـ”عربي21″ في وقت سابق؛ إن التقرير “روتيني حول تصاعد التعذيب والاختفاء القسري في الإمارات”، وأنه يأتي ضمن حملة للفت الانتباه لما يجري في الإمارات، مشيرا إلى أن الانتهاكات تشمل مواطنين إماراتيين ومقيمين وزائرين.
وقال الباحث في مجال حقوق الإنسان، نسيم أحمد، خلال الندوة؛ إن منظمات عديدة وثقت انتهاكات حقوق الإنسان في الإمارات، إلا أن حكام الإمارات “استخدموا علاقاتهم مع الغرب للتغطية على هذه الانتهاكات”. كما أن “الإمارات لم تكتف بملاحقة المطالبين بالتغيير داخل الدولة، بل سعت لضربهم في المنطقة العربية عموما”، بحسب أحمد.
ولم توقع الإمارات على “الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب” أو الاتفاقية الخاصة بحماية الأشخاص من الاختفاء القسري، أو “الاتفاقية الدولية للحقوق السياسية والمدنية”.
وفي هذا السياق، تحدثت المحامية سو ويلمان عن تجربتها، حيث أنها محامية متخصصة في مجال حقوق الإنسان وعملت في قضية مواطن بحريني اتهم فيها ولي عهد البحرين الأمير ناصر بن حمد آل خليفة؛ بتعذيبه خلال اعتقاله في البحرين. وأصدرت المحكمة العليا البريطانية حكما بأن الأمير لا يتمتع بالحصانة في بريطانيا ويمكن أن يحاكم في قضايا التعذيب.
وشرحت ويلمان؛ أن قضايا التعذب تدخل ضمن قضايا الولاية القضائية الدولية، وأن على بريطانيا مسؤولية التحقيق في مثل هذه الانتهاكات حتى لو لم يكن المتهم موجودا على أراضيها، موضحة أن الشرطة يُفترض أن تبدأ بالتحقيق عند تلقيها أي شكوى، ولكن لاعتقال المسؤولين عن التعذيب لا بد من صدور قرار من المدعي العام، وهذا عادة لا يتم إلا بوجود أدلة دامغة عن مسؤولية الشخص بشكل مباشر، سواء بممارسة التعذيب أو إصدار الأوامر للقيام بذلك. وقالت إن هناك الكثير من العقبات في هذا الطريق.
وتحدث خلال الندوة حسن الجيدة، وهو نجل المعتقل القطري محمود عبد الرحمن الجيدة. وروى حسن كيف تم احتجاز والده خلال مروره بدبي عائدا من تايلاند إلى قطر قبل نحو عامين حيث اختفى لمدة تسعة أشهر. ومنذ ذلك الحين لا يزال في السجن حيث حكم عليه بالسجن لسبع سنوات “رغم عدم وجود أدلة أو شهود” لدعم الاتهامات التي توجهها السلطات الإماراتية بعلاقته بجمعية الإصلاح، كما يقول حسن.
وأكد حسن أن والده تعرض للتعذيب البدني والنفسي، كما مُنع ولا يزال يمنع من تلقي الرعاية الطبية أو الاتصال بمحام. بل إن شقيقه اعتقل هو الآخر لبعض الوقت قبل ترحيله، خلال محاولته حضور إحدى جلسات المحاكمة في أبو ظبي.
كما تحدث شقيق زوجة أحد المعتقلين الليبيين في الإمارات عن تجربة اعتقال زوج أخته عبر رجال لا يلبسون زيا رسميا ولم يبروزا أي هوية، في حين أن زوجته تقول الآن إنها “تود فقط لو تتحدث إليه لدقيقتين لتتأكد أنه ما زال على قيد الحياة”، حيث إنه مختف منذ اعتقاله.
وبدأت الحملة الأمنية في الإمارات بعد “عريضة المجلس الوطني” في آذار/ مارس 2011، حيث طالب الموقعون بتعزيز حق المواطنين في انتخاب أعضاء المجلس وتعزيز صلاحياته. لكن السلطات ردت بحملة اعتقالات شملت العشرات من أعضاء جمعية الإصلاح بينهم رئيسها الشيخ سلطان بن كايد القاسمي (ابن عم حاكم إمارة رأس الخيمة)، رغم أنها مرخصة وقانونية وحظيت بدعم الدولة على مدى عقود. ثم تبع ذلك حملات شملت مواطنين مصريين بتهمة انتمائهم للإخوان المسلمين، كما نفذت حملة شملت مقيمين ليبيين قبل أشهر، في حين أن اعتقالات وترحيلات شملت أشخاصا ولدوا ونشأوا في الإمارات حيث جرى تخييرهم بين البقاء في السجن أو الترحيل.
من جهته، علق الناشط الحقوقي الإماراتي محمد صقر الزعابي؛ بأن “ما ورد في التقرير قد يكون جزءا يسيرا من انتهاكات كثيرة.. فالآن مرت أكثر من سنتين على قضية المعتقلين الإماراتيين الـ94، وقبلهم الخمسة، وما مر من أحداث بينها سحب جنسيات سبعة أشخاص.. الانتهاكات كثيرة”. وقال الزعابي في حديث لـ”عربي21″ على هامش الندوة: “المقررة الخاصة في الأمم المتحدة قالت بعد زيارة الإمارات إن هناك الكثير من الانتهاكات وأنه لا بد من تشكيل لجنة للتحقيق في المسألة”.
وتابع الزعابي: “للأسف الانتهاكات أكبر مما قيل هنا، ولو استطعنا الاستماع لكثير من الناس الذين تعرضوا لهذه الانتهاكات سنجد أنها انتهاكات بشعة ولم يكن يتصور الإنسان أنها تحدث في الإمارات”.
وأشار الزعابي إلى أن الحكومة الإماراتية “تحاول عن طريق الاستثمارات أو استخدام المال؛ تحسين صورتها أمام المجتمع الدولي”.
كما اتهم “الحكومة الإماراتية أو الأجهزة الأمنية” بأنه “لم يعد أذاها في الداخل، بل تجاوزته إلى الخارج”. وقال لـ”عربي21″: “نجد المساهمة في دعم الانقلاب في مصر.. وضرب ليبيا بسبب توجه أو رأي معين.. هناك دعم لتيار معين في تونس.. للأسف السياسة (الإماراتية) التي لم تكن موجودة في عهد الشيخ زايد الآن تتجه للأسوأ وليس للأفضل”.
وتقول المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا إن “الإمارات لم تتخذ أي خطوة لدعم مشاركة مواطنيها في الحياة الديمقراطية ومؤسسات المجتمع المدنية”، كما تحرم مواطنيها من “حقوقهم في حرية التعبير والتظاهر والتجمع السلميين، في حين قامت السلطات بقمع كل أشكال المعارضة السياسية” في البلاد.
وقال التقرير إن “أجهزة الأمن في الإمارات غير خاضعة لأي رقابة قضائية، حيث يمكنها الاعتقال والإخفاء القسري والتعذيب في ظل حصانة كاملة” من المحاسبة، في حين أن “القضاء يخضع لسلطة الحكومة” بحسب التقرير.
ودعا التقرير مقرر الأمم المتحدة للتعذيب والاختفاء القسري للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في الإمارات.
وخلال الندوة تحدث مواطنون من “البدون” (بدون جنسية) عن تجربتهم في الإمارات وكيف تعرضوا للملاحقة بسبب المطالبة بحقوقهم، في حين تحدث مشاركون في الحضور عن ضرورة الضغط على الإمارات من خلال التأثير على صورتها في الخارج، وهي المسألة التي تعتبر قضية هامة بالنسبة للإمارات التي تحرص دائما على تلميع صورتها بطرق عديدة.