تبرز المنظمات الحقوقية الدولية تقاريرا موثقة عن ازدهار التعذيب بشكل خاص في الإمارات لتجاهلها القوانين التي لا تتوقف عند مستوى الحظر بل تمتد لمحاسبة من يثبت تورطه في عمليات التعذيب وجلب المشتبه بمسؤوليتهم عنه للمثول أمام القضاء.
وفي سياق استعراضنا للانتهاكات المصاحبة للاخفاء القسري نشير إلى أن خطورة إفلات السلطات المختصة من العقاب يشجع على استمرار هذه السياسة.
يروي أحد ضحايا الاخفاء القسري في الإمارات الانتهاكات التي وقعت عليه والمحظورة استنادا لاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري في أحد مراكز التوقيف التابعة لجهاز أمن الدولة أو غيرها:
بعد اقتياده معصوبي الأعين إلى غرفة التحقيق أجلسه العسكري المصاحب له على الكرسي المخصص للمتهمين والذي يبعد حوالي متران عن مكتب ضابط التحقيق، يطلب الضابط منه الوقوف والاقتراب إلى حافة المكتب ويأمره بأن يستند بأصابع السبابة في يديه مع رجوع الجسم مسافة نصف المتر والوقوف على أطراف أصابع القدمين.
تبدأ بعدها جلسة التحقيق بتوجيه عدد من الأسئلة، ونظرا لأن ضابط التحقيق يكتب الأسئلة والإجابات المعدة سابقا من قبل فريق التحقيق عبر جهاز الحاسوب الثابت والمربوط بشبكة غرف التحقيقاتالمتصلة بدورها بإدارة جهاز أمن الدولة بأبوظبي مما يزيد وقت كتابة السؤال ثم يستمع للإجابة وبعدها يبدأ في صياغة ما يحلو له من إجابات سواء وردت على لسان المتهم أم لا. وطبعا هذا كله والمتهم يقف على وضعية لا تسمح له بالتركيز وتصيب جسده كاملا بالإعياء وفي أحيان كثيرة يصاب المتهم بالإغماء ليجد العسكري المرافق له والذي ينتظر خارج الباب منتظرا النداء الآلي له بالدخول لتنفيذ ما يأمر به ضابط التحقيق سواء بصب الماء البارد وتوجيه الهواء البارد على وجه المتهم أو مساعدته للوقوف واستعادة الوعي لتستمر جلسة التحقيق على هذا النحو قرابة منتصف الليل.
وضمن تقاليد جهاز التحقيق وحتى لا يتسرب إليك شعورا بأن هؤلاء المحققين لا ملة ولا دين لهم رغم أنهم من أبناء دولة الإمارات يسمح للمتهم أن يذهب لزنزانته الفردية عند سماع الآذان عبر ساعة الحائط المثبتة في الممر الذي تتوزع فيه زنازين كل عنبر لأداء الفريضة وتناول وجبة الغذاء أو العشاء إذا تزامنت مواقيت الصلاة مع مواقيت وجبات الغذاء أو العشاء التي كانت تصل إلى الزنزانة في توقيتات محددة عبر إحدى المطاعم الوطنية المتعاقد معها.
بعد تناول الوجبة أو أداء الصلاة المكتوبة يعاود المحقق جلسة التحقيق والتي كانت تبدأ عادة بإعادة طرح الأسئلة والإجابات وفق ما كتبه أثناء فترة خروج المتهم من غرفة التحقيق لتبدأ رحلة من المعاناة والانتهاكات على غرار ما ذكرنا في البداية، ويستمر التحقيق حتى وقت متأخر، وكان مما يبعث على النفس السخرية والاستهزاء مما يجري في غرف التحقيق أن الضباط لا يعرفون قواعد الإملاء لضعف وضحالة ثقافتهم التعليمية فمثلا يسأل الضابط المتهم عن صحة وقواعد التهجئة والإملاء فيصحح المتهم له ما يكتبه المحقق شفهيا لأنه بطبيعة الحال معصوبي العينين.
هذه القصة وغيرها من قصص وخفايا الإخفاء القسري بالإمارات التي نستهل بها تقريرنا في سلسلة حلقاتنا عن لحظة القبض على مواطن حر في الإمارات من الألف إلى الياء وتسليط الضوء على جريمة الاختفاء القسري نطرح السؤالين السابع والثامن:
لماذا لا تعبأ الإمارات وتضرب بعرض الحائط كل الدعوات المطالبة بالتزامها بتطبيق مواثيق ومعاهدات حقوق الإنسان التي وقعتها؟ وما سر هذا التعالي ومن يقف وراءه وأين دور أعضاء المجلس الأعلى حكام الإمارات في الوقوف والاصطفاف لحماية منجزات «زايد» من عبث وتخريب عياله وأحفاده؟
أولا:
وضعت الإمارات فلسفة تقوم على سياسة «اطعم الفم تستحي العين» فالمنظمات الحقوقية الفقيرة تسعى لتمويلها عبر شراء مقرات لها أو أي شكل من أشكال التمويل المباشر وغير المباشر للمتنفذين بها، ومن ثم توظيفها للدفاع عنها أمام المنصات الحقوقية العالمية والإعلامية عبر تقارير الشفافية المشكوك في مصداقيتها، والمنظمات الحقوقية الرعوية لحقوق الإنسان تغدق عليها بالمال القذر تارة وتمويل بعض مشاريعها الإغاثية تارة أخرى لينسب لمسؤوليها نجاحهم في إيجاد ممولين لمشاريعهم الإنسانية.
أما المنظمات المستعصية على الابتزاز أو شراء الذمم مثل «هيومن رايتس ووتش» أو «منظمة العفو الدولية» أو «المفوضية السامية لحقوق الإنسان» التابعة لـ«الأمم المتحدة» تتعامل معها الإمارات بالتشكيك والاتهام والتكذيب فيما يصدر عنها من بيانات بالإضافة إلى غياب المعايير الدقيقة لمحاسبة الدول المنتهكة لحقوق الإنسان وخاصة تلك التي تدور في فلك الولايات المتحدة الأمريكية.
ثانيا:
رعاية ولي عهد أبوظبي الشيخ «محمد بن زايد آل نهيان» للجهاز الأمني تارة عبر شقيقه «هزاع بن زايد» وتارة عبر نجله «خالد» وأخيرا عبر شقيقه «طحنون» فضلا عن إسناد وزارة الداخلية لشقيقه «سيف بن زايد».. دفع الجهاز والأجهزة المعاونة لإدارة شؤون الأمن القومي للدولة بثقافة العائلة أو القبيلة للحفاظ على مغانم السلطة وإخماد أي حراك شعبي من شأنه إصلاح النظام السياسي عبر ما ينشده الشعب من دولة «دستورية ملكية» وهو ما يرفضه نظام «آل نهيان» البتة.
ثالثا:
قيام ولي عهد أبوظبي بتصدير قرينة الشيخ «زايد» الشيخة «فاطمة» بما لها من نفوذ قوي داخل قصور أعضاء المجلس الأعلى لحكام الإمارات عبر شيخات الحكام دفع الحكام إلى عدم معارضة ولي العهد وتجنب الاصطدام به بعدما رأوا تدخله السافر في عزل ولي عهد رأس الخيمة ومنع شقيق له من حضور جنازة والده حاكم رأس الخيمة قبل سنوات فضلا عن إقصاء كل عناصر التهديد من الشيوخ عن المناصب العليا في الدولة وكان آخرها عزل الشيخ «سلطان بن زايد» من منصبه بمجلس الوزراء وغياب الشيخ «سلطان بن خليفة بن زايد» الرئيس الحالي، عن المشهد السياسي وإضعاف شقيقه الأكبر بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة عن بسط نفوذه وممارسة دوره كرئيس فعلي للدولة.
رابعا:
قيام جهاز الأمن بعمليات وفعاليات «مفبركة» ونسبتها إلى المنادين بالإصلاح أو التغيير كأن يضع قنبلة لم تنفجر في أحد صناديق القمامة أو الإعلان عن ضبط مجموعة مفرقات صناعة محلية تحت حوزة عدد من المنتسبين للإسلام السياسي وتسويق ذلك داخليا. وعبر شيطنة أعضاء جميعة الإصلاح عند الحكام وأولياء العهود وأنه لولا يقظة الجهاز لتفتت الاتحاد وتبعثرت تجربة الوحدة بين الإمارات السبع، وخارجيا يبدو أمام الدول الكبرى أمريكا وبريطانيا بأنه الحليف القوى لهم وأنه الأجدر على أن يحظى بلقب الحليف الاستراتيجي لواشنطن وبريطانيا خاصة بعد فضيحة ضلوع جهاز أمن دبي في عملية مقتل المجاهد الفلسطيني «المبحوح» بأحد فنادق دبي.
خامسا:
توظيف أموال أبوظبي لإغراء حكام الإمارات الشمالية وجعلهم دائما يدورون في فلكه عبر إسناد الكثير من مشاكلهم المحلية لأبوظبي لحلها.. فمثلا حاكم الشارقة رحل له مشاكل عجز المازوت لشحن محطات كهرباء الشارقة، وحاكم رأس الخيمة رحل له ضآلة وضحالة مشاريع رأس الخيمة في استيعاب أبناء الإمارة المشهود لهم بأعلى نسبة تعليم في الدولة، وحكام عجمان والفجيرة وأم القيوين رحلوا له عجزهم الوفاء بتوفير السكن الملائم للمواطنين وسداد ديونهم لدى البنوك، وأخيرا دبي رحلت له عجزها عن الوفاء بالتزاماتها تجاه مشاريع الإعمار والعقارات والسياحة والمترو للخروج من نفق الأزمة المالية.
سالم بوشهاب
الخليج الجديد