انضمت قطر إلى التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”، ولكن الإمارة الخليجية، هي ملاذ للجماعات المناهضة للغرب. وقد ذكر دبلوماسيون أجانب، أنهم “رأوا سيارات عليها شعار التنظيم المتشدد، في حي راق في قطر. ومثل هذا الغموض يلف السياسة القطرية”.
وعندما بدأت الولايات المتحدة، في سبتمبر/أيلول، بحشد الحلفاء ضد “الدولة الإسلامية”، كانت قطر من بين الدول العربية الخليجية، التي أرسلت طائراتها الحربية للقتال. ولكن، وبينما رحبت السعودية والإمارات بالتغطية الإعلامية للضربات، فضلت قطر البقاء صامتة.
ودار حديث بين الدبلوماسيين عن أن مهمة الطائرات القطرية اقتصرت على الاستطلاع في الليلة الأولى للهجمات. في حين، قال مصدر أمني مقرب من الحكومة القطرية إن: “طائراتها هاجمت بالفعل أهدافًا لـ”الدولة الإسلامية” في سوريا، في مرحلة لاحقة”.
ويقول دبلوماسيون ومحللون إن: “هذا يظهر أمرين: الأول، هو أن قرار قطر بالانضمام إلى الأعمال القتالية، كان ردًا براغماتيًا على ضغوط تعرضت لها من دول الخليج. والثاني: هو أن عدم كشف قطر عن الدور الذي تلعبه، يؤكد حرصها على الاحتفاظ بنفوذها وسط الإسلاميين”.
ويواجه الإسلام السياسي رد فعل عنيف ضده في الشرق الأوسط، بعد مرور ثلاث سنوات على بدء الربيع العربي، وهو ما يضطر قطر إلى إعادة النظر في سياساتها. وفي هذا السياق، بدأت تتكشف الطبيعة المتناقضة لهذه السياسات.
حيث تستضيف قطر، أكبر قاعدة جوية أمريكية في الشرق الأوسط، وتملك عقارات في الغرب، وهي مشتر كبير للأسلحة الغربية. ولكن قطر أيضًا، وفي نفس الوقت، توفر ملاذًا لجماعات مناهضة للغرب، مثل حركة طالبان الأفغانية، وحركة المقاومة الاسلامية الفلسطينية (حماس)، والجبهة الإسلامية للإنقاذ الجزائرية.
ويرتاد أعضاء هذه الجماعات، مراكز التسوق في وسط الدوحة، كما يسيرون وسط المغتربين الأجانب، ويصلون في المساجد مع القطريين والوافدين. ولكنهم، يعيشون خارج المدينة في مناطق منعزلة.
وإلى الشمال من الدوحة، توجد بلدة أم العمد، التي تتكون من مجموعة من المزارع والمساجد الصغيرة، وفيها عدد من السوريين من جماعة التوحيد، وهي إحدى عشرات الجماعات الإسلامية المسلحة، التي تقاتل ضد حكومة الرئيس بشار الأسد.
وفي أم العمد، قالت المديرة المصرية لمدرسة خاصة بتحفيظ القرآن للفتيات، إن: “الحكومة القطرية، لا تتدخل بما تقوم المدرسة بتدريسه”. وأضافت: “ما يحدث هذه الأيام، هو حرب على الإسلام”. وقالت، في إشارة على ما يبدو لتنظيم الدولة الإسلامية أو جبهة النصرة المرتبطة بتنظيم القاعدة: “هؤلاء المقاتلين في سوريا والعراق، الذين يحاربون الصليبيين، هم أصحاب قضية عادلة”.
شك
ويعد اتساع نطاق علاقات قطر بالجماعات الإسلامية مثيرة للشكوك في العديد من الدول الخليجية. حيث سحبت ثلاث من هذه الدول، وهي الإمارات والسعودية والبحرين، سفراءها من قطر في وقت سابق هذا العام، احتجاجًا على ما وصفته بالتدخل القطري في شؤونها الداخلية. بينما تنفي قطر هذه المزاعم، والتي تركز على دعم الدوحة لجماعة الإخوان المسلمين في مصر، ومنظمات مشابهة.
ولهذا الخلاف بين أغنى دول العالم العربي، تداعيات على أجزاء مختلفة من الشرق الأوسط، حيث أن قطر ومنتقديها الخليجيين يدعمون قوى متنافسة في صراعات تمتد من ليبيا ومصر إلى لبنان وغزة. وقد حاولت قطر تهدئة التوتر. حيث أنه، وفي سبتمبر/أيلول، طلبت قطر من سبع شخصيات كبيرة، في جماعة الإخوان، الرحيل عن أراضيها.
وقد قال إبراهيم منير، وهو مسؤول كبير في الجماعة يعيش في لندن لرويترز في ذلك الوقت، إن: “الرحيل لا يعني أبدًا قطع علاقات قطر مع الإخوان”. ولكن مصادر دبلوماسية في الخليجـ تقول إن: “مجموعة أخرى من الإسلاميين، من بينهم أعضاء في الإخوان، سيغادرون قريبًا في خطوة جديدة تهدف إلى استكمال استرضاء السعودية”.
وكما هو الحال بالنسبة لأعضاء من جماعات إسلامية أجنبية أخرى، يعيش الإخوان المسلمون في قطر شريطة ألا يتسببوا بأي اضطرابات سياسية، تؤثر على أمن البلاد أو قادتها. ولكن، هناك مساحة رمادية في ذلك الاتفاق تثير القلق لدى جيران قطر الخليجيين. وقال دبلوماسي غربي: “تقول قطر إن هؤلاء الإسلاميين لا يمكنهم الانخراط في أي نشاط سياسي، ولكن هذا النشاط مرتبط بأمن القطريين فقط، وليس بأمن الآخرين”.
وبدوره، قال دبلوماسي عربي كبير في الدوحة: “الإسلاميون هنا، يستغلون الدوحة كمنصة إطلاق لحملاتهم الدعائية، والقيام بالاتصالات، وتحصيل الدعم اللوجيستي، ولهذا تأثير مباشر على أمن دول عربية أخرى”.
شعارات وفدية
ويقول دبلوماسيون غربيون إنهم: “شاهدوا سيارات عليها شعار “الدولة الإسلامية”، وهي تسير في منطقة ويست باي، إحدى مناطق قطر الراقية”. وقال أحد هؤلاء الدبلوماسيين: “بالطبع شعرنا بالقلق عندما شاهدنا الشعار، ولكن تم إبلاغنا بأنهم يخضعون لمراقبة مشددة من السلطات، وإنه لا يوجد داع للقلق”.
ويعتبر دبلوماسيون ومحللون أن “النهج البراغماتي، الذي تبنته قطر مؤخرًا، يرجع إلى حاكمها الجديد، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني. حيث أن أسلوبه مختلف عن والده الشيخ حمد. ولكن، من غير الواضح بعد إلى أي مدى قد يكون تميم مستعدًا فعلًا لتقليص علاقات بلاده مع الإسلاميين”. وقال مستشار حكومي قطري: “الأمير الجديد، شخص عملي ولا يريد المشاكل. في بعض الأحيان عليك التزام الهدوء لبعض الوقت لكي تعود أكثر قوة”.
ولكن منتقدي قطر، يقولون إن: “الدوحة تواصل دعم المتشددين الإسلاميين في ليبيا ومناطق أخرى، وإنها تدفع الفدية للمتشددين مقابل الإفراج عن الرهائن، وهو ما يعمل على إثراء الجماعات المتطرفة. وبالطبع، تنفي قطر هذه الاتهامات”.
وقال مصدر أمني مقرب من الحكومة القطرية، إن: “قطر كانت أقل استعدادًا من دول خليجية أخرى للمشاركة في حملة القصف بسوريا، وإن ذلك يعود نسبيًا إلى حرصها على تفادي استهداف مواقع لجبهة النصرة، وهي فرع القاعدة في سوريا الذي أقامت قطر علاقات معه منذ بداية الثورة ضد الأسد”.
وقد شدد العاهل السعودي، الملك عبد الله، على مسألة تمويل المتشددين، عندما قابل الأمير تميم في جدة هذا الشهر. وأكد مصدر كبير في جدة على أن “الملك السعودي، تساءل عن أساليب قطر في تحرير الرهائن، وطلب القيام بمزيد من الرقابة على شخصيات في الدوحة تعمل في تمويل جماعات “إرهابية””.
وكمحاولة لإيقاف هذه الانتقادات، قررت قيادة قطر التحدث علنًا. واعتبر الشيخ تميم خلال زيارة لألمانيا في سبتمبر/أيلول، إن “ما يحدث في سوريا والعراق “تطرف”، وأن قطر لم ولن تدعم تنظيمات إرهابية أبدًا”.
كما، وأصدر الأمير في وقت لاحق قانونًا لتنظيم عمل الجمعيات الخيرية، التي لها نشاط سياسي. وأيضًا الجمعيات التي ترسل أموالًا للخارج أو تتلقى تمويلًا أجنبيًا، وهو ما يعد سعيًا لاتخاذ الإجراءات المشددة ضد تمويل الإرهاب.
ورغم كل هذا، ما تزال مسألة ما هو التطرف، مفتوحة للنقاش في الدوحة. وفي مقابلة مع شبكة سي إن إن في 25 سبتمبر/أيلول، اعترف الشيخ تميم، بخلافات قطر مع جيرانها في الخليج، بشأن حلفائها الإسلاميين. وقال إن: “بعض الدول تناقش وفقًا لمبدأ أن “أي جماعة لها خلفية إسلامية هي إرهابية”. وأضاف: “نحن لا نقبل هذا، ونعتقد بأن اعتبارهم جميعًا متطرفون، هو خطأ فادح وخطير”.
نيوزويك