حدث تطور غير مسبوق من قبل السلطات السعودية تجاه النساء المعارضات والناشطات في قضايا المعتقلين من أهاليهم حيث تم اعتقال ما يزيد عن 15 امرأة دون تهم أو محاكمة، إحداهن بسبب طابعة اشترتها فاتهمت من قبل الحكومة بنيتها طباعة منشورات سياسية!
كل من يراقب الوضع الحقوقي في السعودية سيعرف أنه في انحدار مفزع، يتزامن هذا مع الانقلاب العسكري في مصر، الذي صدر بعده قانون الإرهاب السعودي الذي يتيح للدولة السعودية محاصرة النشطاء والحقوقين والمغردين أيضا وأصحاب الرأي بتهم مفصلة وبقانون طوارئ كما يسمى، ويحاكمون في محكمة الطوارئ أو كما يسميها الحقوقيون «محكمة الإرهاب» وهي المحكمة الجزائية المتخصصة بقضايا الرأي وأمن الدولة، حيث كثرت الاعتقالات مؤخرا لأصحاب الرأي من المغردين والنشطاء وأصبح الناس معتادين عليه، لكن مؤخرا حدث تطور غير مسبوق من قبل السلطات السعودية تجاه النساء المعارضات والناشطات في قضايا المعتقلين من أهاليهم حيث تم اعتقال ما يزيد عن 15 امرأة دون تهم أو محاكمة، إحداهن بسبب طابعة اشترتها فاتهمت من قِبل الحكومة بأنها تنوي طباعة منشورات سياسية بها، وهي القضية التي تحاكم عليها الناشطة بحقوق أهالي المعتقلين «بهية الرشودي».
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقبل أسبوع حكمت المحكمة الجزائية المتخصصة بالرياض يوم الأربعاء الماضي على 4 نساء بالسجن مددا متفاوتة من سنة وثمانية أشهر إلى 10 سنوات، إثر إدانتهن بانتهاج المنهج التكفيري وتأييد أعمال تنظيم «القاعدة» الإرهابي والاعتقاد بوجوب القتال في مواطن الصراعات.
فقد أدانت المحكمة المتهمة الأولى «حنان سمكري» وهي سجينة سابقة لمدة سنة ونصف في سجن ذهبان السياسي مع ثلاثة من أطفالها الصغار وخرجت أواخر ٢٠١١، بانتهاج المنهج التكفيري وتأييدها لأعمال الفئة الضالة داخل البلاد وتجهيزها لابنها وتحريضه للسفر خارج البلاد للمشاركة في القتال، وبأنها سلمت ابنها – المعتقل منذ أربع سنوات وعمره ١٤ سنة والمحكوم عليه بالسجن ٢٢ سنة – ألف ريال ليقوم بنقل وتهريب أحد المطلوبين أمنيا إلى جازان متخفيا بعباءة نسائية، واستعدت لمرافقتهم لئلا يكشف أمرهم، وأنها سلمت ابنها ألف ريال مرة أخرى عندما علمت أن ابنها سوف يقوم بإحضار المطلوب أمنيا من جازان إلى مكة، وأعطت ابنها حاسبا آليا محمولاً ليقوم بالتواصل معها من خلال البريد الإلكتروني، والاجتماع مع نساء يحملن الفكر المنحرف، وتسليم إحداهن مبلغ ثلاثة آلاف ريال لدعم المقاتلين، وتصفح المواقع المحجوبة في الشبكة العنكبوتية بواسطة «بروكسيات» حصلت عليهن من ابنها، وعلمها بقيام أحد الأشخاص الذين يحملون الفكر المنحرف بالتأثير على أبنائها بتوجيه من والدهم وتسترها على ذلك، وتهريب قلم رصاص داخل السجن ليقوم زوجها بكتابة الرسائل وقيامها بأخذ ثلاث رسائل منه وقد ضبطت معها، وتلقي اتصالات خارجية من بعض المطلوبين أمنيًا، وقاموا بطمأنتها على ابنها الذي قُتل في وقت لاحق خارج البلاد في أفغانستان، كما جمعت مبالغ للمقاتلين وتسليمها لإحدى النساء.
كما اتهمتها السلطات بالتواصل مع شخص خارج البلاد في أماكن الصراع وجمع مبلغ مالي وإرساله له عن طريق أحد الأشخاص وهذا الشخص طلب منها التواصل مع تنظيم «القاعدة» في اليمن لنقل أخبارهم إليه، وأنها أخبرت ذلك الشخص بعزمها على الخروج للقتال إلا أنه لم يوافقها على ذلك، واستلمت أيضا رسالة بريد من ذلك الشخص وفيها كلمة بريد وكلمة سر وطلب منها تسليمه لشخص يعمل في مطعم بمكة المكرمة فقامت بتسليمه ذلك عن طريق ابنها، وإخفاء عدد اثنين وحدات تخزين خارجية واثنين جهاز جوال ومجموعة شرائح اتصال، ثم بعد ذلك أقرت بها، وأخبرت المحقق بمكانها، وحرضت ابنها على القيام بعملية إرهابية أو انتحارية في مبنى وزارة الداخلية إلا أنه لم يوافق على ذلك، وأن زوجها الموقوف أخبرها بوجود سلاح رشاش له عند والدته وطلب من ابنه أن يسلمه لأحد الأشخاص، وقام ابنها بتسليمه لذلك الشخص، وأدينت أيضًا بأن وحدة التخزين الخارجية العائدة لها تحتوي على مقاطع تكفيرية وقتالية ومقالات ومجلات صادرة عن تنظيم «القاعدة» وأناشيد تحث على القتال، وقررت المحكمة تعزير المتهمة بالسجن 10 سنوات من تاريخ إيقافها ومنعها من السفر مدة مماثلة.
فيما تم الحكم على المتهمة الثانية «نجلاء الرومي» اليمنية الجنسية والمعتقلة حاليا، بالسجن ٩ سنوات بتهمة انتهاج المنهج التكفيري المخالف للكتاب والسنة وتأثرها بذلك من زوجها ومن الكتب المنحرفة، وأنها ترى بأن القتال في أماكن الصراع فرض عين، وسفرها إلى زوجها في أفغانستان، والاجتماع مع بعض النساء اللاتي يحملن الفكر المنحرف هناك وفي داخل المملكة بعد عودتها، ودخولها إلى السعودية قادمة من اليمن عن طريق التهريب، وحيازة زوجها لسلاح رشاش ومسدس وخروجهم برفقة رجال ونساء إلى البر، وقيام زوجها مع الرجال بالتدرب على إطلاق النار، وقيامها بالرماية من المسدس، وأنها أثناء تواجدها في «شقة الخالدية» بمكة المكرمة كان يحضر مجموعة من الشباب ويسكنون عندهم ومعهم أسلحة يجهزونها وكانت تقوم بإعداد الطعام لهم والعودة إلى السعودية مرة أخرى بعد ترحيلها إلى اليمن، وذهابها عند أهلها وزيارة زوجها في الرياض برفقة والده، وقيامها بانتحال شخصية إحدى أخواته، وإقرارها بجميع الأموال للمقاتلين، وتسليمها أربعة آلاف ريال لإحدى النساء التي تقوم بإرسالها إلى المقاتلين، وتسليمها مبلغا آخر قدره تسعة آلاف ريال، وعلمها بأن إحدى المتهمات تنهج المنهج التكفيري وترفض الصلاة خلف أئمة الحرم، وأنها شاهدت لديها كتاب ملة إبراهيم، واستلمت منها قطعتي ذهب لدعم المقاتلين وسلمتها لمن تقوم بإيصالها لهم، وتسترها على كل من يدعمون المقاتلين، والدخول إلى «اليوتيوب» ومواقع الإنترنت لمشاهدة الأفلام القتالية.
فيما حكمت المحكمة على «هيفاء الأحمدي» بالسجن 8 سنوات ومنعها من السفر مدة مماثلة بعد إدانتها بانتهاج المنهج التكفيري المخالف للكتاب والسنة من خلال تكفير بعض الحكومات العربية، واعتقادها بوجوب القتال في أماكن الصراع وأنه فرض عين، وقيامها بربط شخص بشخص أفغاني يقوم بتنسيق سفر الشباب إلى أماكن الصراع، وتسليم أحد الأشخاص مبالغ مالية تقارب ثمانين ألف ريال على دفعات لتجهيز نفسه وتجهيز آخرين للخروج للمشاركة في القتال بأماكن الصراع، وأنها قامت بالحصول على بعض الأموال من بعض المتهمات، وتحميل بعض المواد الصوتية والمرئية والمقروءة التي تتعلق بالقتال من بعض مواقع الإنترنت منها منتدى أنا المسلم ومنتدى الفتن والملاحم.
هذا التداعي الذي تقوم به الحكومة السعودية تجاه النشطاء من أهالي المعتقلين قوبل باحتقان شديد وغضب من قبل أهالي المعتقلين لاسيما وأنهم كانوا الجذوة المشتعلة لحراك الاعتصامات والمظاهرات الكبير الذي حدث خلال سنة ٢٠١١ ورضخت له الحكومة السعودية بإفراجات وإصلاح لأوضاع المعتقلين لمدد طويلة دون تهم ومحاكمة، فيما يتساءل البعض عن الصمت الذي يحيط بأهالي المعتقلين وخفوت أصواتهم الفترة الماضية هل هو الهدوء الذي يسبق العاصفة أم أن الحكومة السعودية نجحت فعلا في إخضاعهم بعد اعتقال العديد من الحقوقيين وإخلاء الساحة من النشطاء ما بين معتقل ومحال للمحاكمات والتحقيق؟!
ويظل السؤال معلقا: هل فعلا العجلة ستعود للوراء، أم أن كرة الثلج المنحدرة ستتوقف؟! ولا من إجابة إلا لدى أصحاب الشأن نفسهم.
المصدر | نضال عبدالرحمن، نون بوست