لم تكذب وكالة أنباء فارس الايرانية عندما أكدت ان قائد فيلق (قدس) الجنرال قاسم سليماني هو القائد العسكري الحقيقي لما أسمته بانتصارات الجيش الحكومي وقوات الحشد الشعبي (الشيعي) على مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، لأن الوقائع الميدانية وما يحدث على الأرض يثبت ما ذهبت اليه الوكالة الايرانية.
فالجنرال سليماني الذي يوصف بانه المسؤول الأمني والعسكري الايراني الأعلى في العراق، يشاهد دائماً في المواقع الساخنة التي تشهد اشتباكات بين الجيش الحكومي ووحدات الحشد الشيعي، وكثير من الصور واللقطات التلفزيونية التي نقلت من ارض المعارك تفضح وجوده فيها وتكشف عن اجتماعاته مع القادة العسكريين وامراء قطعات الحشد وهم يتحلقون حوله ويستمعون الى توجيهاته وينصتون الى تعليماته، ولعل أبرز تلك الصور تلك الرقصة الغير مألوفة في الأعراف والتقاليد الايرانية التي اداها في آمرلي وسميت بـ(رقصة النصر).
وتتكتم المصادر العسكرية الحكومية على معلومات مؤكدة تشير الى ان الجنرال الايراني يرأس قيادة العمليات العسكرية الخاصة بقوات الحشد الشيعي الذي افتى به اية الله علي السيستاني بتشكيله لمحاربة تنظيم الدولة الاسلامية (داعش)، ويتردد ايضاً ان سرايا السلام وهي مجاميع مسلحة تتبع التيار الصدري اجبرت على الانسحاب من مواقع كانت تتمترس فيها في مناطق سامراء والدجيل بحجة حماية ضريحي الامامين العسكريين، لان زعيم التيار مقتدى الصدر رفض ان تنضم سراياه الى قيادة عمليات سليماني وتتلقى الاوامر منه.
وتلتزم وزارة الدفاع حتى في عهد وزيرها السني خالد متعب الصمت حول المعلومات والانباء التي تؤكد ان قيادة سليماني لا تقتصر على الوحدات الميليشياوية الشيعية وانما هو ايضاً يخطط لقوات الجيش الحكومي ويحدد اتجاهات ومواقع قتالها كما حدث في ناحية (جرف الصخر) في شمال محافظة بابل.
ونقلت اوساط مقربة من الوزير العبيدي لـ(العباسية نيوز) انه لا يستطيع فك ارتباط القوات العسكرية الحكومية عن قيادة الجنرال قاسم سليماني لاسباب عديدة ابرزها ان القائد الايراني كان موجوداً في العراق منذ منتصف حزيران الماضي وجاء الى بغداد بتنسيق مع رئيس الحكومة السابق نوري المالكي الذي خوله سلطات عسكرية واسعة باعتباره القائد العام للقوات المسلحة وسمح له بقيادة ميليشيات الحشد الشيعي رسمياً.
وينسب الى نائب رئيس الجمهورية اسامة النجيفي الذي ينتمي وزير الدفاع الى كتلته النيابية ان الفريق خالد العبيدي يحتاج الى فترة ستة اشهر (على الاقل) حتى يتمكن من ازالة آثار مخلفات المالكي الكارثية في الوزارة، خصوصاً وان رئيس الحكومة السابق عمد الى اختيار مجموعة من الضباط الموالين له وعينهم قادة للعمليات العسكرية في المحافظات ثبت ان اغلبهم غير مهنيين ولا يمتلكون كفاءات وخبرات اضافة الى الفساد الذين انخرطوا في ميدانه ويضرب مثلاً على قوله بما حصل في الموصل في التاسع من حزيران/يونيو الماضي عندما هرب القادة الكبار: معاون رئيس اركان الجيش عبود قنبر وقائد العمليات البرية علي غيدان وقائد عمليات نينوى مهدي الغراوي وتركوا جنودهم وهم بالالاف بين قتيل وجريح واسير وهارب.
ويسعى النجيفي الذي يعتبر نفسه الاكثر تضرراً من احتلال الموصل التي تعتبر المدينة الثانية في العراق بعد العاصمة بغداد، خصوصاً وانه نائب عنها فيما يتولى شقيقه اثيل ادارتها منذ اكثر من خمس سنوات، ويحاول مع شقيقه المحافظ افتتاح معسكر لتدريب افراد شرطة نينوى الهاربين وتجميعهم في معسكر تحت اشراف قوات البيش ميركة الكردية، غير ان عدد الملتحقين بالمعسكر الذي سمي بمعسكر (تحرير نينوى) لم يتجاوز 600 ضابط وشرطي من اصل 28 الفاً هم مجموع الضباط والافراد في المحافظة.
واذا كان الامريكيون يسعون الى زيادة عدد مستشاريهم العسكريين في العراق واخفقوا حتى الان في نشر بعضهم في قاعدة بلد جنوبي سامراء، وهي قاعدة جوية عسكرية صرفوا على تحصينها مئات الملايين من الدولارات خلال السنوات 2003-2011، فان الخبراء والمستشارين العسكريين الايرانيين ينتشرون في كثير من المواقع الساخنة، وقد نشرت وسائل الاعلام الايرانية الرسمية صوراً لتشييع اعداد منهم لقوا مصارعهم في الاشتبكات والمعارك التي جرت في امرلي وطوزخورماتو وبلد والضلوعية.
وتشير معلومات العباسية نيوز الى انشاء جسرين (جوي وبري) لنقل الاسلحة والصواريخ الايرانية الى العراق باشراف سليماني، وقبل ايام اعترف القيادي في المجلس الاعلى جلال الصغير بوصول صواريخ ايرانية مداها 500 كيلومتر، ولكنه في عملية تمويه مكشوفة قال انها صنعت من قبل عراقيين بامكانات محدودة وقدرات بسيطة، دون ان يدرك ان مثل هذه الصواريخ ذات المديات البعيدة لا يمكن تصنيعها الا من خلال مؤسسات واموال ضخمة وحشد من المهندسيين والفنيين.
والمثير للسخرية في تصريحات الصغير انه اختار أسماً عربياً على الصاروخ الايراني الذي يعتقد انه من طراز (شاهين) ذات المديات البعيدة، وقال انه صاروخ (الاشتر) والاشتر شخصية شيعية تاريخية.
ومما زاد في قوة وسطوة الجنرال الايراني قاسم سليماني في العراق ان وزير الداخلية الجديد محمد سالم الغبان هو قيادي في ميلشيات (بدر) التي يترأسها وزير النقل السابق هادي العامري، وهذه الميليشيا معروفة بانها ايرانية التأسيس والتجهيز والتسليم، الامر الذي بات فيه سليماني ليس رئيساً لقيادة عمليات الحشد الشيعي وانما (مشرفاً أعلى) على وزارة الداخلية ايضاً، وبذلك تكون القبضة الايرانية اكثر قوة وسيطرة ونفوذاً في الساحة العراقية وسط توقعات بقرب صدام عسكري داعشي ايراني مما يقلب التوازنات ويعطي مبررات قوية لانضمام الالاف من ابناء السنة العرب وضباط الجيش العراقي (المحايدين) لحد الان الى تنظيم الدولة الاسلامية.