إنها “مفارقة غريبة” أن يحصد النظام الحالى نسبة رضا 87.5 % مقابل 1.6 % فقط غير راضين عن النظام، وذلك فى آخر استطلاع للرأى أجراه مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء، وبين أن يحصد الإخوان نسبة تعاطف 35% من الشعب المصرى فى معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، ترى من نصدق؟
فالأمس القريب وتحديدًا فى نفس الشهر الذى أجرى فيه الاستطلاعات بلغت نسبة المواطنين الراضين عن أداء السيسى 87.5% مقابل نسبة 1.6% غير راضين، وتنوعت أسباب رضا المواطنين عن أداء السيسي، حيث جاء فى مقدمتها: قرار البدء فى مشروع قناة السويس الجديدة وتمويله من الشعب وإصدار شهادات الاستثمار الخاصة به بنسبة 23.4%، تلاها استقرار الأوضاع الأمنية والقضاء على الإرهاب بنسبة 22.3%، ثم حسن إدارته لشئون البلاد والبدء فى إصلاحها بنسبة 18.7%، هكذا كانت نتائج آخر استطلاع أجراه مركز المعلومات والذى جاءت نتائجه متناقضة تمامًا مع ما أجرته عدة مراكز بحثية أوروبية وأمريكية على رأسها معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى ومركز “بيو” الأمريكى للدراسات.
وبحسب نتائج معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى الذى أجرى فى أواخر سبتمبر الماضى تزامنًا مع استطلاع “مركز المعلومات”، فإن الشعب المصرى يدعم الإخوان بنسبة 37%، الأمر الذى أثار ضجة فى أوساط الرأى العام، حيث اعتبره البعض نجاحًا للإخوان فى كسب تعاطف الشعب المصرى ومحصلة طبيعية لما شهده الإخوان فى الفترة الماضية، فيما شكك البعض الآخر فى النتائج معتبرين أنها مغايرة للواقع بعد أن اتهموا المعهد بانتمائه لجماعة الإخوان المسلمين.
ومن المعروف أن معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى هو واحد من أهم المراكز البحثية الموثوق بها على مستوى العالم، وكانت نتائج معهد واشنطن، قد أظهرت أن الشعب المصرى يدعم الإخوان بنسبة 37% من سكان التجمعات الحضرية مثل القاهرة أو الإسكندرية؛ و35% من سكان الصعيد؛ و33% من سكان ريف الدلتا.. وهى نسبة تكاد تكون قوية مقارنة بما أعلنته مراكز مصرية أخرى عن تهاوى نسبة تأييد الإخوان وضآلتها فى الشارع المصري، لكنها لم تكن متناقضة مع الإعلام المصرى وما يروجه من أرقام.
والشيء بالشيء يذكر، فسبق وأن أعلن استطلاع أوروبى للرأي، أن نسبة رضا المصريين عن بلادهم حققت تراجعًا ملموسًا منذ أحداث 30 يونيو 2013، حيث يعد هذا هو ثانى استطلاع غربى بعد استطلاع مركز “بيو” الأمريكى 21 مايو الماضي، الذى أكد عدم رضا المصريين عن السلطة الحالية والذى أظهر أن 45% ضد السيسى و55% فقط يؤيدونه، و72٪ من المصريين غير راضين عن الاتجاه الذى تسير فيه البلاد.
كما بين الاستطلاع الذى نفذه برنامج “باروميتر الجوار الأوروبي”، الممول من الاتحاد الأوروبي، أن 65% من عينة الاستطلاع أعربوا عن عدم رضاهم من الحياة الديمقراطية فى مصر، و75% من عينة الاستطلاع غير راضين عن الوضع الاقتصادى فى مصر.
وبيّن الاستطلاع أيضًا، أن 60% من العينة رأت أن “الأمور (فى مصر) تسير فى الاتجاه الخاطئ”، فيما قال 81 % إن “الوضع الاقتصادى سيء”، إلا أن 44% من العينة أعربوا عن اعتقادهم أن الأمور من الممكن أن تسير نحو الأفضل.
وشملت عينة الاستطلاع ألف مواطن مصري، حيث رأى 25% من أفراد العينة أنهم راضون عن حياتهم، بينما أكد 75 % عدم رضاهم.
يذكر أن برنامج “بارومتر الجوار فى الاتحاد الأوروبي”، المخصص لاستطلاعات الرأى ورصد وسائل الإعلام، هو جزء من برنامج الاتصالات الإقليمى الممول من الاتحاد الأوروبي، ويهدف، بحسب القائمين عليه، إلى تقييم مدى إدراك مواطنى الدول العربية بسياسة الاتحاد الأوروبى والمعرفة بأنشطته.
وبالمقارنة بين أواخر سبتمبر وأواخر مايو، فقد أعلن مركز “بيو” الأمريكى للدراسات، نتائج استطلاع للرأى أجراه فى مصر، والذى تضمن مجموعة من النتائج المهمة الجديرة بالملاحظة والانتباه، والذى تجاهلته الصحف المصرية، حيث كانت أبرز تلك النتائج: أن مؤيدى الرئيس عبد الفتاح السيسى من بين العينة المختارة نسبتهم 54٪ و45٪ يعارضونه، و54٪ من المصريين يتطلعون إلى إقامة حكومة مستقرة (ذات النسبة التى أيدت المشير السيسي) فى حين أن 44٪ يريدونها حكومة ديمقراطية.
أظهر الاستطلاع أيضًا، أن 72٪ من المصريين غير راضين عن الاتجاه الذى تسير فيه البلاد، وهو نفس مستوى عدم الرضا الذى عبر عنه المصريون قبل ثورة 25 يناير 2011، مقابل 39٪ فقط من المصريين ينظرون إلى المستقبل بتفاؤل، فى حين عبر 34٪ عن تشاؤمهم.
وأظهر الاستطلاع الأمريكي، أن 54٪ أيدوا تحرك الجيش لعزل الدكتور محمد مرسى فى 3 يوليو الماضي، بينما عارضه 43٪، وأن النظرة الإيجابية للرئيس (مرسي) تراجعت من 53٪ قبل عزله إلى 42٪ فى وقت الاستطلاع من مايو الماضي.
وقال الاستطلاع، إنه فى العام الأخير انخفضت شعبية الإخوان من 63٪ إلى 38% فقط، وهو ما يعد تراجعًا بنسبة 25٪ وهى النتيجة التى عدها المركز مفاجأة ومخالفة للانطباع السائد فى مصر، وإن التراجعات ليست مقصورة على مؤيدى الإخوان وحدهم، ولكن تأييد العسكر انخفض من 73٪ فى العام الماضى إلى 56٪ فى العام الحالى بنسبة تراجع 17٪، كما أن سمعة القضاء المصرى تراجعت أيضًا بذات النسبة.
ثمة تراجع أيضًا فى نسبة التأييد الشعبى للديمقراطية عمومًا، حيث يذكر الاستطلاع أن نسبة المصريين الذين يؤمنون بالديمقراطية كأفضل شكل للحكومة أصبحت الآن 59٪، فى حين كانت 66٪ فى العام الماضى و71٪ فى عام 2011.
وعلق المركز على ذلك بقوله إنه رغم أن الأغلبية تقول إنه من المهم الحياة فى بلد يتمتع بأساسيات الديمقراطية، فإن التأييد الشعبى فى مصر للمقومات الأساسية للنظام الديمقراطى مثل حرية التعبير وحرية الصحافة والانتخابات التنافسية النزيهة، تراجعت بدرجة ملحوظة فى العام الحالي.
ومن جانبه، قال الدكتور صابر حارص، أستاذ الإعلام السياسي، ورئيس وحدة بحوث الرأى العام بجامعة سوهاج، إن أى أحاديث عن رفض المصريين لتيار سياسى تعد ادعاءات وإشاعات لا تستند إلى حقائق أو أسانيد علمية لأنها تعتمد على مجرد أحاديث متداولة، ويمكننا التحقق من تلك الادعاءات عن طريق استطلاعات بحثية منهجية يعتد من خلالها نتائج علمية لاستطلاعات الرأي.
وشدد “حارص” على أنه يجب على الإعلامى والصحفى بل والقارئ أيضًا أن ينتبه إلى استطلاعات الرأى التى يتم إعلانها ويركز على البنود التى تزيد من ثقة وتأكيد نتائج الاستطلاع وأهمها الجهة التى قامت بالاستطلاع، فكلما كانت الجهة التى قامت على الاستطلاع أقرب للحكومة فإنه يشكك فى نتائجه لأنها تعد فى تلك الحالة جهة غير مستقلة فاستقلال الجهة يعد من أكثر الأشياء تصديقًا للنتائج.
وأشار “حارص” إلى أنه كذلك يجب أن يفصح الاستبيان عن حجم العينة والإجراءات المنهجية التى قام بها الاستطلاع، فإن أهم الأمور التى يجب استخدامها فى الاستبيانات أن يستخدم الباحث العينات العشوائية بمفهومها العلمى وألا يتم استخدام عينات عمدية لأن تلكم العينات يشكك فى مصداقية النتائج، لاسيما وإن كان القائمون على الاستطلاع يمكن أن يعرفوا مقدمًا آراء ونتائج الاستبيان، مضيفًا أن العينات العمدية نتائجها قاصرة على من طبق عليهم وليس على جموع المصريين.
وأشار إلى أن الاستطلاعات لكى نعتد بها علميًا يجب أن يتسم باحثوها بقدر من النزاهة والشفافية الأخلاق، مؤكدًا أن نتائج استطلاع المراكز الخارجية أكثر دقة من المراكز التى تعد أكثر قربًا للحكومات بل والمصرية بشكل عام، وتتضاءل نتائج الاستطلاعات أكثر كلما كانت الحكومة طرفًا فيها، فى الاستطلاعات التى تجريها المراكز الحكومية.
وأضاف حول المراكز البحثية الغربية ومدى صحة ودقة نتائجها، أن الغرب لديه تقاليد عريقة فى استطلاعات الرأي، هذه التقاليد غير موجودة فى البلاد النامية مثل بلادنا لأنها تتسم بالأخلاق والعلم معًا والمنهجية البحثية دون غيرها من أدوات تضليل الرأى العام.
واعتبر “حارص” أن ما تفعله بعض المؤسسات والمراكز البحثية فى مصر والقريبة من الحكومة ومؤسسات دعم اتخاذ القرار، تغييب للرأى العام بل وتضليل له لأنها لم تتم بإجراء علمى وأخلاقى ومن شأنها أن تضلل الرأى العام وتخدعه وتعطيه إيحاء بضخامة نتائج معينة.
وأضاف أن المؤسسات التى لا تعتمد فى صناعة قراراتها ومعرفة احتياجات جماهيرها على استطلاعات علمية وبحثية تسير فى اتجاه خاطئ وتضع نفسها والدولة فى كوارث، وذلك كلما كانت بعيدة عن الواقع وهدفها سياسى فقط، مشيرًا إلى أن صناعة أى قرار علمى يجب أن يكون قائمًا على الاستطلاعات وإدراك إذا أرادت الدول أن تعرف رؤية الجماهير، وإلا لن يصبح لها أى فائدة وتصبح أموالًا مهدرة للدولة تنفق لتوجيه الرأى العام وليس لقراءته.
(المصريون)