يواجه سليمان الحوت مشكلة. فقد رفض المسؤولون المحليون في مدينة الإسماعيلية على قناة السويس منحه ترخيصاً لعربة طعام متنقلة لبيع “الكبدة” المقلية، وهو غذاء مصري شائع في الشوارع. وفي البداية طلب من أحد أقاربه الذي هو عضو في المجلس المحلي لمحافظة الإسماعيلية بالتوسط نيابة عنه، ولكن دون جدوى. [فقرر] الحوت أخذ زمام الأمور في يديه، وذهب إلى المقر المحلي لـ “الحزب الوطني الديمقراطي” الذي كان يترأسه الرئيس السابق حسني مبارك لكي يطلب الإجابة على سؤال واحد بسيط: “كيف يمكنني التصويت لكم؟”
وفي غضون عامين، بات الحوت يحمل بطاقة ناشط في “الحزب الوطني الديمقراطي” ويتمتع باتصالات ممتازة مع الحكومة وقطاع الأعمال، التي كان يستخدمهما على نحو جيد لـ “حل مشاكل” الآخرين. ولطاما عمل وسيطاً بين رجال الأعمال المحليين والفقراء، وبين جيرانه ووزارة الكهرباء، وبطبيعة الحال، بين أصحاب عربات الطعام ومكتب التسجيل. فإذا احتاجت والدة زوجة شخص ما رعاية طبية خاصة، فكان بإمكانه أن يحصل لها على رعاية كهذه في أكبر مستشفيات الحكومة. وإذا واجه شخص ما مشكلة في مركز شرطة قريب، كان يعرف الضباط. وإذا وقع قتال في الشوارع، فـ “رجاله” – الصلبي العود الذين يتراوح عددهم بين 30-40 شخص، اعتماداً على مساء ذلك اليوم – كانوا يتولون زمام الأمور ويسيطرون على الموقف. وما الذي حدث إذا لم يقبل مقاتلو الشوارع تدخله؟ حسناً، ذلك لم يحدث بتاتاً. ويفتخر بحزن “لأنهم يعرفون أنهم إذا لا يحترموني، سوف أعتبر ذلك إساءة شخصية”.
والحوت، 35 عاماً، هو النموذج المضاد تماماً لـ محمد البوعزيزي. فعلى عكس البوعزيزي، الشاب التونسي صاحب عربة الخضار الذي ألهم ثورات “الربيع العربي” عندما أضرم النار في نفسه رداً على المضايقات الحكومية في كانون الأول/ديسمبر 2010، فإن رد فعل الحوت على مظالم الاستبداد المصري كان الشراكة مع النظام بدلاً من مقاومته. فقد تعاطى كلا الرجلين مع الدولة بصورة مماثلة – حيث تعرضا لتعنت الحكومة بسبب عربة طعام – ولكن الرد الذي أطلقه كل منهما كان مختلفاً تماماً.
وبالطبع، فإن رد الحوت ليس جديراً بالثناء حرفياً، لذا فهو لن يلقَ ذلك النوع من الانتباه الذي يتلقاه الشباب الثوري من “الربيع العربي”. فلن يُدعى إلى المؤتمرات في واشنطن، أو يفوز بجوائز عن نشاطه في أوروبا، أو تزين صورته أغلفة المجلات الدولية، كرمز لقصة ملهمة عن تمكين الشباب العربي. إلا أن الحوت يمثل بالضبط ذلك النوع من “الشباب” الذي ظهر على الواجهة بفعل الثورة المضادة في مصر في تموز/يوليو 2013، حينما استجاب الجيش لاحتجاجات شعبية من خلال الإطاحة بأول رئيس منتخب في البلاد: فهو أحد الشباب المتحمس للدولة الأمنية، والذي يعتقد بأن شبكة المحسوبية المحلية التي يحظى بها ستجعله يفوز بمنصب سياسي. وفي الواقع، يعتزم الحوت خوض الانتخابات البرلمانية القادمة، والتي من المرجح أن تجرى في الأشهر القليلة المقبلة. وفي بيئة سياسية تسعى إلى العودة إلى الوضع السابق، فإن الأستراتيجية السياسية من عهد مبارك التي يؤمن بها الحوت – وهي الاستفادة من شبكة المحسوبية والصلات الحكومية الخاصة به لتحقيق الفوز – من المرجح أن تكون صيغة رابحة.
وبالنسبة لشخصيات مثل الحوت، لم يكن “الربيع العربي” مشمساً للغاية. فانهيار الدولة البوليسية في مصر في أعقاب ثورة كانون الثاني/يناير 2011 أضر بعلاقاته الأكثر قيمة؛ كما أن الصعود اللاحق لـ جماعة «الإخوان المسلمين»، التي حصلت على تأييد واسع من خلال شبكات الخدمات الاجتماعية التي تديرها على صعيد البلاد، جعلت شبكة المحسوبية المحلية الخاصة بالحوت غير جوهرية تقريباً. وحيث خاض الحوت الانتخابات البرلمانية كعضو مستقل في كانون الأول/ديسمبر 2011، فقد ناشد الناخبين من خلال بيع اسطوانات البوتاجاز بأسعار منخفضة إلى حد كبير – وهي الاسطوانات التي يقول أنه حصل عليها عن طريق “الاتصالات” التي يتمتع بها. وعندما رفعت جماعة «الإخوان» والمنظمات غير الحكومية المحلية تقارير عن أعمال الحوت إلى السلطات، بعث بـ “رجاله” لإتلاف أكشاك الحملة الانتخابية لـ «الإخوان المسلمين». ومع ذلك، لم تكن تلك التكتيكات من فترة مبارك فعالة في عصر “الربيع العربي”: وقد حصل الحوت على حوالي 10,000 صوت، أي نحو 180,000 صوت أقل من عضو «الإخوان المسلمين» الذين تغلب عليه.
ومع ذلك، فعندما انخفضت شعبية «الإخوان» في أعقاب تشديد الرئيس محمد مرسي قبضته على السلطة في تشرين الثاني/نوفمبر 2012، وجد الحوت مَخرجاً جديداً. فقد شارك في المظاهرات التي قامت ضد مرسي خارج القصر الرئاسي في كانون الأول/ديسمبر 2012، وساعد في تنظيم احتجاجات حركة “تمرد” الضخمة في 30 حزيران/يونيو 2013 في الإسماعيلية. وبعد استجابة الجيش المصري للمظاهرات المطالبة بإسقاط مرسي في 3 تموز/يوليو، أصيب الحوت في المعارك التي دارت في الشوارع مع كوادر «الجماعة»، ويدّعي أنه قدم الشكوى الأولى ضد «الإخوان» إلى المدعي العام المحلي. وفي وقت لاحق من ذلك الشهر، حظي الحوت باهتمام وسائل الإعلام الموالية للحكومة عندما حشد رجاله لدعوة الجيش إلى “حماية الأرواح والممتلكات من الجماعات الإرهابية التي تتحدث باسم الدين”، أي جماعة «الإخوان». ويؤكد الحوت أن ذلك قد جاء قبل الخطاب المعيب الذي ألقاه وزير الدفاع آنذاك عبد الفتاح السيسي في 24 تموز/يوليو، والذي دعا فيه المصريين إلى النزول إلى الشوارع لـ “إعطاء الأذن” لحملته ضد “الإرهاب”.
أما نشاط الحوت المعادي لـ «الإخوان» فقد بلغ ذروته في منتصف آب/أغسطس 2013، بعد أن قتلت قوات الأمن المئات من أنصار مرسي في الوقت الذي قامت فيه بتفريق اعتصام «الإخوان» بقسوة، ذلك الاعتصام “المناهض للانقلاب” في شمال القاهرة. واندلع قتال عنيف في الإسماعيلية، وزُعم أن كوادر من «الإخوان» سرقوا سيارتين مدرعتين. وتمكن الحوت من انتزاع مفاتيح إحدى السيارتين، وأمر أحد زملائه باسترداد السيارة وإعادتها [إلى السلطات]. وتذكر الحوت بقوله، “وقال [زميلي]، ‘ إذا أفعل ذلك، فسيقوم «الإخوان» باطلاق النار عليّ ‘. لكنني قلت: ‘ سوف تموت في كلتا الحالتين. ومن الأفضل أن تلقى موتك على يد «الإخوان»، لأن الشرطة سوف تدفع المال تعويضاً عن وفاتك ‘ “. وأعاد الحوت وزميله السيارة [إلى السلطات] الأمر الذي أثار إطراءً مبالغاً في العناوين الرئيسية للصحف المصرية.
وبطبيعة الحال، كان الحوت من أوائل المؤيدين للسيسي. فقد أسس الحوت (وبكلمات مسهبة وغير ضرورية إلى حد كبير) “الجبهة الشعبية من أجل ترشيح وتفويض السيسي لرئاسة البلاد” في خريف عام 2013، في حين كان السيسي لا يزال وزيراً للدفاع، ومن ثم قام بتنظيم حملات انتخابية جماهيرية في كل من الإسماعيلية والقرى المحيطة بها خلال حملة السيسي للانتخابات الرئاسية في ربيع 2014.
ولكن بعد مرور أربعة أشهر من تولي السيسي منصبه، يشعر الحوت بالخذلان. فقد قال لي، “كنتُ من أوائل الداعين للسيسي لخوض انتخابات الرئاسة، ولم أحصل على الأموال التي أنفقتها بعد، فليس لدي عمل، ولا منصب، وهذا ما يغضبني. فالسيسي لم يمنحنا حقوقنا”.
ويقصد الحوت بكلمة “حقوق” تعيينه في منصب حكومي رفيع المستوى، على سبيل المثال مساعد وزير أو محافظ. وكان الحوت على يقين بأنه سيكافأ بمثل هذا المنصب رداً على تعبئته لشبكة محسوبيته من أجل دعم السيسي، لأن الأمور في الإسماعيلية كانت تسير دائماً على هذا المنوال. وأصر الحوت، الذي أكمل الدراسة الثانوية، “أنا أستحق ذلك. لقد خدمت هذه البلاد. وأنا شاهد عيان ضد «الإخوان» في قضيتين مرفوعتين أمام [المحكمة]. وكنت قد أعدت تلك السيارة إلى الشرطة، وهي التي تبلغ تكلفتها 450,000 جنيه مصري”.
وعوضاً عن ذلك، يعيش الحوت من مساعدات رجال الأعمال المحليين الذين يمولون شبكة محسوبيته، ولكنه بات يشعر بالإحباط يوماً بعد يوم. وقال لي الحوت، “أمام [السيسي] فرصة أمدها شهراً واحداً، وهذا هو الحد الأقصى، فإذا لم يمنحنا حقوقنا، فشكراً ومع السلامة…. وإذا لا أحصل على حقوقي سأكون غاضباً جداً، ولا أحد يعلم ما الذي قد يكون رد فعلي”.
وبدلاً من التعيين الحكومي، يعتزم الحوت خوض الانتخابات البرلمانية المقبلة. وقال لي، “أعتقد إنني أستحق أن أصبح عضواً في [البرلمان]، وأود أن أكون [نائباً]. لكن ذلك يعتمد على الترتيبات”. وأوضح الحوت أنه لا يزال ينتظر الحصول على دعم رجال الأعمال لحملته الانتخابية. فقال قال الحوت، “سوف يقوم رجل أعمال بدفع [مصاريف الحملة الانتخابية]، وسوف أيكون وجهه في البرلمان. هذا أمراً طبيعياً.”
وفي هذا الصدد وافق أحد الناشطين الثوريين على مضض. فهذا الأخير الذي مقره في الإسماعيلية، يلتزم الصمت الآن خلال الفترة المعادية للثورة التي تمر بها مصر. فقد قال، “في هذا النوع من البيئة، بإمكان سليمان الحوت أن يصبح عضواً في البرلمان”.
“تخيّل ذلك”.
إريك تراجر هو زميل واغنر في معهد واشنطن.