8 أشهر كاملة وتحديدا منذ 28 فبراير 2014 والشيخ يوسف القرضاوي- أحد أهم الدعاة في العالم الإسلامي- غائب عن منبره الأثير في مسجد عمر بن الخطاب بالعاصمة القطرية الدوحة، بسبب هجومه الحاد على حكام دولة الإمارات في آخر خطبه واتهامهم بمحاربة الإسلام وقتل أهله، وهو الهجوم الذي تسبّب في أزمة لا تزال آثارها قائمة بين قطر وباقي دول الخليج.
قديقول قائل إن الشيخ لا يزال يغرّد، ويدلي بأحاديث هنا، وحوارات هناك، ولكن هل تغني هذه الحوارات و تلك الأحاديث من الأمر شيئا وهو الغائب عن منبره طوعا أو كرها؟!
غياب القرضاوي يحمل الكثير من الدلالات السياسية والدينية، وفي السطور التالية نحاول قراءة تلك الدلالات من خلال طرح الأمر على عددمن الخبراء والمختصين:
في البداية يقول د. سعد الدين إبراهيم أستاذ علم الاجتماع السياسي إن هناك اتفاقا وديا حدث بين الشيخ القرضاوي وبين قيادات قطر ينص على وقف الشيخ من اعتلاء منبره في مسجد عمر بن الخطاب في العاصمة القطرية الدوحة وتحاشيه الحديث في السياسة ولو إلى حين.
وأثنى أستاذ علم الاجتماع السياسي على هذا الاتفاق مؤكدا أنه اتفاق لا بأس به، حيث إنه يقوم على التوفيق بين مصلحة الدولة، وحقوق الشيخ!
وعن حرمان الشيخ القرضاوي من منبره، وهل يقلل ذلك من مكانته الدينية السامقة؟ قال د.سعد الدين إبراهيم: القرضاوي قامة كبيرة ولن يضيره مطلقا حرمانه من منبره فترة قلّت أو كثرت، مشيرا إلى أن الحياة اختيارات، ويبدو أن الشيخ خيّر بين الحرمان من المنبر أو الحرمان من الوطن.
أما د. حلمي القاعود رئيس قسم اللغة العربية الأسبق بآداب طنطا وأستاذ الأدب والبلاغة فيرى أنغياب الشيخ القرضاوي عن منبره هذه المدة الطويلة لا يقلل مطلقا من قيمة الشيخ، ويكفيه كفاحه المديد في سبيل الحق منذ شبابه وحتى الآن، لاسيما أن سنه تقارب التسعين، ولديه ارتباط بالمكان هو وأسرته منذ ما يقارب الأربعين عاما.
وأشار د. القاعود إلى أن قرار قطر بمنع خطابة الشيخ يرجع إلى حسابات وموازين السياسة التي لا تحبذ الصدام، موضحا أن الضغوط على قطر لم تقتصر على منع القرضاوي فحسب، وإنما امتدت لتشمل التأثير على قناة الجزيرة التي خففت من لهجتها كثيرا تجاه الأحداث في مصر.
وانتقد القاعود ما سمّاهم بالصعاليك الذين يهاجمون القرضاوي ليل نهار ويستحلون لحمه في مصر، مؤكدا أن القرضاوي قامة وقيمة لن يعرف قدرها الصغار.
واختتم د.حلمي مؤكدا أن الشيخ القرضاوي لا يلام على قبوله بالمنع من الخطابة، مشيرا إلى حكوماتنا العربية تجعل من القابض على دينه كالقابض على الجمر.
نص آخر خطبة ألقاها القرضاوي
في السطور التالية نقدّم النص الكامل لخطبة الشيخ القرضاوي، والتي تم منعه من الخطابة بعدها:
“الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله، فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا، ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خصّنا بخير كتاب أنزل، وهو القرآن، وبخير نبي أرسل وهو محمد عليه الصلاة والسلام، وأتم علينا النعمة بأعظم منهاج شرع وهو منهاج الإسلام، “اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا” “ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين”.
وأشهد أن سيدنا وإمامنا وأسوتنا وحبيبنا ومعلمنا ومبلّغنا عن الله، وهو محمد رسول الله، الذي بعثه الله داعيا الى الحق، هاديا الى الخير، مبشرا ونذيرا، وداعيا الى الله بإذنه وسراجا منيرا، ومبشرا للمؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا، فأزاح الله به الغمة، وهدى به الأمة، وعلّمهم الكتاب والحكمة، وأنزل عليهم الهدى والرحمة، فكانت رسالته كما وصفه ربه عز وجلّ حينما قال “وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين”.
هذه رسالة محمد رحمة،ليست رحمة للمسلمين أو للعرب وحدهم، وإنما رحمة للعالمين، في الشرق وفي الغرب وفي العرب وفي العجم وفي الجن وفي الإنس، رحمة للعالمين.
أما هو فكان كما وصفه ربه “وإنك لعلى خلق عظيم” فصلوات الله وسلامه على هذا الرسول الكريم ذي الخلق العظيم، والقلب الرحيم، نسأل الله تبارك وتعالى أن يسلّم عليه ويصلي عليه ويبارك عليه وعلى أمته، وأن يهيئ لهذه الأمة من أمرها رشدا .. ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالايمان،ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا .. ربنا إنك رءوف رحيم
أما بعد.. فيا أيها الإخوة المسلمون.. صار لي ثلاث جمع لم أخطب، جمعة كنت قد اعتذرت عنها، ولكن جمعتان جاءتا بعد هذه الجمعة، أقعدني المرض الذي يقعد الناس في هذه الفترة من الزمن من الشتاء، خصوصا في الشتاء حين تتبدل الأجواء، ويتغير على الناس الأمر،فيصابون بما يصابون به، وهذا شأن الانسان كما قال الله تعالى ” وخلق الانسان ضعيفا” وخصوصا اذا اجتمع ضعف المرض مع ضعف السن، فالانسان يصاب في حياته بضعفين بينهما قوة، ضعف الطفولة، وضعف الشيخوخة، كما قال عزو جل” الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير “فلا عجب أن يصاب الشيخ الكبير في مرض” الانفلونزا أو البرد أو هذه الأشياء.
لئام الناس وكرامهم
ولكن الكذابين والأفاكين يأخذون هذا الأمر، ويقولون ما يقولون، أحب أن أقول لهؤلاء الناس: إني إن شاء الله ما دمت حيا، وما دام فيّ عقل يفكر، ولسان ينطق، وجسم يتحرك، فسأظل أخطب، وسأظل أقول كلمة الحق، التي يرضى بها من يرضى، ويغضب منها من يغضب، لا يهمنى غضب الغاضبين، ولا رضا الراضين، وإنما يهمني رضا الله تبارك وتعالى، الناس مهما حاولت أن ترضيهم، فإن رضا الناس غاية لا تدرك… وكما يقول الشاعر:
إذا رضيت عني كرام عشيرة.. فلا زال غضبانا عليّ لئامها
ترضى أهل الشرق، ترضي أهل الغرب، ترضى زيدا، ترضى عمروا، لا مكان لإرضاء الناس جميعا، حسبك أيها الانسان – خصوصا الانسان المؤمن المؤمن بدين محمد المؤمن بالقرآن، المؤمن بالسنة المؤمن بالاسلام العظيم، حسبك أن تقول الحق، لا تحرف في الحق، ولا تخش في الله لومة لائم، قل الحق… وأنا أقول الحق والله دائما، ولكن الظالمين الذين يبغون في الارض بغير الحق، الذين يسفكون دماء الناس، ويدفعون المليارات لسفك هذه الدماء، هؤلاء الناس تخيفهم الكلمة .. سطران قلتهما في خطبةمن الخطب.. سطران كيف لوجعلت خطبة لهؤلاء، لو أفردت لهم خطبة، وسردت على الناس فضائحهم ومظالمهم، ماذا يفعلون؟
لا يطيقون الكلمات
إنهم لا يطيقون كلمات.. سبع كلمات.. عشر كلمات تكتب في سطرين، أنا أقول:
سأظل أقول الحق، أنا والله لا أعادي أحدا، لا أعادي دولة من الدول، ولا فردا من الأفراد ولا جماعة من الجماعات، ولا مجلسا من المجالس، ليس بيني وبين أحد عداوة، أنا كل الذي يهمني هو الاسلام والمسلمون، كل الذي يهمني أن أجمع الأمة، الناس يريدون أن يفرقوا الأمة، وأنا أريد أن أجمعها، يريدون أن يهدموا الأمة وأنا اريد أن أبنيها، يريدون أن يميتوا الأمة وأنا أريد أن أحييها.
أنا في الثامنة والثامنين من عمري ماذا أريد من الدنيا؟
والله ما أريد إلاّهذا.. ليس لي في هذه الدنيا شيء، أنا في الثمانية والثمانين من عمري، ماذا أريد من الدنيا؟ لا أريد من الدنيا شيئا، إلى أن يهتدي الضالون، ويتوب العاصون، ويسلم الكافرون، ويرجع إلى الله التائبون والضائعون، هذا كل ما أريده
ليت هؤلاء الناس الغافلين المستكبرين في الأرض، ليتهم يفيقون من سباتهم، ليتهم يحيون من مماتهم، ويرجعون إلى الله …
ولكن هؤلا ء فقدوا عقولهم، الله حين حدثنا عن أهل جهنم، الناس الذين جعلهم حطب جهنم ” ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والانس لهم قلوب لا يفقهون بها”.. ناس كثيرين، وأهل الخير قليلون.. “إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم” و”وقليل من عبادي الشكور”.
“ولا تجد أكثرهم شاكرين”.. “وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله”.
فالأقلية دائما فيها خير، أنا لا أريد أن أخاطب هذه الأقلية،أريد أن نكثر هذه الأقلية، كلنا ينبغي أن يكثّر الأقلية.. الأقلية الخيرة التي تسعى الى ما ينفع الناس الى الحق .. الى الخير الى الهدى الى الجمال.. الى كل من يجمّل الحياة .. ويجلو الخراب، كل ما يرمم الاشياء المتهالكة والضعيفة.. هؤلاء القلة هم الذين يفعلون ذلك، نحن نريد أن نكثر هذه الأقلية، وكل من يفعل لتكثير هذه القلة أن ينضم إليهم، لماذا تدعهم وحدهم، كثر القلة المؤمنة العاملة للخير.
لا أعادي أحدا
أنا أقول أيها الإخوة: أنا والله لا أعادي أحدا من أجل شخصه، ولا أعادي بلدا من أجل ذاته، ولا أعادي جماعة من أجل أشخاصها.. أبدا والله، ليس بيني وبين أي أحد أي عداوة، أنا مع الناس جميعا.. كل الناس .. حتى غير المسلمين أنا معهم، لأني أتمنى أن يهديهم الله لأصلح ما يجعل الانسان سعيدا، ماذا نريد – نحن المسلمين؟- الإسلام يريد للناس الخير… حين يريد لهم أن يسلموا .. نحن لا نريد أن نتملك الناس أونستكبر عليهم ولكن نريد أن ننشر الحق والخير في الأرض وبين الناس جميعا، نريد أن يكون العدل لكل الناس : للضعفاء والأقوياء، للفقراء والأغنياء، لا أن يستأثر الأقوياء بالمنافع وبالخيرات، ولكنهم لا يدعون للفقراء والضعفاء إلا الفتات ..
وأحيانا الفتات يجدونه في صناديق الزبالة، يبخلون به على الفقراء والضعفاء، نحن لا نريد ذلك أيها الإخوة .. هذا ما أحببت أن أقوله ..
أنا أقول ما في نفسي، أنا ليس عندي شيء أحاسب عليه، ومستعد أن أقف أمام أي محكمة، تحاكمني، ليس في قلبي شر لأحد، لا أحمل الحقد، لست حقودا على أي أحد، أيا كان هذا الأحد.. مسلما كان أو غير مسلم.. طيبا كان أوخبيثا. وبرا كان أوفاجرا ..
أنا مع الناس كل الناس، أريد الخير للناس جميعا .. هذا ما أحبت أن أقوله “.
(رأي اليوم)