قال موقع «المونيتور» الأمريكي أن مستقبل سلطنة عمان غير مؤكد في ظل الأزمة الصحية التي يعاني منها السلطان «قابوس»، وتوقعت أن تكون لها آثار على ”الأمة الخليجية“ وسياسة السلطنة الخارجية الفريدة.
وأشار الموقع أن «السعوديون على وجه الخصوص قلقون من أن عمان يمكن أن تصبح بعد وفاة قابوس – مثل اليمن – ملاذا آخر للقوى المتطرفة على طول حدودهما الجنوبية».
وأشارت الصحيفة في تقرير لها 21 أكتوبر الجاري تحت عنوان: (مستقبل عمان غير المؤكد) (Oman’s uncertain future) أن الاستقرار في سلطنة عمان يرجع إلى حد كبير لشعبية زعيم البلاد السلطان «قابوس بن سعيد آل سعيد»، وأنه بعكس العديد من الدول العربية التي تعاني من العنف الطائفي والاضطرابات السياسية، وقفت سلطنة عمان من كمنارة من الهدوء والتسامح بسبب شعبية السلطان.
وقالت أنه عندما استولى «قابوس» السلطة في عام 1970، كانت عمان دولة معزولة وفقيرة تعاني من تمرد ماركسي، ومع ذلك، وعلى مدى حكمه الذي استمر 44 حكم، كان لقابوس الفضل في استخدام الثروة النفطية في سلطنة عمان لتحويل بلاده إلى دولة غنية ، ودعم صناعة السياحة الحيوية ونشر مستوى عال من المعيشة، وإتباع سياسة خارجية مستقلة تخدم دورا فريدا في المنطقة.
ونبهت «المونيتور» إلي أن الحفاظ علي هذا الاستقرار بعد عهد قابوس «حتما قد يكون تحديا»، فقابوس ليس لديه إخوة ذكور أو أطفال، وهو الملك المطلق الوحيد في العالم دون وريث رسميا للعرش، لذلك، هناك الكثير من عدم اليقين يكتنف مستقبل عمان غير المعروف.
فقد حذر الخبراء من سنوات من أزمة خلافة محتملة بعد موت السلطان «قابوس»، وحذروا من «فراغ في السلطة في العاصمة مسقط يمكن أن يشعل صراع داخلي بين أعضاء العائلة المالكة والجيش والقبائل المختلفة، والنخبة الاقتصادية إذا لم يتم التوصل إلى إجماع حول من سيرث العرش».
ويزيد من عمق الأزمة أن كل السلطة السياسية في سلطنة عمان تقع في يد «قابوس» ولا يوجد الرجل رقم 2 القوي في الدولة الذي يمكن أن يقنع الشعب وكل القوي به ويمنع الخلافات حول الخليفة المحتمل، ما سيجعل أي خليفة لقابوس يفتقر إلى الشرعية كي يملاء فراغ السلطان.
قابوس (73 عاما) يخضع لفحوصات طبية في ألمانيا منذ 10 يوليو، وهناك مخاوف من أنه مصاب بمرض ”ميئوس من شفائه“ ومرضه آخذ في التصاعد، وتزعم الحكومة العمانية أن السلطان في ”صحة جيدة“، ولكن مصدر دبلوماسي في مسقط قال أن «قابوس» يعاني من سرطان القولون، وهناك أنباء عن أن السرطان قد انتشر، وترك «قابوس» غير قادر على التحرك بشكل جيد بجسده منذ سبعة أشهر، ولذلك غاب عن الظهور في عطلة العيد أوائل أكتوبر الجاري ما أثار الشكوك أن الحالة الصحية له خطيرة حقا.
قابوس بين دول الخليج وإيران
تحت حكم «قابوس»، كانت علاقة عمان الدافئة مع إيران فريدة من نوعها حقا داخل مجلس التعاون الخليجي (GCC)، وفي أغسطس 2010، وقعت الحكومتان اتفاقية أمنية وتطورت مؤخرا حقل نفطي Hengham في الخليج الفارسي تقدر قيمتها 450 مليون دولار.
وهناك تكهنات بأن نهج مسقط المستقل في التعامل مع إيران على مر السنين، أدي لتقليص نفوذ الرياض على الملكيات الخليجية الأصغر وقوض الجهود الغربية لعزل إيران دوليا، ولكنه ضمن أيضا استقلال عُمان الجيوسياسي بعيدا عن جارتها المهيمنة في المملكة العربية السعودية ، وشكل هذا ركيزة أساسية للسياسة الخارجية في مسقط.
وجزء من أسباب التعاون الإيراني مع عمان بشكل إيجابي ”طائفي“، إذ أن غالبية العمانيين يعتنقون مذهب (الإباضية)، المختلف عن الطوائف السنية والشيعية، ويخشى كثيرون في السلطنة من سعي السعودية للهيمنة على مجلس التعاون واتخاذ مواقف معادية بسبب ”وجهات النظر المتعصبة السعودية من الإباضيين“ والذي يعتبر ”هرطقة“ من قبل الوهابيين السعوديين، بحسب «المونيتور».
الطلب على الطاقة أيضا لعب دورا في تقوية العلاقات بين عمان وإيران، فثروة عمان من الموارد أقل بكثير من جيرانها، ومن المتوقع أن تستنفد بترولها قبل دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى لذا، ستلعب ايران المجاورة دورا متزايد الأهمية في مشهد الطاقة في سلطنة عمان.
وخلال أول زيارة للرئيس الإيراني «حسن روحاني» لدول مجلس التعاون الخليجي إلى عُمان، وقعت الحكومتان العمانية والإيرانية صفقة بمليار دولار لبناء خط أنابيب الغاز الطبيعي لربط إقليم «هرمزجان» الإيرانية مع صحار عمان، ومن المتوقع أن يبدأ تدفق الغاز الإيراني إلى عمان بحلول عام 2017 بحسب المسئولين العمانيين.
وبسبب قربها من إيران، تلعب مسقط دورا في نزع فتيل التوترات بين إيران والغرب والحلفاء الغربيين ودول مجلس التعاون الخليجي، كما تشارك سلطنة عمان وإيران معا ملكية مضيق هرمز ما يقلل من احتمالات وقوع مواجهة عسكرية بين الولايات المتحدة وإيران.
حيث سعت حكومة «قابوس» لجعل عمان ”جسر دبلوماسي“ بين طهران والتحالف الغربي ومجلس التعاون الخليجي، وقد تأكد ذلك مؤخرا من خلال وساطة «قابوس» في المحادثات بين الدبلوماسيين الأميركيين والإيرانيين التي أدت إلى اتفاق مؤقت النووي بين إيران وأعضاء مجلس الأمن الخمسة الدائمين وألمانيا (P5 + 1) في نوفمبر 2013.
وقد اتهم البعض في دول مجلس التعاون الخليجي «قابوس» بتقويض وحدة دول الخليج العربي ضد إيران (وهو السبب الرئيسي الذي تأسس المجلس في عام 1981 من أجله)، ولكن لا يبدو أن شراكة مسقط مع طهران قوضت مكانة عُمان الجيدة مع دول مجلس التعاون الخليجي وقد ساعد التعاون الأمني العماني – السعودي ضد القوى المتطرفة في اليمن علي الحفاظ على علاقات جيدة بين عمان والرياض على الرغم من ميل مسقط لطهران.
ويقول السفير الأمريكي السابق إلى عمان «غاري جرابو» أن «التواصل الدبلوماسي الحذر لكن الناجح بين عمان وايران خلق معضلة ديناميكية داخلية داخل دول مجلس التعاون الخليجي، ولكن لم يشكل مصدرا رئيسيا للتوتر، وعندما لعبت عمان دورا في اتفاق إيران النووي مع الغرب رحب معظم دول مجلس التعاون الخليجي رسميا بهذا التقدم».
مستقبل شائك
تحت قيادة «قابوس»، سعت عمان أن تتبع سياسة خاصة نفسها جعلتها حليف منذ فترة طويلة للولايات المتحدة والمملكة المتحدة، وكعضو في مجلس التعاون الخليجي، وشريك لإيران أيضا كما عمقت عمان علاقاتها الاقتصادية مع القوى الآسيوية، بما فيها الصين والهند وباكستان.
وقد سعي «قابوس» للموازنة بين كل هذه الأطراف في علاقته الخارجية، فحافظ على علاقات ودية مع الجهات الفاعلة والمؤثرة جميعها تقريبا في المنطقة، وسعي بمهارة لموازنة مصالحهم المتعارضة ضد بعضها البعض، وألان ليس هناك ما يدعو لتوقع أن يغير حاكم عمان القادم السياسة الخارجية العمانية بصورة جذرية، ولكن الاضطرابات الداخلية قد يترتب علىيها خلاف ذلك.
وتختم «المونيتور» تقريرها بتأكيد أن: «أزمة الخلافة في عمان تشكل وقود لعدم الاستقرار مستقبلا، والحكومة عرضة لمواجهة المزيد من الاضطرابات الداخلية وتعطل دور مسقط النشط على الساحة الدولية، وهو ما قد يؤدي إلى تفاقم عدد من المخاطر الجيوسياسية في المنطقة، فالسعوديون على وجه الخصوص قلقون من أن عمان يمكن أن تصبح – مثل اليمن – ملاذا آخر للقوى المتطرفة على طول حدودهما الجنوبية».
عرض وتحرير: محمد خالد
المصدر | المونيتور