“وكأمثلة على ذلك،كرس وزير الأوقاف الأسبق الأحمدي أبو النور، خطبة عيد الأضحى الماضي، فقط لشخص السيسي، وهي خطوة تشير إلى أن عبادة الفرعون، واعتباره متصلا بالإله، ما زالت سارية في مصر”.
جاء هذا في مقال مطول للباحثة الإسبانية إتكاسو دومينغيز في مقال بموقع “يور ميدل إيست” حول الدور الذي يتم من خلاله استغلال الدين منذ “انقلاب يوليو” على حد وصفها.
وفيما يلي نص المقال
السيسي الكارت الإلهي..المفارقة تتمثل في أن بعضا من أنصار السيسي يرونه “أتاتورك جديد”.
يقول الروائي النمساوي الراحل ستيفان تسفايج إن “هؤلاء الذين يعلنون أنهم يحاربون من أجل الله هم أقل الناس سلمية على وجه الأرض”، إنها مقولة قد تساعد الكثيرين على فهم الدور الذي يلعبه الدين في المشهد السياسي المصري الحالي.
لقد فعل الدين الكثير في انقلاب يوليو 2013، حيث كانت إحدى دعائم السخط العام التي استغلها الجيش كعذر للإطاحة بمحمد مرسي هو الخوف من أن تصبح مصر حكومة دينية تحت قيادة الإخوان.
ومنذ ذلك الوقت، يستخدم الدين كسلاح خضوع للنظام الجديد.
الدستور الجديد يحتفظ بالمادة الثانية من سابقه، حيث الشريعة مصدر أساسي للتشريع، لكنه حظر وجود أحزاب سياسية استنادا على الدين.
وبعد انقلاب 2013، أعلن السييسي أن كل ذلك كان ضروريا لـ” لإنقاذ الإسلام والمصريين من الإخوان المسلمين”.
السيسي نفسه، بخلاف حسني مبارك، وربما إلى حد ما يتبع خطى السادات، يستشهد غالبا بالقرآن في خطاباته، ويدرج آيات أو أحاديث بشكل منهجي، واضعا نفسه كمدافع مخلص للدين، لحرمان الإخوان المسلمين إلى حد ما من أثمن أسلحتها.
خلفية الجنرال السيسي تلقي بعض الضوء على سلوكياته، فقد ولد في الجمالية، بالقرب من القاهرة الإسلامية، وخلال السبعينيات شهد السيسي ذورة الصعود الإسلامي، و”الدعوة” التي شهدتها الجامعات المصرية آنذاك.
البعض حتى يلمح أن السيسي ينتمي إلى إحدى الطوائف الصوفية المتعددة التي لا تزال متواجدة في العاصمة المصرية، وهو أمر قد تستشعر به من خلال أحاديثه العديدة عن الأحلام والعلامات.
الإخوان المسلمين أثاروا المشهد الديني عندما كانوا في السلطة، فاستغنوا عن الأئمة المنتقدين للجماعة، وكانت هناك أحاديث عما يسمى “أخونة” وزارة الأوقاف، كما حاولت حكومة مرسي، بالرغم من عدم نجاحهم في ذلك، في توحيد خطبة الجمعية.
كل ذلك كان بغطاء من القانون 157 الصادر عام 1960، والذي يمنع وزارة الأوقاف سلطة التحكم في مساجد مصر، ولم يكن ذلك القانون مفعلا، لأسباب اجتماعية ومالية.
لكن النظام الحالي استمر في الاعتماد على ذلك القانون لتنفيذ سلسلة من الإجراءات، جميعها تندرج في ذات السياق.
الإجراء الأول والأكثر جدلا الذي اتخذه النظام الحالي يتمثل في اقتصار رخص الخطابة فقط على الدعاة الأزهريين، أو هؤلاء الذين تخرجوا من مؤسسات تابعة لوزارة الأوقاف، وإلغاء رخص 55 ألف إمام مستقلين.
الحكومة كذلك منعت أكثر من 12 ألف مواطن آخرين من الخطابة دون ترخيص، وتم إغلاق كافة الزوايا، مع جهود جبارة لتوحيد خطبة الجمعة، وتحديد موضوعاتها سلفا، بدعوى منع المساجد من الوقوع في أيدي المتطرفين، وناقصي الكفاءة…والسماح بالتطرق فقط إلى قضايا مثل البيئة والشباب.
ولعبت مؤسسة الأزهر، جامعا وجامعة، بقيادة الشيخ أحمد الطيب، دورا حيويا في أحداث العام الماضي، وغضت النظر عن الالتزام النظري بالحيادية، ووقفت جانب أحداث 2013.
وحصد رجال الأزهر المكافأة، عبر مناصب جوهرية في وزارة الأوقاف، وهي ليست المرة الأولى الذي يتخذ فيه الأزهر موقفا سياسيا، حيث سبق وساند ثورة 52 التي أطاحت بالملك فاروق، متهما إياه بانتهاك قواعد الإسلام عبر محاولة نشر فتوى لمصلحته.
وكأمثلة على ذلك، كرس وزير الأوقاف الأسبق الأحمدي أبو النور، خطبة عيد الأضحى الماضي، فقط لشخص السيسي، وهي خطوة تشير إلى أن عبادة الفرعون، واعتباره متصلا بالإله، ما زالت سارية في مصر.
وما يبعث على السخرية، هو أن بعض أنصار السيسي ينظرون إليه باعتباره أتاتورك جديد، بالرغم من اتهامات البعض له بمحاولة تكرار النموذج الناصري، حيث المغالاة في القومية، والمشروعات الضخمة، مثل إنشاء قناة سويس موازية، لكن النموذج الحالي يتحايل على كافة علامات العلمانية التي حاول أتاتورك زرعها في الحياة السياسية، وقد يكون ذلك مفهوما إذا أخذنا في الاعتبار الدور الذي لعبته جماعة الإخوان منذ نشأتها، حيث اعتادت تحويل المساجد إلى أماكن تجمعات تنطلق منها المظاهرات والاحتجاجات، لكن النظام الجديد لا يستهدف فقط الإخوان المسلمين بل يقف ضد كافة الجماعات الدينية، مثل السلفيين، بالرغم من دعمهم للنظام منذ الانقلاب.
وفرض النظام قيودا على الدعوة السلفية، مانعا إياهم من تعليق “ملصقات”.
العديد من المصريين يخشون من حدوث نفس الشيء للأقليات الأخرى مثل الشيعة والبهائيين وحتى الأقباط، الذين ذبل دعمهم غير المحدود للنظام، بعد عمليات قبض، مثل المدرس القبطي بيشوي كمال بتهمة الكفر، ولا مبالاة القوات الأمنية تجاه اعتداءات على الأقباط، بالإضافة إلى القيود على المثليين والملحدين.
النظام المصري مستمر في التزام محاربة كافة أشكال التطرف الديني، حيث سارعت دار الإفتاء بإدانة ممارسات تنظيم الدولة الإسلامية، حيث تشهد مصر حاليا الموجة الأسوأ من العنف “الإسلامي” التي تستهدف القوات الأمنية.
المفتي السابق الدكتور علي جمعة في شريط مسرب له وعد بكل أريحية أفراد الجيش بمكان في الجنة، إذا قتلوا أو، قُتلوا، الإسلاميين المسلحين.
لكن مثل هذا التفكير يدل على نقص خطير في معرفة التاريخ المصري، حيث استخدمت جماعة الإخوان حالتهم كمهمشين ومقموعين لخلق قنوات وشبكات موازية.
القضاء على أي وسائل للتعبير أو طرق التعبير عن الاستياء في الشوارع والمساجد يعقبه خطر بالغ، حيث يخلق صعيدا دينيا موازيا يتحول رويدا رويدا إلى أرض خصبة للتطرف، كما حدث في العهد الناصري، وهو ما سرده الروائي علاء الأسواني ببراعة في “عمارة يعقوبيان”.
وائل عبد الحميد