أورفا، تركيا – مع غروب شمس ليلة 25 سبتمبر، تعالى صراخ في شوارع هذه المدينة في شرق تركيا، بحيث شعر السكان بالحاجة إلى استدعاء الشرطة. والسبب خلاف بين مجموعتين من المعارضة السورية كان من المفترض أن يكونا في خندق واحد: 12 من مقاتلي الثوار السوريين من ألوية تابعة للجيش السوري الحر واجهوا ثلاثة موظفين من حكومة المعارضة السورية المؤقتة لاتهامهم بسرقة المال.
“في مرات عديدة، كنا نريد مبارزتهم، ولكن سيطرنا على أنفسنا”، كما قال محمد، وهو مقاتل لواء الصقور التابع للجيش الحر، والذي شارك في المواجهة. تدخلت الشرطة التركية ووضعت حدا للجدل الصاخب، وغادر كلا الطرفين، ولكن الخلاف الأساسي تُرك دون حل.
ومع تصعيد الولايات المتحدة حملتها ضد تنظيم الدولة الإسلامية، فإن المواجهة في أورفا تمثل أنموذجا مصغرا للصراعات الكبيرة التي واجهت حلفاء واشنطن داخل المعارضة السورية.
ائتلاف المعارضة السورية، الذي وصفه الرئيس باراك أوباما بأنه “الممثل الشرعي للشعب السوري” ودُعم متحدثا عن المعارضة في المفاوضات مع النظام السوري، يعاني من نقص التمويل وعدم الثقة بين معارضي الأسد في المنفى.
ونتيجة لذلك، فإن المؤسسات التي يأمل المسؤولون الأمريكيون في أنها قد تملء الفراغ في المناطق التي تركها نظام بشار الأسد قد استبعدت إلى حد كبير من الحملة الدولية في سوريا، ذلك أن واشنطن لم تنسق مع الجيش الحر.
وكما قال ضابط استخبارات عربي، فإن المجموعة المسلحة المتناثرة: “ليست جاهزة للسيطرة على الأرض”. وفي الوقت نفسه، لا يزال ائتلاف المعارضة السورية متعثرا بسبب التنافس بين اثنين من رعاته الرئيسيين: السعودية وقطر، حيث يتنافسان من أجل فرض حلفائهم في مواقع السلطة داخل الائتلاف.
مؤخرا، أعاد ائتلاف المعارضة السورية تعيين أحمد طعمة رئيس للحكومة المؤقتة، وهي هيئة يشرف عليها الائتلاف، ومهمتها تقديم الخدمات مثل الرعاية الطبية والمياه النقية وإقامة مؤسسات الحكم الوليدة في المناطق التي تم تحريرها من الأسد. وكان طعمة، الذي يقال أنه مدعوم من قطر، قد خسر منصبه عندما حلَ زعيم الائتلاف أحمد الجربا، وهو الوجه البارز الذي تدعمه السعودية، الحكومة المؤقتة في يوليو الماضي.
وقد مرَ عمل الحكومة المؤقتة بفترة ركود خلال أشهر التدخل الثلاثة مع تردد المانحين الدوليين في منح الأموال إلى مؤسسة دون قيادة واضحة.
“في الواقع من المحزن جدا القول إن الوضع الحاليَ ليست جيدا”، كما اعترف غسان هيتو، الذي عين أول رئيس وزراء للحكومة المؤقتة في شهر مارس، قبل أن يُجبر على الاستقالة في يوليو الماضي بسبب معارضة الشخصيات المدعومة من السعودية.
والصراع في مدينة أورفا التركية تبين كيف أن المعارضة في الخارج تكافح حتى من أجل كسب ثقة السوريين الذين ينبغي أن يكونوا حلفاءها الطبيعيين، كما في حالة مقاتلي الجيش السوري الحر الذين طُردوا من دير الزور على يد مقاتلي الدولة الإسلامية .
والمواجهة نابعة مما وعدت به الحكومة المؤقتة بتوزيع 150 دولار على كل مقاتل جريح من الجيش الحر في مدينة دير الزور. الثوار يؤكدون أنهم جمعت أسماء 343 من جرحى الثوار وقدموا القائمة إلى الحكومة المؤقتة.
ومع ذلك، قال المقاتلون إن بعض هذه الأسماء تم حذفها واستبدلوها بحوالي 50 شخصا لم يسمعوا عنهم من قبل. وقالوا إن مسؤولي الحكومة المؤقتة قد اخترعوا تلك الأسماء لجلب مبلغا من المال لأنفسهم ويقدر بحوالي 7500 دولار.
“من كبيرهم إلى صغيرهم، هم اللصوص”، كما قال محمد، وأضاف: “إنهم لا يريدون فعل أي شيء للناس، ما يريدونه هو أخذ المال فقط”.
وقد روى مسؤول في الحكومة المؤقتة، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، قصة مختلفة. وقال المسؤول إن الحكومة المؤقتة قد أبلغت الثوار أن لديها من المالي ما يكفي لـ300 مقاتل فقط، وأن ألوية الثوار على اختلاف مسمياتها تحتاج إلى التوصل إلى اتفاق فيما بينها على المقاتلين الذين تُدرج أسماؤهم في القائمة. هنا نشب الخلاف، كما قال المسؤول، وذلك عندما لم تتمكن الألوية من التوصل إلى اتفاق على الكيفية التي سيتم بها توزيع الأموال.
عندما عُين هيتو رئيسا للحكومة المؤقتة، كانت لديه خطط طموحة لتحويل الحكومة المؤقتة إلى مؤسسة قادرة على إدارة المناطق المحررة في شمال سوريا. ولكن سرعان ما تقلصت تلك الخطط بشكل كبير تحت رئاسة خلفائه، في حين منعت المعارك السياسية الداخلية للائتلاف من ظهور قيادة قوية يمكن أن تجمع تمويلا معتبرا. ونتيجة لذلك، لا تزال الحكومة المؤقتة مقيمة كليا تقريبا في تركيا.
وقال هيتو: “أعتقد أن أحد الأخطاء التي ارتكبها القائمون على الحكومة المؤقتة، أنهم يعتقدون، ولسبب غريب، أن بإمكانهم أن يكون لهم حكومة فعالة خارج سوريا”. “إذا ذهبت إلى الجيش الحر وقلت لهم: اسمعوا، ستحاربون الأسد وتحمون مدننا، ونحن نتولى رعاية كل عمل مدني… توجهت إلى سوريا، وحاولت معهم عدة مرات، ولم أجد أي معارضة”.
وأوضح “هيتو” أن تمويل الحكومة المؤقتة ودعمها، بشكل صحيح، يمكن أن يكون أداة فعالة ضمن الجهود الدولية ضد تنظيم الدولة الإسلامية بتوفير بديل للجماعات الجهادية.
ما هو أكثر من ذلك، كما قال، كان يمكن أن يمنح هذا نفوذا للقوى المناهضة للأسد في مفاوضاتها مع النظام السوري، من خلال إظهار أن دمشق ليست الجهة الوحيدة القادرة على إدارة المناطق. ورأى أن وجود الحكومة المؤقتة لا يعطي المعارضة مجموعة من الأسنان، لكنه يعطيها واحدة أو اثنتان، وكما قال: “على الأقل شيء للبدء في مفاوضات”.
وأضاف: “بعض مجموعات المعارضة قدمت الدعم الإنساني في سوريا، ومع هذا، لم تتسبب سوى في المزيد من المشاكل. في الشهر الماضي، قُتل 15 طفلا على الأقل بعد تلقي التطعيم ضد الحصبة الذي وُزع من قبل ائتلاف المعارضة”.
ديفيد كينر (DAVID KENNER) / “فورين بوليسي”