النقاش حول ما إذا كان الإسلام، بطريقة أو بأخرى، أكثر عنفاً من الديانات الأخرى للأسف لن يذهب بعيداً، وقد أشعلت المشاحنات الأخيرة بين المعلق الصريح، رضا أصلان، والمذيع التلفزيوني، بيل ماهر، وسام هاريس -الذي قال في برنامج ماهر إن الإسلام هو “أصل الأفكار السيئة”- التعليقات عبر وسائل الإعلام الاجتماعي.
وفي مقال له الأسبوع الماضي على صفحات واشنطن بوست، اعترف فريد زكريا بوجود مستوى غير سار من التعصب في بعض البلدان ذات الأغلبية المسلمة، ولكنه شدد على أن هذه العلل الاجتماعية لا يمكن إلصاقها كلها بالدين.
وكتب زكريا موجهاً سؤاله لماهر، وهاريس، ومؤيديهم: “هل هذه هي استراتيجيتكم لإصلاح الإسلام؟ أن تقولوا لـ 1.6 مليار مسلم، معظمهم من الأتقياء والورعين، إن دينهم هو الشر، ويجب عليهم التوقف عن أخذه على محمل الجد”.
وفي خلفية هذه النقاشات هناك جهود الحرب التي تقودها الولايات المتحدة ضد المتشددين المتطرفين من “الدولة الإسلامية”، فضلاً عن التهديد المستمر للجماعات الإرهابية في أماكن أخرى والتي تشترك في أشكال معينة من التزمت للإسلام. الخط الأصولي لهذه الجماعات هو، بالنسبة للغرب، بعبع هذه اللحظة.
ولكن، وفي أي حال، لم يكن ينظر دائماً إلى الإسلام وأولئك الذين يمارسونه على أنهم يشكلون مثل هذا التهديد الثقافي. قبل بضعة عقود، لم تتورع الولايات المتحدة وحلفاؤها في الغرب عن تحريض المتشددين الإسلاميين في معاركهم مع السوفييت في أفغانستان. وعند النظر إلى أبعد من ذلك، سوف نجد أنه كان هناك وقت عندما كان الغرب ينظر إلى المجتمع المسلم على أنه شريك في مكافحة أيديولوجية العدو المشترك.
وبالعودة إلى عام 1830، كانت مجموعة مؤثرة من المسؤولين في بريطانيا، والتي كانت أعتى إمبراطورية في الغرب، مع الاعتقاد المعلن في القيم الليبرالية والتجارة الحرة، تتزايد قلقاً بشأن توسع قوة روسيا.
من آسيا الوسطى إلى البحر الأسود، كانت سيطرة روسيا على المزيد من النفوذ حديثاً تلقي بظلالها على المصالح الاستعمارية البريطانية في الهند والشرق الأوسط. وكانت السيطرة المحتملة للروس على اسطنبول، والتي كانت في حينها عاصمة الإمبراطورية العثمانية الضعيفة، تعني أن البحرية الروسية سوف تتمكن من الوصول بحرية إلى البحر الأبيض المتوسط، وهو احتمال لم يكن بالإمكان تصوره تقريباً بالنسبة لبريطانيا ودول أوروبية أخرى.
وهكذا، بدأ الخوف من روسيا بالظهور بين الدبلوماسيين والصحافة، وكان هذا الخوف أيديولوجياً، وممثلاً لصراع الحضارات؛ فبعد كل شيء، وبدءاً من كاترين العظمى في أواخر القرن الثامن عشر، كان الروس قد أطروا فتوحاتهم بطريقة دينية.
وكانوا يسعون إلى استعادة اسطنبول، باعتبارها مركز المسيحية الأرثوذكسية، ولموقعها الذي سيمكنهم من “التقدم من خلال حملة صليبية إلى الأراضي المقدسة، وتطهير نهر الأردن”، وفقاً لما قاله واحد من شعراء كاترين العظمى المفضلين.
وقد فاز هذا النوع من الحماس المسيحي بتعاطف بين المسيحيين الآخرين غير الأرثوذكسيين. القدس في القرن التاسع عشر كانت لا تزال موقعاً لمعارك الشوارع القاسية بين الطوائف المسيحية، يحرسه العثمانيون. وقد أثار التبشير الأرثوذكسي الروسي بين الكاثوليك في بولندا غضب الدول الكاثوليكية الأوروبية إلى الغرب، مثل فرنسا.
البارون بونسونبي، وهو السفير البريطاني في اسطنبول في 1830، قرر أن مهمة إحباط التوسعية الروسية هي “قضية مقدسة”، وفي مقال في كراسة وزعت في بريطانيا في عام 1836، وُصف العثمانيون بأنهم “الحصن الوحيد لأوروبا ضد موسكو، وللحضارة ضد البربرية”.
وكانت روسيا تمثل للبعض في ذلك الحين مجتمعاً متخلفاً من الفلاحين، الذين لا يزالون يعيشون في شبه عبودية وتحت حكم الملوك والطغاة، ومن دون برلمانات ومشاعر ليبرالية. بينما العثمانيون، كانوا قد بدأوا في عملية الإصلاح الخاصة بهم، وبالتالي كانوا أكثر تحضراً بالمقارنة.
وكان ديفيد أوركوهارت، وهو وكيل بونسونبي في اسطنبول، واحداً من الأبطال الأكثر حيوية بالنسبة لتأييد الثقافة الإسلامية في دوائر السياسة البريطانية. وقد غيرت كتاباته بشأن تهديد روسيا آراء كثيرين في بريطانيا في ذلك الوقت، بما في ذلك كارل ماركس.
وقد عاد أوركوهارت من أسفاره إلى تركيا وأماكن أخرى مقتنعاً بأن نمط الحياة العثمانية كان أفضل لصحة المرء. وكتب: “لو كانت لندن مسلمة، فإن السكان سوف يستحمون بشكل منتظم، وسوف يفضلون الماء على الخمر أو البيرة”. وحتى أنه في وقت لاحق قام بإطلاق حملة فاشلة إلى حد كبير من أجل نشر ثقافة الحمامات التركية في بريطانيا الفيكتورية.
وأشاد أوركوهارت بحكم الإمبراطورية العثمانية فيما يتعلق بتعاملها مع مجموعة من الطوائف المسيحية والطوائف الأخرى، مثل، الدروز والموارنة في بلاد الشام، والروم الأرثوذكس، والأرمن. وفي مقطع ذكره المؤرخ أورلاندو فيغس، امتدح أوركوهارت الإسلام في ظل العثمانيين باعتباره “متسامحاً، وقوة معتدلة”.
لكن، وبالعودة إلى 2014، انقلب النقاش حول الإسلام بشكل غريب. المثقفون يتحدثون عن الحرب منذ قرون بين السنة والشيعة. المسيحيون المضطهدون هم شعب محاصر في الشرق الأوسط. ومن دون تحالف الأقوياء مع الغرب، كما يقال لنا، فإن العالم الإسلامي سوف ينزلق إلى حمام من الفوضى الدموية، حيث إن المنظمات الإرهابية سوف تكسب النفوذ هناك.
ودرس التاريخ أعلاه ليس المقصود به تشويه سمعة الروس أو الثناء على العثمانيين، وهم الإمبراطورية التي كانت مذنبة في العديد من الآثام والمذابح. أوركوهارت نفسه كان له الكثير من المنتقدين والمعارضين في الوطن، خاصة أولئك الذين أرادوا أن تكون بريطانيا أقل عدائية تجاه روسيا.
ولكن الهدف من هذا الدرس هو إظهار إلى أي مدى تعيد السياسة في حقبة تاريخية معينة تشكيل النقاش حول الثقافات والشعوب. وأن هذا صحيح الآن كما كان عليه قبل نحو قرنين من الزمان.
واشنطن بوست
التقرير