توالت صدمات منظمات حقوقية دولية بشأن ما تقوم به أجهزة الأمن الإماراتية، بعد أن غابت الإستراتيجية الواقعية واستبدلت بأخرى تتعامل مع الطرف الآخر بـ “النوايا”، ولعل ذلك يُعد وصفة تحوّل إلى سلطة تحكم سياساتها قبضة أمنية، تكون نتائجها سياسية وظاهرة للعيان.
فمع اعتقال نشطاء إماراتيين وغير الإماراتيين، من بينهم خليجيون وبعضهم طلاب من الكويت تم الإفراج عنهم وإبعادهم، وآخر هؤلاء المعتقلين أكاديمي تركي اقتيد إلى السجن فور دخوله الدولة عبر المطار، أصبحت دولة الإمارات محط أنظار الكثير من الهيئات الحقوقية حول العالم، بل أصبحت من بين الدول التي تصدر اتهامات واضحة وصريحة بممارسة سياسة “الإخفاء القسري” و”التعذيب” أحياناً بحق معتقلين سعياً لانتزاع “اعترافات”، الأمر الذي أصبح يشكل هاجساً لكل من يريد زيارة البلاد، لا سيما وأن بعض المعتقلين ليس لهم أي علاقة بما يُكال إليهم من اتهامات.
في العادة تكون التهم جاهزة وهي الانتماء إلى تنظيمات سياسية إسلامية، و”التخطيط لقلب نظام الحكم”. إلا أن عمليات الاعتقال هذه، وغيرها التي استهدفت شخصيات أكاديمية وعاملين عرباً على الأراضي الإماراتية إلى جانب العشرات من الشخصيات الإماراتية المعروفة، يشير بشكل جلي أن ما تقوم به الدولة بمثابة دور “انتربول” ينوب عن كثير من دول الخليج العربي، لا سيما في وقت نقلت فيه المعركة من داخل الدولة ضد من تعتبرهم مطلوبين لها، إلى خارج أراضي الإمارات لتطال بطائراتها الحربية المجموعات العسكرية المسلحة التي تحمل الطابع الإسلامي، بغض النظر عن سياسات وأفكار هذا الفصيل من الآخر، بطريقة أصابت الكثيرين بالصدمة.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل امتد ليتم توجيه دور “الانتربول” إلى أبناء الخليج أنفسهم، وهو أمر غير معهود في العلاقات الخليجية البينية، وأياً كانت أسباب الخلاف الأصل أن لا يسمح لانتقال المواجهة السياسية إلى الساحة الأمنية، وهو الأمر المتمثل بإقدام الإمارات باعتقال مواطنيْن قطرييْن هما يوسف عبد الصمد علي الملا (30 عاماً) وحمد علي محمد علي الحمادي (33 عاماً) خلال سفرهما براً إلى دولة الإمارات في 27 يونيو/ حزيران الماضي.
وللتذكير فإن المواطنان القطريان تم التحفظ عليهما منذ أكثر من ثلاثة أشهر في مكان غير معلوم، حيث تم انقطاع الاتصال بهما منذ لحظة الاعتقال، كما لم تتمكن عائلتهما من معرفة أسباب الاعتقال أو مكان وجودهما، وهو الإجراء الذي يسمى وفق توصيف القانون الدولي بـ “الإخفاء القسري”.
وعلى الرغم من الإدانات الحقوقية الدولية لاختفاء الملاّ والحمادي، والتي كان آخرها صادراً عن المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا، التي طالبت فيها بكشف مصير المعتقليْن فوراً؛ فإن السلطات الإماراتية لم تستجب لنداءات إطلاق سراحهما، أو الكشف عن مكان اعتقالهما وتقديمهما لمحاكمة عادلة في حال ضلوعهما في مخالفات للقانون، بل عمدت السلطات إلى فتح الباب أمام حملة تحريض وتشويه مارسها الإعلام الرسمي ضد المعتقليْن باتهامهما بالتجسس والقيام بمهام استخبارية ضد الدولة وفقاً لما نشرته صحيفة “الخليج”، مما ينذر بالتحضير لاتهام المعتقليْن وتهيئة الرأي العام لاعتقالهما مدة أطول حتى دون عرضهما أمام المحكمة.
واللافت للانتباه أن انتقادات وإدانات مؤسسات حقوق الإنسان الدولية وعلى رأسها “العفو الدولية” و”هيومان رايتس ووتش” لا سيما فيما عرف بمحاكمة الـ 94 ناشطاً عام 2013 الماضي، لم تلقى آذاناً صاغية من المسؤولين في الإمارات، بل إن هناك إشادة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية بما تقوم به في محاربة ما يطلق عليه اسم “الإرهاب”، بل كان الوصف أكثر تعبيراً عندما اعتبرت واشنطن أن الدور الإماراتي في المنطقة هو أمر حيوي لتحقيق مصالح واشنطن.
إلا أن المتتبع للسياسة والإجراءات التي تسير عليها دولة الإمارات في الآونة الأخيرة، من السهل عليه أن يلاحظ أن هناك توجهاً لشغل حيز مهم، ولعب دور أوسع في المنطقة، لا سيما من الباب الأمني، فمن الاعتقالات الداخلية إلى اعتقال عرب وأجانب قادمين إلى الدولة إلى مهاجمة بالطائرات الحربية ضد من تعتبرهم الإمارات أعداءً لها، وهم من التيارات السياسية الإسلامية.
وكما يبدو؛ فإن هذا الدور يأتي على حساب السجل الحقوقي للإمارات، فبعد أن كان مجال تفاخر الدولة في مجال التطور والانفراد بالمشاريع على مستوى العالم، ها هو ينفرد بأرقام خليجية جديدة، لكن في الاتجاه المعاكس تماماً، وهو الأمر الذي أصبح مصدراً لتشويه صورة الإمارات “الحضارية”، وجعلها في مصافي دول ذات التاريخي الأمني الأسود.
فهل تتحول سفارات الإمارات حول العالم إلى قبلة الهيئات والمنظمات ونشطاء حقوق الإنسان للمطالبة عبر الاعتصامات والتظاهرات بإنصاف المعتقلين السياسيين والإفراج الفوري عنهم، ورفع يد الدولة عن الأكاديميين من الجنسيات الأخرى، والكشف عن مصير بعض المختفين في السجون؟
(إيماسك)