قال تقرير لـ«معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى» أن دول الخليج تشارك في محاربة «الدولة الإسلامية» بأجندة مختلفة لكل منها بحسب سياستها الخارجية، إلا أن حرب «الدولة الإسلامية» تبدو «لاصقا سحريا» يربط بين هذه الدول ويوحدها مؤقتا.
وقالت في تقرير «كيرين إي. يونغ» بعنوان: «سياسة تبادل الإهانات الصغيرة بين دول مجلس التعاون الخليجي»، إنه «على الرغم من أن عدة دول من «مجلس التعاون الخليجي» شاركت في الضربات الجوية التي تقودها الولايات المتحدة في سوريا، إلا أنه لا تزال هناك عواقب خطيرة للخلافات بين حكومات دول المجلس».
وأضاف المعهد أن الطريقة التي انضمت من خلالها قطر والمملكة العربية السعودية والبحرين والإمارات العربية المتحدة إلى الحرب ضد تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» الأبعاد الخفية وراء السياسات الداخلية لهذه الدول، والاختلافات في سياساتها الخارجية التي يُفترض أنها متوافقة فيما بينها، مشيره لأن هذا خطر بالنسبة للولايات المتحدة، يدخلها في صراع كبير متعدد الأطراف، على رأس تحالف سطحي في أحسن الأحوال.
وقالت: «تظهر السياسات الخارجية لقطر ودولة الإمارات والسعودية الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، الاختلافات البارزة بشكل خاص، أما الأعضاء الآخرون مثل الكويت والبحرين وسلطنة عمان فيميلون إلى القيام بدور خارجي أقل شأناً».
ويصف أستاذ العلوم السياسية في دولة الإمارات «عبد الخالق عبد الله»، تنظيم «الدولة الإسلامية» بأنه «لاصق سحري» يربط دول «مجلس التعاون الخليجي» معا، وربما مؤقتا ومن غير المرجح أن تتغير الاستراتيجيات الأوسع نطاقاً للدوحة وأبوظبي والرياض، لأنها تعكس مواقف أيديولوجية عميقة ومتباينة حول الإسلام السياسي والرؤى المتنافسة حول مفهوم بناء الدولة.
التداعيات على السياسة الأمريكية
ويقول التقرير أن التوترات داخل دول «مجلس التعاون الخليجي» تشكل تهديداً لتماسك التحالف الدولي ضد تنظيم «الدولة الإسلامية»، وبالتالي، ينبغي على واشنطن تشجيع شركائها في الخليج على تجاوز التنافسية الضيقة الأفق التي شابت علاقاتهم مؤخرا.
فبالنسبة لقطر، وعلى الرغم من أنه من غير المرجح أن تحيد الإمارة بشكل حاد عن مسارها المثير للجدل في التدخل خارج حدودها، إلا أنه يجب على الشيخ «تميم» التخفيف من هذه الميول، بحسب «معهد واشنطن».
ففي الماضي، كانت سياسة الباب المفتوح التي اتبعتها الدوحة مفيدة للولايات المتحدة، ولكنها تخاطر حالياً بخلق صورة من التهور والتواطؤ مع التطرف العنيف، وفي الوقت الحالي، يبدو أن قطر أجرت حساباتها وتوصلت إلى نتيجة مفادها أن بإمكانها تقديم خدمة أفضل لهدفها الرئيسي في السياسة الخارجية المتمثل بالإطاحة بـ«بشار الأسد» ودعم جماعات الثوار السنية سواء كانت من الإسلاميين أم غيرهم في سوريا وليبيا ومصر والعراق من خلال توافقها مع التحالف الذي تتزعمه الولايات المتحدة بدلاً من الاستمرار في مسارها المستقل المتمثل باختيارها الدقيق للجماعات المسلحة التي ترغب في دعمها.
قطر لن تغير سياستها
ويشدد «معهد واشنطن» علي أن «الصدع» بين دول مجلس التعاون الخليجي الذي تَمثَل بمقاطعة الدوحة دبلوماسياً من قبل الرياض والمنامة وأبوظبي لم ينتهِ في 14 سبتمبر/أيلول عندما طردت قطر سبعة أعضاء قياديين في جماعة «الإخوان المسلمين» من أراضيها، فقد كانت تلك الخطوة مجرد لفتة من قبل الأمير «تميم آل ثاني»، الذي كان حريصاً على منح نفسه غطاءً محليّا بعد يومين من ذلك القرار، من خلال زيادة إعانات البطالة، وصافي مدفوعات الأمان الاجتماعي للمواطنين، كما أنشأ وزارة جديدة لتنظيم الجمعيات الخيرية، الأمر الذي يدل على قيامه بجهد مزدوج لاسترضاء القطريين الأقل ثراءً من جهة، ومراقبة أولئك الذين لديهم الوسائل لدعم الجمعيات الخيرية الإسلامية في داخل الإمارة وخارجها من جهة أخرى.
ويضيف: «هذه التنازلات المحدودة التي أعقبت المطالب السعودية والإماراتية بتشديد الرقابة على النشاط السياسي الإسلامي في قطر مهمة، ولكنها لا تغير من اتجاه تدخل الدوحة في الشؤون الإقليمية، فسياسة الباب المفتوح التي اتبعتها حكومة قطر والتي تمثلت باستضافة مجموعة من الإسلاميين، بمن فيهم الشيشان وطالبان، قائمة منذ عقدين من الزمن على الأقل، ومن غير المرجح أن تتغير، وتقع هذه السياسة في قلب مشروع قطر لبناء سمعتها، وتمييز نفسها عن غيرها من البلدان في المنطقة».
تنافس قطري إمارتي لإنهاء هيمنة السعودية
وتتنافس الدوحة مع دولة «الإمارات» لوضع حد للهيمنة السعودية في الخليج، بحسب «معهد واشنطن»، في الشرق الأوسط الأوسع، وخاصةً في أعقاب زعزعة الاستقرار في مصر وتفكك العراق وعزل إيران منذ عام 2011.
ولكن، خلافاً لدولة الإمارات، لا تملك قطر ثقافة التجارة أو الكونية العربية أو الهيكل الاتحادي الذي يسمح بالتباين في الهجرة والسياسة الأمنية، وعلى عكس المملكة العربية السعودية، لا تستند الدوحة بقوة على الوهابية أو المبادئ الدينية المحافظة الأخرى، وقد استطاعت قطر تحويل هويتها الانعزالية المارقة إلى سياسة خارجية تدعم المشاركة، وفي بعض الأحيان، الارتباط بالجماعات الإسلامية المثير للاستفزاز.
لماذا تراجعت قطر؟
ويشرح التقرير سر تراجع قطر نسبيا في مواجهة الإمارات والسعودية قائلا: «منذ أن خلَفَ الشيخ تميم والده في العام الماضي، شهدت قطر تباطؤاً اقتصاديّاً، حيث حاولت القيادة الجديدة التدقيق في أنماط الإنفاق التي ميّزت سابقاتها، وخصوصاً سخاء رئيس الوزراء السابق، حمد بن جاسم آل ثاني».
وأدى ذلك إلى تجميد الإنفاق والتوظيف داخل الوزارات ومشاريع التعليم والرعاية الصحية التي تمولها الدولة، فضلاً عن تخفيض نفقات الموظفين، وهو ما يعني عودة السلطة المؤسسية للوزراء، بعيداً عن العديد من المجالس واللجان الخاصة التي تم إنشاؤها تحت سلطة الشيخة «موزة بنت ناصر»، والدة الشيخ «تميم» والزوجة الأكثر نشاطاً سياسياً لـ «الأب الأمير»، الشيخ «حمد».
ورغم أنه يُنظر إلى هذه الإجراءات على أنها حكيمة وخطوة إيجابية محتملة، إلا أن توقيتها لم يكن في محله، لأن المنافسة داخل دول «مجلس التعاون الخليجي» من أجل السيطرة على القيادة الإقليمية أصبحت أكثر حِدّة بكثير في الآونة الأخيرة.
وعلى الصعيد الدبلوماسي، تخيم مشاعر العزلة والانتظار على المجال السياسي والاجتماعي في قطر، ففي حين لا تزال الرحلات الجوية بين دبي والدوحة مليئة بالمسافرين، إلا أن هناك استبعاد اجتماعي بين الهيئات الحكومية، فالمسؤولين في دولة «الإمارات»، وخاصةً أولئك الذي يركزون على السياسات الاجتماعية، يرفضون قبول دعوات لحضور مؤتمرات في قطر خوفاً من مواجهة العقاب عند عودتهم إلى «الإمارات».
فعلى سبيل المثال، عندما دُعي الإماراتيون الذين يعملون في القطاع العام لحضور مؤتمر الدوحة الأخير حول حقوق الإنسان في دول «مجلس التعاون الخليجي» بحضور ممثلي «الأمم المتحدة» ودبلوماسيين، عبّر هؤلاء عن قلقهم من وضع ختم قطر على جوازات سفرهم لأنه حتى مثل هذه الدمغة المميزة قد تخلق لهم صعوبات، فأي تعاطي مع الهيئات الحكومية المقابلة في قطر قد يثير الامتعاض من قبل قيادة الإمارات.
والمثال الآخر على تعقّد السياسة الإقليمية هو إلقاء القبض مؤخراً على اثنين من نشطاء حقوق الإنسان في الدوحة (أُفرج عنهم لاحقا)، فقد اعتبرت الحكومة القطرية أن أولئك النشطاء يتدخلون في شؤونها، حيث يتم تمويل المعهد الذي يعملون فيه في بلدهم النرويج وبشكل كبير من قبل التبرعات التي تأتي من الإمارات.
أيضا هناك تباطؤ في مشاريع البنية التحتية والبناء في قطر، وقال مقاولون وعمال بأنهم لم يتلقوا أجورهم، وتحدثوا عن تأخيرات في إبرام اتفاقات، ويتكهن البعض في الدوحة بأن ذلك يعكس السلوك الانتهازي من قبل المستثمرين السعوديين والإماراتيين، الذين لا يرون قيام عواقب تذكر في خرق العقود.
قمع الإمارات للإسلاميين جزء من تركيز السلطة
ويقول «معهد واشنطن» أنه بصرف النظر عن الفائدة الواضحة لموقف الإمارات كأداة ضغط ضد قطر، إلا أن موقف أبوظبي الحاد ضد الإسلام السياسي هش وضعيف، حيث تبالغ حكومة الإمارات في الحديث عن التهديد الذي يشكله هذا النوع من الإسلام على الأمن الداخلي في أبوظبي.
ولا يرتبط هذا الاتجاه في السياسة الإماراتية بشكل كبير بصعود «الدولة الإسلامية»، بقدر ارتباطه بمشروع بناء الدولة الذي يجري العمل عليه حاليا في أبوظبي، ويهدف إلى تركيز السلطة داخل العاصمة، وتوحيد الأجهزة الأمنية التي يسيطر عليها ولي العهد «محمد بن زايد آل نهيان» وإخوانه الأشقاء.
وأشار إلي أن «العمليات العسكرية الأخيرة التي شنتها الإمارات في ليبيا وسوريا هي استراتيجيات بناء هيبة لإظهار قدرات قواتها المسلحة، وتعزيز تطلعاتها في القيادة الإقليمية، ويتميز هذا النهج التدخلي بكونه تجريبيا وجريئا على حد سواء، وغالبا ما يتم اتباعه دون التنسيق مع الولايات المتحدة أو الحلفاء الإقليميين».