منذ أسابيع انطلقت عمليات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية ضد “تنظيم الدولة الإسلامية” “داعش”. وقد جاءت هذه العمليات عقب انضمام عدد من دول المنطقة إلى هذا التحالف وعلى رأسها دول مجلس التعاون الخليجي باستثناء الكويت، والسلطنة التي اكتفت بإعلان دعمها للتحالف الدولي ضد “الإرهاب” و “التطرف” بحسب ما جاء في كلمة ألقاها الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية يوسف بن علوي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة دون الحديث عن “طبيعة الدعم”.
ورحب بن علوي بالقرار الذي اتخذه مجلس الأمن الدولي بالإجماع منذ أسابيع بهدف تضييق الخناق على عمليات تمويل المقاتلين الإرهابيين الأجانب في المنطقة، ومع هذا لا يزال شكل الدعم غير واضح على حد تعبير بعض المتابعين للشأن العماني.
من هو تنظيم الدولة الإسلامية؟
يرى الدكتور خالد العزري إن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش” هو جزء من ثقافة عربية إسلامية وليست فطرا لا جذور له، قائلا “هذا التنظيم منا وفينا”، ثم تاليا يمكن للعرب أصحاب “نظرية المؤامرة” والمنتفعين منها من سياسيين وأيدلوجيين أن يرموا بهذه الكتلة “المريضة” من ثقافتهم إلى دولة أو دول أو مخابرات غير عربية. وأضاف: “داعش” ليست المشكلة قطعا ولكنها إفراز لمشكلات، “الاستبداد” وثقافته و”التدين الصحراوي” هي أم المشاكل”.
ويشير العزري إنه بالإضافة إلى “الاستبداد السياسي” يوجد “استبداد ديني” متأصل وعميق تتم تربيته بصورة واعية في كثير من الفترات ولحاجات ومآرب وقتية في فترات أخرى، وباختصار؛ “داعش” من وجهة نظري هي حلقة في سلسلة من صدام مستمر ستعاني منه المنطقة إلى أن يتم الاتفاق على دور الدين في الحياة العربية، وإلى أن يتم احترام قيمة الإنسان بالمعنى الحضاري المعاصر، على حد قوله.
ثقافة خصبة لإنتاج داعش
يقول العزري بأنه مع عدم إغفال التربة العربية وثقافتها الخصبة لإنتاج أمثال داعش، فقد تكون “داعش” كذلك – وهذا ما ستوضحه الأيام المقبلة قصرت أم طالت- نتاجا مخابراتيا. وما أشبه اليوم بالبارحة. ويجعل التساؤل عن دور مخابراتي لأغراض أخرى قد تكون على صلة بـ “الربيع العربي” أو بمشاكل داخلية قابلة للانفجار أو تصفية لحسابات سياسية بين دول المنطقة مقبولا.
يعتقد العزري بأن هناك دول من مصلحتها إشغال العالم بأمر أو أمور غير الحراك الشبابي في المنطقة، وتهدف لسحب المارد الأمريكي إلى صفها من جديد بعد أن بدا وكأن تحالفها الاستراتيجي الطويل معه قد بدا في “التضعضع”. ويضيف “داعش الآن تعيد تشكيل “التحالفات القديمة” لما يبدو على الساحة وكأنه عدو مشترك”
وبحسب العزري فإن الخليجيين أو بعضهم على الأقل مستفيدون سياسيا من “داعش” وإن خسروا ماليا. يقول: “لاحظ مثلا كيف أن دولا هي في الواقع لا تختلف بنيتها الفكرية العامة كثيرا عن بنية داعش الفكرية كيف إنها تتقلد اليوم زمام المبادرة في الحرب على أفكار ملقاة على أرصفة مدنها فضلا عن مساجد قراها؛ فمثل هذه الحكومات تعجز اليوم رغم كل مصائب الذبح المعلنة باسم الإسلام في تقديم مشروع لمكافحة الأفكار المتطرفة، أو تقديم برنامج داخلي لمكافحة الفكر المتطرف وهو موجود وذائع في المنطقة.
عُمان ..أين تقف من التحالف؟
الدكتور عبدالله الغيلاني الباحث في الشؤون الاستراتيجية، يرى أن عدم التحاق السلطنة بهذا الحلف يأتي اتساقاً مع الطبيعة الحذرة للسياسة الخارجية العمانية التي دأبت على الانكفاء على الذات، وخفض مستويات الظهور على المسرحين الدولي و الإقليمي. وأضاف “عدم الانضمام إلى هذا التحالف “الأثيم”هو أمر محمود أياً كانت البواعث”.
و لكن الأحرى بالخارجية العمانية ان تفصح عن موقفها المبدئي والواضح إزاء الحلف ذاته. فهل الموقف العماني محكوم بموجهات أخلاقية، أم أنه جاء نتيجة حسابات براجماتية صرفة؟ نرجو أن تخرج السياسية الخارجية العمانية من حالة الاختباء و التترس بمقولة “عدم التدخل” التي غدت مقولة متهالكة لكثرة استهلاكها، إلى حالة الانفتاح والشفافية، على حد تعبيره.
في الوقت نفسه يعتقد الإعلامي محمد اليحيائي من خلال قراءته لتصريحات الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية يوسف بن علوي، أن السلطنة اتخذت موقفا وهو “دعم التحالف”، ليس ضد تنظيم الدولة الإسلامية فقط، ولكن ضد “الإرهاب” بمجمله.
وذكر اليحيائي بأنه في التحالف الجديد الذي أطلق مؤخرا لمواجهة داعش، كانت السلطنة حاضرة “طرفا رئيسا” ، مضيفا إلى قوله رأينا ابن علوي في الصورة إلى جوار وزير الخارجية الأميركي جون كيري في اجتماع تشكيل التحالف الذي عقد في السعودية في سبتمبر الماضي.
سياق التحالفات
وفي إطار تحليل خالد العزري للموقف العماني يقول يمكن فهم الموقف العماني ضمن سياق التحالفات العريض الذي يعاد تشكيله بعد فورة الربيع العربي وما تلاه في المنطقة. فعمان جزء من المنطقة المبتلاه بالمشكل وهي حليف قديم لأمريكا وهي جزء من المنظومة الخليجية التي كانت قبل فترة قريبة متباعدة والمخاوف تعلو من إمكانية تصاعد حدة خلافاتها وتصدع “التعاون” بينها وإذا بالعدو ( المشترك) داعش والحليف (المتنمر) الولايات المتحدة قادران على لم شتات الأخوة أكثر من محاولات الأخوة أنفسهم. مفارقة قد لا تحدث الا في السياسة !
عدم وجود قوات عمانية
وفي ذات السياق يرجع محمد اليحيائي السبب في عدم مشاركة قوات عمانية في الضربات على مواقع تنظيم الدولة في العراق وسوريا كما فعلت أربع دول خليجية بقيادة سعودية باستثناء الكويت، إلى رغبة السلطنة في عدم “التورط ” في أي شكل من أشكال التدخل العسكري، بصرف النظر عن الذرائع والأسباب، فـ عُمان لم تشارك في أية عملية عسكرية خارج حدودها إلا في حرب تحرير الكويت وهي المشاركة التي حتمتها التزاماتها باتفاقية درع الجزيرة التي تنص على الحماية المشتركة والمتبادلة بين دول التعاون الخليجي على حد قوله.
وأوضح أن عدم التدخل العسكري هو “موقف سليم” ويجب الحفاظ عليه كثابت من ثوابت السياسة واستقلال القرار السياسي العماني، وأيضا من أجل تجنب الدخول في صراعات مستقبلية مع جماعات مسلحة قد تقرر الرد مستقبلا على الدول التي شاركت في التحالف ضد داعش، وهو ما لا يُستبعد، من وجهة نظره.
هل سيتغير موقف السلطنة مستقبلا؟
مع التوسع المتزايد للتنظيم الذي بات يهدد علنا دول المنطقة، بل ودول العالم أجمع بعد الإعتراف الأميريكي بصعوبة المهمة وطول مدتها الزمنية لتحقيق الأهداف المرجوه، ومطالبتها دول المنطقة بالدعم المباشر للتحالف لاسيما من الناحية العسكرية، لا يستبعد الغيلاني انضمام السلطنة لاحقا. يقول إن كل المعطيات التي بين أيدينا تقود إلى القول بأن السلطنة “ليست بعيدة عن التحالف”، و إن لم تعلن انضمامها إليه رسمياً ويستند في ذلك على ذلك ثلاث قرائن:
الولايات المتحدة هي القائد المهيمن على التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة، و هي، أي الولايات المتحدة حليف حيوي ترتبط معه السلطنة باتفاقيات استراتيجية تمس الأمن القومي العماني.
رغم اتساع عضويته واكتسابه الصفة الدولية إلا أن هذا التحالف هو أحد ترتيبات الأمن الإقليمي، وأبرزالمتورطين فيه هم دول المنظومة الخليجية، و السلطنة جزء من هذه المنظومة ولا يسعها الخروج على هكذا أطر أمنية .
يبدو جلياً أن الساحة الرئيسة لعمل التحالف هي الساحة السورية، وأن الهدف الإستراتيجي يتعدى تنظيم الدولة ليشمل فصائل الثورة السورية الاخرى، و في هذا إسناد للنظام السوري الذي تبدي السلطنة موقفاً ليناً إزاءه.
وهذا ما يؤكده العزري بقوله السلطنة أعلنت دعمها للحرب على تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام لكن من غير الواضح إلى الآن “نوع” هذا الدعم أو “حجم المشاركة العمانية” أو “ماهيتها” إن وجدت، بفعل موقعها الجغرافي وخبراتها المتراكمة في التعامل مع طوارئ المنطقة المتواصلة ( بكل أسف) يمكن لعمان ان قررت ذلك “الإسهام بشكل ملموس” في العملية ضد داعش.
وأضاف: “بالطبع ثمة مخاطر ماثلة وأخرى قد تتخلق لاحقا تجاه أية مشاركة في هذه الحرب ولذلك فالحسابات السياسية والمعلومات المخابراتية هنا في غاية الأهمية”.
من جانبه يؤكد اليحيائي على أن أزمة العالم والعرب مع التطرف لن تنتهي، ولا يبدو أنها ستنتهي، على الأقل في بحر السنوات العشر القادمة، “فما نرجوه أن تبقى عُمان بعيدة عن حروب الأخوة الأعداء” وأن تذهب عميقا وبعيدا في خطط وبرامج التنمية الاقتصادية، وأن يُولى قطاعا التعليم والثقافية عناية أكبر وأكثر منهجية.
مريم البلوشي – البلد