دخلت الإمارات وقطر في حرب دعائية مستغلين وكالات العلاقات العامة ومنظمات تعمل كواجهة لحروب بالوكالة ما يعود عليهما بنتائج عكسية.
الكشف عن حرب بالوكالة أصابت قطر في وقت اهتزت فيه صورتها بصفتها الدولة المستضيفة لكأس العالم 2022 نتيجة الهجوم المتكرر، وفي المقابل فإن الإمارات العربية المتحدة سعت إلى تحسين صورتها عن طريق تكوين شبكة من جماعات حقوق الإنسان، والتأثير السلبي للتغطية الإعلامية الدولية لقطر عن طريق الترويج لمشاركة امرأة مُقاتلة إماراتية في قصف تنظيم «الدولة الإسلامية» الذي يُحكم سيطرته على جزء كبير من العراق وسوريا.
التوتر بين كل من قطر والإمارات ليس وليد اللحظة لكنه يمتد لأكثر من عام.
قامت الإمارات باحتجاز و/أو معاقبة مواطنين قطريين بتهمة التجسس، أحدهم وصفته منظمة العفو الدولية بأنه سجين رأي، وفي وقت سابق من العام الجاري أقدمت الإمارات على سحب سفيرها من الدوحة كما فعلت السعودية والبحرين، كما كان قطع العلاقات الدبلوماسية جزءًا من الجهود طويلة الأمد لإجبار قطر على وقف دعمها لجماعة «الإخوان المسلمين».
قطر لم تستسلم
الإمارات العربية المتحدة التي تنظر بعداء تجاه قطر سارعت ليكون لها دورٌ في الأزمات المتعددة حاليًا في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وبدأت في حالة تأهب قصوى لإجبار قطر على تقديم تنازلات، لكن يبدوا أن الأخيرة لن تستسلم للضغط الخليجي.
مطالبة قطر لعدد من أنصار «الإخوان» بمغادرة أراضيها في وقت سابق لا يعدو كونه لفتة شكلية؛ حيث أنها لم تقم بإلغاء تأشيرات الإقامة الخاصة بهم، في الوقت الذي تبقى فيه عائلات بعض عناصر «الإخوان» التي غادرت قطر في الدوحة، علاوة على استمرار وجود الشيخ «يوسف القرضاوي» في قطر المعروف بعلاقته القوية بـ«جماعة الإخوان»، كما رفضت قطر ضغوطًا لطرد «خالد مشعل» رئيس المكتب السياسي لـ«حماس»، التي تسيطر على «قطاع غزة»، والمعروفة بجذورها الإخوانية.
وتخوض الإمارات العربية المتحدة حربها بالوكالة على خلفية تبنّيها لسياسة خارجية أكثر نشاطًا تهدف إلى مواجهة الإسلام السياسي، واحتلت الإمارات مقعد القيادة في الأسابيع الأخيرة في مواجهة «الإخوان المسلمين» والجماعات الإسلامية في ليبيا، بالتعاون مع حكومة الجنرال الذي أصبح رئيسًا في مصر «عبد الفتاح السيسي»، كما أصدرت محاكم إماراتية أحكاما بالسجن المشدد على عناصر إخوانية استنادًا لإجراءات قانونية قوبلت باستهجانٍ من المنظمات الحقوقية.
في الوقت ذاته؛ تسعى أبوظبي للترويج لنفسها في صورة الدولة الحديثة عبر التأكيد على قيادة الرائد «مريم المنصوري»، السرب الإماراتي في ضرب «الدولة الإسلامية» ضمن التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن، وانتشر فيديو «المنصوري» على مواقع التواصل الاجتماعي بصورة كبيرة بعد أن نشرته وكالة أنباء «وام» الإماراتية، كما استغلت أبوظبي الواقعة للترويج على أنها من الدول العربية القليلة التي تسمح للنساء لاحتلال مكانة عسكرية بارزة.
وكما هو حال ردود فعلها تجاه حملة النقد الدولي الواسعة؛ فقد وُصف الرد القطري على الحملة ضدها بأنه قليل جدًا ومتأخر جدًا، وتبدو الدوحة أقل استعدادًا من خصومها لخوض غمار حملة علاقات عامة باهظة الثمن أو التعاقد مع شركات لوبي فضلاً عن الدور المتدني الذي تلعبه الوسائل الإعلامية التابعة لها في التأثير على التغطية الإعلامية، وزاد من سوء وضع الدوحة اتهام أمريكا لأربعة رجال على علاقة بقطر بتمويل جماعات جهادية ووصفهم بـ«الإرهابيين الدوليين»، وكان ردّ قطر الاكتفاء بالقول إنّ اثنين على الأقل من الذين تم القبض عليهم تم احتجازهم قبل تسميتهم.
الهجوم المضاد الضعيف من الجانب القطري سقط في مأزق بعد ما كشفته القناة البريطانية الرابعة الأسبوع الماضي بشأن تورط قطر في «بورتلاند كوميونيكيشنز» التي يموّلها «توني ألين» المستشار السابق لـ«توني بلير» خلال فترة توليه رئاسة الوزراء في بريطانيا، القناة الرابعة ربطت بين «بورتلاند» وإنشاء مدونة مختصة بكرة القدم تهاجم منتقدي قطر على لسان «أليستر كامبل» المستشار الإعلامي لـ«توني بلير» في «داوننيج ستريت 10» وعضو المجلس الاستراتيجي لـ«بورتلاند».
واتهمت القناة الرابعة المدونة بأنها تدّعي «الحيادية» وأنها تعرض «باقة عشوائية من مشجعي كرة القدم، ومصممة على إشعال الخلاف» حول «دعاية شعبية مزيفة» بشأن إنشاء مواقع مزيّفة تفرض نفسها على أنها شعبية بينما في الواقع تُدار عن طريق المصالح المشتركة. واعترفت «بورتلاند» أنها ساعدت في إنشاء المدونة لكنها أكدت أنها لم تكن جزءًا من مشاركتها مع قطر.
حرب الإمارات الدعائية
ومن جانبها؛ شنت الإمارات حربها الدعائية على مستويات عدة، ففي يوليو/تموز دعمت إنشاء «مجلس حكماء المسلمين» في محاولة لسحب البساط من تحت أقدام «الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين» الذي يترأسه الشيخ «يوسف القرضاوي»، والذي تدعمه قطر له كأداة تغيير سياسية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا طالما لا يضم الخليج، وتلخصت مهمة «مجلس حكماء المسلمين» في تعزيز العُرف الإسلامي السني المتعلق بطاعة الحاكم بشكل أفضل حال من تلك التي ينادي بها الناشطون السلفيون الذين يسعون للعودة إلى القرن السابع الميلادي تمامًا كما كان في عهد النبي «محمد صلى الله عليه وسلم» وخلفائه.
جهود الإمارات لتشويه صورة قطر تناقض بشدة دعمها الرسمي لها لاستضافة مونديال «كأس العالم»، فالإماراتيون سعوا إلى أن يكون استضافة قطر للمونديال واضح للعيان مع ما قامت به قطر خلال ذلك الشهر من احتجاز ناشطين بريطانيين في مجال حقوق الإنسان كانا يقومان بالتحقيق في موضوع حقوق العمالة في دول الخليج، وقد سلط احتجاز الناشطين الضوء على جهود الإمارات لتسويق رأي عام دولي كرد فعلٍ على تزايد الانتقادات لها فيما يتعلق بسجل حقوق الإنسان والعمالة.
عمليات الاحتجاز كشفت عن شبكة من مجموعات حقوق الإنسان المدعومة من الإمارات في النرويج وفرنسا، والتي تسعى لتلميع صورة الإمارات في الوقت الذي تشوّه فيه صورة قطر، وقد كان البريطانيون من أصول نيبالية يعملون لصالح «الشبكة الدولية للحقوق والتنمية»، والتي تتخذ من النرويج مقرًا لها مع مزاعم بصلتها بالإمارات.
لقد تمّ تأسيسها في عام 2008 «لدعم حقوق الإنسان وتطويرها من خلال تبني استراتيجيات جديدة وسياسات تقود إلى تغيير حقيقي»، «الشبكة الدولية للحقوق والتنمية» تتلقى تمويلها من مانحين غير معروفين بقيمة تصل إلى 3.5 مليون يورو سنويًا بحسب ما ذكره الصحفي والمؤلف المخضرم المتخصص في شئون الشرق الأوسط «براين ويتاكر».
ووفقًا للمؤشر الدولي لتصنيف حقوق الإنسان فقد جاء تصنيف الإمارات الرابع عشر ضمن الدول العربية الأكثر احترامًا لحقوق الإنسان في الوقت الذي حلّت فيه قطر في المرتبة 94، هذا التصنيف جاء مناقضًا لتقارير المجموعات الحقوقية؛ والتي جاء على رأسها «مجلس حقوق الإنسان» التابع لـ«الأمم المتحدة»؛ والذي أفاد في وقت سابق من العام الجاري أنّ هناك دليل دامغ على تعذيب السجناء السياسيين في الإمارات مشككًا في استقلال السلطة القضائية هناك، وأفادت الهيئة العامة للاستعلامات المصرية في ديسمبر/كانون الأول أن الشبكة الدولية للحقوق والتنمية قد أيدت حظر جماعة «الإخوان المسلمين» بصفتها منظمة إرهابية بالإضافة إلى تبنيها حملة تنادي بحظر «الإخوان» في أوروبا.
وتعليقًا على هذا التصنيف صرّح ناشط حقوقي إماراتي مؤخرًا لـ«عين الشرق الأوسط»: «تدعمهم حكومة الإمارات لأغراض العلاقات العامة، بيان الشبكة الدولية للحقوق والتنمية نشر دليلاً مُزيفًا لحقوق الإنسان العام الماضي أشاد خطأً بالإمارات».
أموال الإمارات لتشويه قطر
وفي السياق ذاته؛ كشفت صحيفة «نيويورك تايمز» ومجلة «إنترسيبت» في الآونة الأخيرة عن أن الإمارات العربية المتحدة التي وُصفت بأنها أكبر ممولي جماعات الضغط في الولايات المتحدة عام 2013م قد دفعت أموالاً لشركة ضغط بُغية نشر قصص إخبارية مناهضة لقطر في الإعلام الأمريكي، هذه الشركة هي «كومستول جروب»، ويديرها مسئولون سابقون في الخزانة الأمريكية، كانوا مسئولين عن العلاقات مع دول الخليج و«إسرائيل»، ومناهضة تمويل «الإرهاب».
الجهود الناجحة الرامية لتصوير قطر كممول لـ«الإرهاب» تتوافق مع حملة مشابهة تشنها «إسرائيل»، تدعوا إلى حرمان قطر من استضافة مونديال 2022م بسبب دعمها لـ«حماس»، وقد وُضعت الحملة لمواجهة جهود قطر بحسب ما صرحت به مصادر فلسطينية لدفعها لإقناع «حماس» بقبول مفاوضات السلام مع الجانب الإسرائيلي، والموافقة على التنازل عن مزيد من سلطاتها في القطاع المُحاصر إلى السلطة الفلسطينية التي يرأسها منافس «حماس» الرئيس «محمود عباس».
وادعت صحيفة «نيويورك تايمز» في وقت سابق تعاقُد الإمارات مع شركة «كامستول جروب» إحدى شركات الضغط الأمريكية بهدف بث أخبار صحافية مناهضة لقطر في الإعلام الأمريكي بالإضافة إلى استضافة صحافيين يكتبون مقالات عن الدور القطري في تمويل «الإرهاب»، وأكدت مجلة «إنترسيبت» أنّ هذه الشركة تعاقدت معها شركة استثمارات الطاقة المستقبلية المملوكة لـ«أبوظبي» قبل مرور أسبوع على تأسيسها نهايات العام 2012 بمقدم أتعاب بلغ 400 ألف دولار أمريكي شهريًا.
وبحسب مجلة «إنترسيبت» الإليكترونية فإن «المغزى هنا لا يكمن في براءة قطر من دعم العناصر المتطرفة، لكن في هذا الهجوم المُنسّق من وسائل الإعلام ضدها –والذي يقوم به مسئولون أمريكيون سابقون وحلفاؤهم من وسائل الإعلام مقابل أجورٍ مرتفعة– والذي يُعدُّ سلاحًا تستخدمه الإمارات وإسرائيل والسعودية وغيرهم بهدف تطوير أجندتهم».
المعارضة الإماراتية لقطر وجماعة «الإخوان المسلمين» ليست وليدة الوقت الراهن لكنها ترجع إلى عشر سنوات على الأقل، حيث كشفت برقية مسرّبة من «ويكيليكس» تحذيرات من ولي عهد «أبوظبي» ورئيس أركان القوات المسلحة الشيخ «محمد بن زايد آل نهيان» عام 2004 لدبلوماسيين أمريكيين من أن «قطر جزء من الإخوان المسلمين … نخوض حربًا ثقافية مع الإخوان المسلمين في هذا البلد»، مضيفًا «90% من موظفي الجزيرة ينتمون لجماعة الإخوان المسلمين»، وفي الوقت ذاته اعتبر مسؤولون إماراتيون سرًا أنّ قطر «عدو الشعب رقم ثلاثة» بعد إيران و«الإخوان المسلمين».
المصدر | جيمس دورسي، هافينجتون بوست
ترجمة: الخليج الجديد