تاريخيا، الاستخبارات البريطانية مقسمة إلى قسمين: الاستخبارات الداخلية MI5 والاستخبارات الخارجية MI6، كانت تعمل على محاربة التجسس من قبل الاتحاد السوفييتي سابقا وقبلها ألمانيا، كما كانت تعمل على مكافحة إرهاب الجيش الجمهوري الإيرلندي ومنظمات إرهابية أخرى حول العالم، والآن ظهر خطر داعش، وقد عملت الاستخبارات البريطانية على منع أي تهديد من قبل هذه المنظمة على بريطانيا.
كما إن من مهامها محاربة التهديد الصادر من بلدان معادية كألمانيا النازية سابقا، والآن نرى تنامي الإرهاب عالميا، وأن هناك حاجات داخلية أمنية في بريطانيا أملتها التهديدات الأخيرة، مثل خطر عودة المقاتلين البريطانيين الذين حاربوا مع داعش.
كما إن هناك أمورا سياسية خارجية يمكن الإشارة إليها، فالاستخبارات البريطانية وشركاؤها الدوليون، كالاستخبارات الأمريكية، كانت تتابع تحركات الإسلاميين في العالم ويقومون باستغلالها، وهذا النشاط بالذات هو جزء أساسي من العمل الاستخباراتي الخارجي.
فخلال السنوات العشرين الماضية كانت هناك مشكلات في البوسنة وخطر تدفق المسلحين من هناك، وكلك الآن في ليبيا وأفغانستان وسوريا، فالجهاديون والحركات المسلحة الإسلامية كانت محط اهتمام الاستخبارات الأمريكية والبريطانية.
وهناك تقارير هامة أعدتها MI6 ا والمخابرات المركزية الأمريكية تدل على تورطهم في تدفق الجهاديين والأسلحة من ليبيا إلى سوريا على سبيل المثال لا الحصر، وهذه قصة طويلة سأحاول اختصارها.
فهل القضية أن الاستخبارات الغربية لم تستطع أن تتنبأ بأبعاد خطر نمو هذه المجموعة الإرهابية وتوسعها وما يمكن أن تشكله من تهديد؟ أنا لا أعتقد ذلك، بل ما أعلمه أنهم كانوا يعرفون جيدا مدى خطرها، لكنهم تابعوا تدخلهم وواصلوا دعمهم لها، فهذا جزء، في الحقيقة، من السياسة الخارجية.
وعلينا أن لا ننسى أن MI6، والمشهورة من خلال أفلام “جيمس بوند”، ولكنها ليست كذلك، تشبه إلى حد كبير الاستخبارات المركزية الأمريكية CIA، والذين هم شركاؤنا الأكبر في عالم الاستخبارات، حيث نتبادل معهم المعلومات حول كل شيء تقريبا، نعمل معا ونقوم بتنفيذ عمليات مشتركة، وتاريخ تعاوننا يمتدد إلى فترة زمنية طويلة، والتعاون الحاليَ والمستقبلي يعكس الدور البريطاني.
فإذا تتبعنا ممارسات MI6 نرى أنها مرتبطة بالسياسة الخارجية البريطانية، فبإمكاننا مراقبة تصرفات بريطانيا في السنوات الثلاث الأخيرة، حيث كان لها دور هام في تقوي بعض الأنظمة والدول، كالحال في سوريا. لذلك، ليس من الغريب تورط بريطانيا في الأحداث الأخيرة في الشرق الأوسط…
وهناك سؤال مهم يطرح نفسه هنا: كيف سمحوا ـــ بريطانيا وأمريكاـــ بصعود داعش؟
والجواب أن الخارجية البريطانية والأمريكية مسؤولتان عن ظهور داعش، إضافة، بالطبع، إلى الممولين العرب، والأمر قد لا يكون له علاقة مباشرة بسوريا أو بشكل خاص، بل بالشرق الأوسط ككل والصراع بين السنة والشيعة، والذي استُغل من قبل الغرب.
حتى وإن لم تقم بريطانيا وأمريكا بدعم تلك المجموعات بشكل مباشر، إلا أنها سمحت بدعمهم، لكون هذه المجموعات كانت تُستخدم للضغط على دول صديقة، كالأردن والعراق، بالإضافة إلى أنهم يشكلون تهديدا لحلفاء إيران، وخصوصا سوريا والمالكي.
ومن هنا، نرى أن ظهور داعش وأهدافها متوافقة مع السياسة البريطانية والأمريكية في المنطقة.
وهناك ساسة في الدول الكبرى المؤثرة يرون منافع من استمرار الحملة الجوية وإن لم تُؤت أكلها إلى الآن.
فالقوات العسكرية الأمريكية بإمكانها سحق داعش بسرعة، وبإمكانها إجبارها على الفرار وتحرير المناطق التي تسيطر عليها، لكن الهدف بالنسبة لبريطانيا وأمريكا هو الإبقاء على الصراع مشتعلا في سوريا والعراق.
تشارلز شويبردج: ضابط الاستخبارات البريطانية السابق في جهاز مكافحة الإرهاب