ما الذي يشغل بال الإماراتين الآن؟ هل تقف تلك الموجة من الملابس البيضاء مُتحدية كثبان الرمال أو سباق الهجن أو الصيد باستخدم صقور الشاهين أو ناطحات السحاب المستقبلية؟
على الأرجح؛ فإن ما سبق يُعدّ مُشكلة مُحيّرة لمواطني دولة الإمارات العربية المتحدة الذين بالكاد يُمثلون ما نسبته 10% من المواطنين الموجودين داخل حدود دولتهم.
بالنسبة للإماراتيين؛ فإنهم يحاولون الحفاظ على العادات القبلية؛ بما فيها: أسلوب حياتهم البدوي ضد موجات تسونامي المؤثرات الغربية الناتجة عن العمالة الأجنبية التي وكأنها بدأت تغيير مسار حياتهم.
وكقطرة ماء في بحرٍ من الأجانب – 11% فقط هو عدد الإماراتيين من عدد السكان البالغ 8.5 مليون نسمة – فإنهم يرتدون ملابسهم التقليدية، ويمارسون عاداتهم التي نشأوا عليها كصورة من التعبير عن هويتهم.
وفي الإمارات؛ يرتدي الرجال الكندورة البيضاء بطول الكاحل، وترتدي النساء العباءة السوداء الضيّقة مُعتبرين أنفسهم جزءًا من المواطنيين الإماراتيين الذين لم يستطع بريق الرفاهية الاقتصادية أن يغريهم ليغيروا عاداتهم وتقاليدهم.
«عبدالعزيز المُسلّم» – مدير التراث بوزارة الثقافة والتراث في الشارقة – علّق بقوله: «سنُمحَى من الوجود إذا لم نكن مستعدين لتلك المواجهة الثقافية مع أفرادٍ بعينهم. هذا الحضور الكثيف لمواطنين غير إماراتيين يدفعنا للتمسك بهويتنا».
ويرى الكاتب إنه رغم انضمام الإمارات للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية ضد الجهاديين في سوريا والعراق – وما قيل عن قيادة امرأة إماراتية لفرقة تُمثّل بلادها في تلك الحرب فضلاً عن قيادتها لطائرة أمريكية من طراز إف 16 – إلا أن الإمارات تبقى أُمّةٌ مسلمة مُحافِظة.
ومن الناحية الإجتماعية؛ فإن الكثير من الإمارات السبعة مفتوحة نسبيًا؛ حيث تتجول النساء الأجنبيات بملابسهن ذات الطابع الغربي مختلطاتٍ بنساءٍ إماراتيين تغطيهن العباءات من الرأس حتى أخمص القدم داخل أسواق دبيّ التجارية ذات الأنوار الساطعة.
وفي حالة من التشتت بين الإغراء بالانفتاح وبين مخاطر تتهدد الهوية؛ فإن الإماراتيين يسعون بشدّة للحفاظ على ثقافةٍ يأملون تمريرها للأجيال القادمة.
ملاذٌ اجتماعيٌ
بالنسبة لأي شخص إمارتيّ فإن الاندماج القبلي هو ملاذٌ اجتماعيٌ يسير جنبًا إلى جنبٍ مع العادات المُتمثلة في سباق الإبل؛ والذي تتكلف فيها أجود الحيوانات ملايين الدولارات.
ومن وجهة نظر الكاتب والمُفكّر «سعيد حمدان» فإن: «مجتمعنا قَبَليٌ في طبيعته. هناك قبائل تسكن الصحراء، وهناك قبائل تخيّم على الشواطيء، وهناك قبائل تنصب خيامها على الجبال»، ويعقّب: «القبائل نفسها يشغلها موضوع الاهتمام بالانتماء لقبيلة، وتراثُ كل قبيلة».
جديرٌ بالذكر أنه أُعلن عن قيام الإمارات العربية المتحدة في عام 1970م كاتحاد فيدرالي يتكون من ست إماراتٍ؛ هي أبي ظبي وعجمان ودبي والفجيرة والشارقة وأم القوين، وانضمت إليهم بعد عامٍ إمارة رأس الخيمة.
«الملابس وأسلوب الحياة في البيت والفنون العامة المرتبطة بالإبل والشاهين هي دعائم أساسية للهوية الوطنية التي نريد الحفاظ عليها»؛ هكذا أضاف «سعيد حمدان».
وفي محاولة لإثبات أن تاثير المغتربين محدود أضاف الكاتب إن الإماراتيين يقودون حياتهم الخاصة بشكلٍ مختلفٍ تمامًا؛ حيث إن المغتربين أو الأجانب لهم مدارسهم الخاصة، ويتمتعون بحرية ممارسة شعائر دياناتهم – لكنهم بعيدين عن الحصول عن الجنسية حتى لو مكثوا في الإمارات لعشرات السنوات.
وبالنسبة للزواج؛ فالرجل الإماراتي يُنظر إليه على أنه سيتزوج من أبناء جنسه، وفي الوقت ذاته لا يُوجد ما يمنعه من اتخاذ أجنبية كزوجة ثانية؛ وهو أمرٌ يثير جدلاً داخليًا.
وعلى الرغم من الحداثة المتسارعة، وتحويل المساحات الطبيعية في المدن إلى ناطحات سحاب شاهقة إلا أنّ الإماراتيين القدامى يُفضّلون أسلوب الحياة القديمة؛ حيث يستقبلون ضيوفهم في مجالسهم أو غُرف اجتماعاتهم. في تلك المجالس المُخصصة داخل بيوتهم تُقدّم القهوة العربية بمذاق الحبّهان بجوار التمر وهم يُناقشون قضاياهم الراهنة، وفي الوقت ذاته؛ فإن حُكّام هذه الدولة يفتحون مجالسهم للمواطنين الباحثين عن سخائهم أو الراغبين رفع شكايتهم.
وعن ما يميز الإماراتيين ويجعل التعرف عليهم سريع وسهل إذا غادروا بلادهم يسوق الكاتب: عطرهم الفوّاح، وملابسهم التقليدية، وعلامات الثراء التي تحوطهم. ويؤكد على ذلك «غسّان حجاج» – الخبير في البروتوكول – إن المواطنين الإماراتيين معروفون بشغفهم للعطور الفواحة التي تأسر العقل؛ والتي تقوم على العود والعنبر والمسك والورد، تلك المنتجات التي تُعدّ تاريخيًا جزءًا من تجارة القوافل بالمنطقة.
ويُنتج المصنوعون الرئيسيون عطورًا خاصةً لدول الخليج العربي وكنادير تقليدية وأغطية رأس يمكنها أن تنافس الماركات الغربية العالمية الشهيرة. وعلاوة على ذلك فإنها تعزز الهوية من خلال ما تضفيه على المظهر الخارجي، وترغب الحكومة في التأكد من أن الشباب الإماراتي مؤهلٌ للالتحاق بالعمالة؛ لتتخذ خطواتٍ من شانها أن تقلل الاعتماد على العمالة الأجنبية.
وبحسب «المُسلّم»؛ فإن التحدي الذي يواجه الإمارات هو آلية الحفاظ على الهوية في مجتمع بدأ عملية التحوّل تحت تأثيرين؛ أولهما: المهاجرين، وثانيهما: التكنولوجيا الحديثة، مستائلاً: «هل ينبغي أن نتغير لنواكب الحداثة عندما نبني دولة أو نحافظ على ثقافتنا؟»؛ وأردف: «على مدار الـ40 سنة بقينا كما نحن».
المصدر | وسام كيروز، يور ميدل إيست
ترجمة وتحرير: الخليج الجديد