على الرغم من أن عدة دول من مجلس التعاون الخليجي تشارك في الضربات الجوية التي تقودها الولايات المتحدة في سوريا، إلا أن الخلاف بين حكومات دول مجلس التعاون يستمر كأمر قد تكون له عواقب خطيرة.
والطريقة التي انضمت من خلالها قطر والسعودية والبحرين والإمارات العربية المتحدة إلى الحرب ضد الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) تعكس الأبعاد الخفية وراء سياسات هذه الدول الداخلية، ووراء الاختلافات في سياساتها الخارجية. وبالنسبة للولايات المتحدة، فإن الخطر يكمن في الدخول في صراع كبير متعدد الأطراف، بعد تحالف هو سطحي في أحسن الأحوال.
وببساطة، الفوز في الحرب الأيديولوجية مع تحالف لا يتقاسم أيديولوجية مضادة واحدة هو إشكالية. ومن بين دول مجلس التعاون الخليجي، تظهر السياسات الخارجية لقطر، والإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، الاختلافات البارزة بشكل خاص. بينما الأعضاء الآخرون، مثل الكويت، والبحرين، وسلطنة عمان، فهم يميلون إلى القيام بدور خارجي أقل شأنًا.
وكما يصفها أستاذ العلوم السياسية في الإمارات عبد الخالق عبد الله، “داعش هي لاصق سحري” ربط دول مجلس التعاون الخليجي معًا، وربما مؤقتًا.اولكن ليس من المرجح أن الاستراتيجيات الأوسع للدوحة وأبو ظبي والرياض، سوف تتغير، لأنها تعكس مواقف أيديولوجية عميقة ومتباينة حول الإسلام السياسي، ورؤى متنافسة حول طرق بناء الدولة.
الباب الإسلامي لقطر ما زال مفتوحًا
وخلافًا للتصورات الأولية، لم ينتهِ الصدع بين دول مجلس التعاون الخليجي في 14 سبتمبر، عندما طردت قطر سبعة أعضاء قياديين في جماعة الإخوان المسلمين من أراضيها. هذه الخطوة كانت مجرد لفتة من قبل أمير البلاد، الشيخ تميم آل ثاني، والذي كان حريصًا على منح نفسه غطاءً محليًّا بعد يومين من هذا القرار، من خلال زيادة إعانات البطالة، وصافي مدفوعات الأمان الاجتماعي للمواطنين.
كما أنشأ وزارة جديدة لتنظيم الجمعيات الخيرية، وهو ما يدل على جهد مزدوج لاسترضاء القطريين الأقل ثراءً، ومراقبة أولئك الذين لديهم وسيلة لدعم الجمعيات الإسلامية في الداخل والخارج.
وهذه التنازلات المحدودة، والتي أعقبت المطالب السعودية والإماراتية بإحكام السيطرة على النشاط السياسي الإسلامي في قطر، هي مهمة، ولكنها لا تغير من اتجاه تدخل الدوحة في الشؤون الإقليمية. سياسة الباب المفتوح التي اتبعتها الحكومة في الدوحة من خلال استضافة مجموعة من الإسلاميين، بما في ذلك الشيشان وطالبان، كانت موجودة منذ عقدين على الأقل، ومن غير المرجح أن تتغير. هذه السياسة تقع في قلب مشروع قطر لبناء هيبتها، وتمييز نفسها عن غيرها من البلدان في المنطقة.
كما إنّ الدوحة تتنافس مع الإمارات العربية المتحدة لكسر الهيمنة السعودية في الخليج، وربما في الشرق الأوسط الكبير، وخاصةً في أعقاب زعزعة الاستقرار في مصر، وتفكك العراق، وعزل إيران منذ عام 2011.
ولكن، وخلافًا لدولة الإمارات العربية المتحدة، لا تملك قطر ثقافة التجارة، أو الهيكل الاتحادي الذي يسمح بالتباين في الهجرة والسياسة الأمنية. وعلى عكس من المملكة العربية السعودية، لا تستند قطر بقوة إلى الوهابية أو المبادئ الدينية المحافظة الأخرى. وكانت قطر قادرة على تحول هويتها المتميزة هذه إلى سياسة خارجية تدعم المشاركة.
لماذا تراجعت قطر؟
منذ خلفَ الشيخ تميم والده في العام الماضي، شهدت قطر تباطؤًا اقتصاديًّا، حيث حاولت القيادة الجديدة التدقيق في أنماط الإنفاق أكثر من سابقاتها، وخصوصًا السخاء في الإنفاق الذي تميز به رئيس الوزراء السابق، حمد بن جاسم آل ثاني.
وأدى هذا إلى تجميد الإنفاق والتوظيف داخل الوزارات ومشاريع التعليم والرعاية الصحية التي تمولها الدولة، فضلًا عن تخفيض نفقات الموظفين. وأدى هذا أيضًا إلى عودة السلطة المؤسسية للوزراء، بعيدًا عن العديد من المجالس واللجان الخاصة، التي تم إنشاؤها تحت سلطة الشيخة موزة بنت ناصر، والدة الشيخ تميم والزوجة الأكثر نشاطًا سياسيًا للأب الأمير السابق، الشيخ حمد.
وعلى الرغم من أنه تم النظر إلى هذه الإجراءات على أنها حكيمة وخطوة إيجابية محتملة، إلا أن توقيتها كان في غير محله، لأن المنافسة داخل دول مجلس التعاون الخليجي من أجل السيطرة على القيادة الإقليمية كانت أكثر اشتعالًا بكثير في الآونة الأخيرة.
وعلى الصعيد الدبلوماسي، تخيم مشاعر العزلة والانتظار على المجال السياسي والاجتماعي في قطر. ففي حين لا تزال رحلات الطيران تعمل بين دبي والدوحة بشكل كامل، لا يزال المسؤولون في الإمارات العربية المتحدة، وخاصةً من يعملون في مجال السياسات الاجتماعية، لا يقبلون دعوات حضور المؤتمرات في قطر خوفًا من العقاب عند العودة إلى الإمارات.
وعلى سبيل المثال، عندما دُعي الإماراتيون العاملون في القطاع العام لحضور مؤتمر الدوحة الأخير حول حقوق الإنسان، عبّر هؤلاء عن قلقهم من أن حتى ختم قطر على جوازات سفرهم قد يخلق صعوبات بالنسبة لهم، وقد يثير الامتعاض من قبل قيادة دولة الإمارات العربية المتحدة.
وفي الوقت نفسه، فإن التباطؤ في مشاريع البنية التحتية والبناء في قطر هو أمر ملحوظ. مقاولون وعمال صرحوا بأنهم لم يتلقوا أجورهم، وتحدثوا عن تأخير في إبرام الاتفاقات. وفي الدوحة، يتكهن البعض بأن هذا يعكس السلوك الانتهازي من قبل المستثمرين الإماراتيين والسعوديين، الذين لا يرون مشاكل تذكر في خرق العقود.
وأيضًا، بعض من أكبر شركات المقاولات لديها مشاكلها الداخلية المالية، وهذا سبب أكثر احتمالًا للمشاريع غير المكتملة. ثروة قطر هائلة، ولكن دخلها غير منوع نسبيًا، ومرتبط بمشاريع تسليم الغاز طويلة الأجل وبأسعار ثابتة.
قراءة ما بين السطور في الإمارات العربية المتحدة
وبصرف النظر عن فائدته الواضحة كأداة ضد قطر، موقف دولة الإمارات العربية المتحدة الحاد ضد الإسلام السياسي هو هش وضعيف، حيث إن الحكومة تبالغ على نطاق واسع في تهديد هذا الإسلام السياسي للأمن الداخلي في الإمارات.
وهذا الاتجاه في السياسة الإماراتية لا يرتبط بشكل كبير بصعود داعش، بقدر ارتباطه بمشروع بناء الدولة الذي يجري العمل عليه حاليًا في أبوظبي، والذي يهدف إلى تركيز السلطة داخل العاصمة، وتوحيد الأجهزة الأمنية التي يسيطر عليها ولي العهد محمد بن زايد آل نهيان وإخوانه.
وقد تطورت السياسة الخارجية الإماراتية بهدوء، ولكن العمليات العسكرية الأخيرة للبلاد في ليبيا وسوريا هي استراتيجيات بناء هيبة، لإظهار قدرات قواتها المسلحة، وتعزيز تطلعاتها في القيادة الإقليمية. وهذا النهج التدخلي يتميز بأنه تجريبي وجريء على حد سواء، وغالبًا ما يتم دون التنسيق مع الولايات المتحدة أو الحلفاء الإقليميين.
الانعكاسات على سياسة الولايات المتحدة
التوترات داخل دول مجلس التعاون الخليجي تشكل تهديدًا لتماسك التحالف الدولي ضد داعش. وبالتالي، ينبغي على واشنطن تشجيع شركائها في الخليج على تجاوز التنافسية التي شابت علاقاتهم مؤخرًا.
وأما بالنسبة لقطر، وعلى الرغم من أنه من غير المرجح أن تنحرف الإمارة بشكل حاد عن مسارها المثير للجدل في التدخل بشؤون الخارج، إلا أنه يجب على الشيخ تميم التخفيف من هذه الميول، وتعزيز قوة الداخل القطري. كانت سياسة الباب المفتوح للدوحة مفيدة للولايات المتحدة في الماضي، ولكنها تخاطر حاليًا بخلق صورة من التهور، والتواطؤ مع التطرف العنيف.
كارين يونغ – معهد واشنطن لدراسات الشرق الأوسط