استنكر الكاتب بلال فضل، استخدام الدكتور الأحمدي أبوالنور، وزير الأوقاف الأسبق حديث “إذا أحب الله عبدًا دعا جبريل فقال إني أحب فلانًا فأحبه…” خلال خطبة عيد الأضحى كدليل على أن الله وملائكته يحبون الرئيس عبدالفتاح السيسي وإلا “ما تحقق له القبول على الأرض وأحبه العالم”.
وحذر فضل في مقاله المنشور بجريدة “العربي الجديد” اليوم من أن ما قال أبوالنور “يمكن أن يكون سلاحًا في أيدي أعداء دين الله، الذين يمكن أن يبثوا دعاياتهم الإلحادية في أوساط شبابنا الغر اليافع، ليطلبوا منهم أن ينظروا إلى أحوال مصر التي لا تسر عدوًا ولا حبيبًا، ويسألوا أنفسهم: إذا كان هذا هو حال البلد التي يحكمها رئيسٌ يحبه الله وملائكته، فكيف سيكون، إذن، حال البلاد التي يحكمها رئيس يحبه مردة الشياطين وعتاة الأبالسة”؟
وقال فضل “بالطبع، لم تكن العبارات الخرقاء التي قالها الشيخ ستمر مرور الكرام، لو كانت قد صدرت منه في حضور الرئيس المعزول محمد مرسي، وكان سينقض عليه حينها مئات الغيورين على الدين، وآلاف المفجوعين على مدنية الدولة، ولم تكن بعدها ستفتح حنفية، إلا وانهمرت منها دموع مدرارة، تبكي على الدين الذي يتاجر به المشايخ، وتنعي الدولة التي هُتكت مدنيتها في وضح نهار العيد، وكانت ساحات وغى التوك شو ستمتلئ بالفرسان الذين سينهالون طعنًا في مرسي، لأنه صمت على كلام الشيخ، ولم يصعد إلى المنبر، ليجيئ به من رقبته، ويحثو في وجهه التراب، كما أوصى نبينا أن نفعل مع المداحين، فما بالك بالهجاصين ممن يلوون أعناق النصوص لإرضاء الحكام؟ لم يحدث كل هذا”.
وفيما يلي نص المقال:
عاجل من جبريل
“الأهم من الشغل تزبيط الشغل”، تلك حقيقة لم يتذكرها وزير الأوقاف المصري الأسبق، الشيخ الأحمدي أبو النور، حين استخدم في خطبة عيد الأضحى الرسمية حديث (إذا أحب الله عبداً دعا جبريل فقال إني أحب فلاناً فأحبه…) كدليل على أن الله وملائكته يحبون المشير، عبد الفتاح السيسي، وإلا “ما تحقق له القبول على الأرض وأحبه العالم”.
لم يكن أحد سيلوم الشيخ، لو قال إن كلامه مجرد استنتاج شخصي، لأن السماء توقفت، منذ اكتمال الوحي، عن إرسال رسائل تعبر عن موقفها مما يحدث على الأرض، وإلا لما كان الله قد أكمل لأمة المسلمين دينها، وجعل حسابه معها يوم الحساب، يوم لا ينفع جيشٌ ولا بنون. أو لو كان أكثر صراحة، فقال، إنه يعرف أن الملائكة لا شأن لها بصراعات حكام الأرض. لكن، بما أن الشيخ يوسف القرضاوي اعتبر أن رجب طيب أردوغان مؤيد من الله وجبريل وملائكته، فلماذا لا يستجلب هو أيضاً الملائكة لنصرة السيسي، “جت على السيسي يعني؟”، أو لو كان أكثر إقناعاً ومنطقية، فقال، إنه متأكد من وجود ملائكة يحبون السيسي، أبرزهم عزرائيل، فلا يوجد أحد ساعده في مهمته أخيراً، كما فعل السيسي ورجال دولته، أو لو كان أكثر حيطةً، فأكد أن استفادة السيسي من الحديث لا تعني تطبيقه حرفيّاً على غيره، وإلا لكانت مونيكا بيلوتشي أحق من السيسي بما قاله الشيخ، فليس على ظهر البسيطة أحد يحبه عباد الله مثلها.
الشيخ معذور، أخذته الحماسة فقرر أن يضرب “عيارين محبة” في حضور السيسي، لعله يقدّم أداءً أكثر إمتاعاً من الذي يقدمه مفتي الديار الغارقة، علي جمعة، أو الدكتور سعد الدين البحبحاني ـ الهلالي سابقاً ـ لكنه لم يدر أن ما قاله يمكن أن يكون سلاحاً في أيدي أعداء دين الله، الذين يمكن أن يبثوا دعاياتهم الإلحادية في أوساط شبابنا الغر اليافع، ليطلبوا منهم أن ينظروا إلى أحوال مصر التي لا تسر عدواً ولا حبيباً، ويسألوا أنفسهم: إذا كان هذا هو حال البلد التي يحكمها رئيسٌ يحبه الله وملائكته، فكيف سيكون، إذن، حال البلاد التي يحكمها رئيس يحبه مردة الشياطين وعتاة الأبالسة؟
أتعبت مصر الملائكة معها كثيراً خلال العامين الماضيين، فقد أضيف إلى مهماتهم التي قرأنا عنها في كتب التراث مهمة عويصة، هي دعم الرؤساء المصريين، في أيام حكم سيّء الذكر، محمد مرسي، تم استدعاء الملائكة كثيراً لدعمه. وبعد ثلاثين يونيو، كان لدى أكثر من ملاك مهم حضور بارز في ميدان رابعة العدوية، طبقاً لما ادعاه بعض ممتطي منصتها، ولولا أن الملائكة معصومون من غدر الرصاص، لكانوا قد انضموا إلى قائمة ضحايا مذبحة رابعة من البشر الذين لم يصدّقوا فقط أن محمد مرسي مدعوم من ملائكة السماء، بل صدقوا، أيضاً، أن جيشهم وشرطتهم لا يمكن، أبداً، أن تمارس القتل الجماعي، بصورة لم تعرف لها مصر مثيلاً من قبل.
بالطبع، لم تكن العبارات الخرقاء التي قالها الشيخ ستمر مرور الكرام، لو كانت قد صدرت منه في حضور محمد مرسي، وكان سينقض عليه حينها مئات الغيورين على الدين، وآلاف المفجوعين على مدنية الدولة، ولم تكن بعدها ستفتح حنفية، إلا وانهمرت منها دموع مدرارة، تبكي على الدين الذي يتاجر به المشايخ، وتنعي الدولة التي هُتكت مدنيتها في وضح نهار العيد، وكانت ساحات وغى التوك شو ستمتلئ بالفرسان الذين سينهالون طعناً في مرسي، لأنه صمت على كلام الشيخ، ولم يصعد إلى المنبر، ليجيئ به من رقبته، ويحثو في وجهه التراب، كما أوصى نبينا أن نفعل مع المداحين، فما بالك بالهجاصين ممن يلوون أعناق النصوص لإرضاء الحكام؟ لم يحدث كل هذا، ليس لأن دولة السيسي ثقيلة اليد وقرصتها والقبر، بل لأن الوطن مستهدف، ويمكن للتذكير بالحقيقة المُرة أن يجعله “زي سورية والعراق”. لذلك، لا ضير إذا تأخرت مدنية الدولة إلى أجل غير مسمى، ولا بأس من التجارة بالدين، إذا كانت “على الناشف”.
هذا وحتى يتوب الله علينا من المعايير “أم ذمة أستك”، سيبقى سيدنا جبريل حاضراً في خدمة كل رئاسات الجمهورية، إلى أن يصحو المصريون يوماً، ليجدوا على موبايلاتهم رسالة قصيرة من جبريل عليه السلام، تقول لهم “حلّوا عن سمايا”.