“حرب الولايات المتحدة على التنظيم الإرهابي تراوح مكانها بسبب تردد الدول العربية والإسلامية، ومن ضمنها السعودية وقطر. هذا التردد ينبع من حقيقة أن بعض هذه الدول متورط حتى النخاع في صناعة المسخ الداعشي الذي يهدد أمنها الآن”.
بهذه الطريقة استهل دكتور “يارون فريدمان” محلل الشئون العربية مقاله بصحيفة “يديعوت أحرونوت”، حول أسباب تأخر القضاء على تنظيم داعش، وقال إن الوتيرة البطيئة للحرب تتعلق بالأزمة الاقتصادية التي تعاني منها الولايات المتحدة، وخوفها من تورط جديد بالعراق.
وأضاف: ”لكن هناك سبب رئيسي لذلك، وهو تردد الدول العربية والإسلامية في الحرب على الدولة الإسلامية. فقد كشفت الحرب على داعش الجوانب المظلمة للسياسة الشرق أوسطية. فمعظم دول المنطقة وكذلك التي انضمت للتحالف، متورطة حتى النخاع في صنع وتقوية التنظيم، كيف ذلك”؟
المحلل الإسرائيلي أشار إلى ما وصفه بالدور القطري في دعم التنظميات الإرهابية في المنطقة، ما أدى إلى تعميق الخلافات بين عدد من دول مجلس التعاون الخليجي والدوحة، على خلفية دعم الأخيرة لداعش بالعراق والحوثيين الشيعة في اليمن وحماس في قطاع غزة والإخوان المسلمين في مصر، على حد وصفه.
وتابع فريدمان: ”صراع الأنا بين المملكة السعودية وقطر اجتاح العالم العربي بأسره، ففي الوقت الذي تدعم فيه السعودية الجيش، تدعم قطر الإرهاب، في مصر تدعم السعودية الرئيس عبد الفتاح السيسي وقطر الإخوان المسلمين. وفي اليمن تدعم المملكة الجيش وقطر الحوثيين، في لبنان أرسلت السعودية أموالاً للجيش وقطر أرسلت أموالاً للجهاديين، في سوريا ساعدت السعودية الجيش السوري الحر والجبهة الإسلامية، وقطر ساعدت الجهاديين بمن فيهم جبهة النصرة”.
واعتبر محلل “يديعوت” أن هناك الكثير من الدلائل التي تكشف تورط كل من قطر وتركيا مع تنظيم القاعدة، على رأسها القضايا المبهمة، لإطلاق سراح عشرات الرهائن بوساطة قطرية وتركية في شهر سبتمبر الماضي، كانت جماعات تابعة للقاعدة تحتجزهم.
لا يوجد زعيم غربي واحد يتجرأ على التصريح علانية أن تنظيم داعش تحصل على جزء كبير من قوته بفضل تركيا، فالتصريح بذلك قد يضر بالعلاقات الدبلوماسية والاقتصادية الغربية مع الدولة التي تصنع بأسعار مقلصة منتجات كثيرة على مسافة قصيرة نسبيًا في حوض البحر المتوسط.
إذا ما نظرنا لخارطة الشرق الأوسط، نجد أن معظم متطوعي داعش من غير العراقيين أو السوريين، ليس بإمكانهم الوصول عن طريق الدول المحيطة بالتنظيم، فقد أغلقت كل من الأردن وإسرائيل حدودهما، والنظام السوري وحزب الله يقاتلهم من الغرب، والنظام العراقي يقاتلهم من الشرق، والجيش السعودي على أهبة الاستعداد بالقرب من الحدود.
أي أن الاختراق الرئيسي يتم عبر تركيا من الشمال، حيث تسمح تركيا لآلاف المتطوعين الجهاديين من كل أرجاء العالم بالمرور عبر حدودها إلى “الخلافة الإسلامية” المزعومة، على حد وصف “فريدمان”.
وزعم الكاتب أن هناك اتفاقًا غير مكتوب بين داعش وتركيا، يتضمن النضال لتصفية أعداء مشتركين، مثل النظام الشيعي في العراق، والنظام العلوي في سوريا، وفوق كل ذلك تصفية الأكراد في الدولتين. إضافة لذلك، تم الكشف مؤخرًا عن انضمام عدد غير قليل من الأتراك لداعش من بينهم ناشطي IHH (مؤسسة حقوق الإنسان والحريات) الذين شاركوا في أسطول الحرية لغزة عام 2010.
“فريدمان” ادعى أن تنظيم “الدولة الإسلامية” مستوحى بلا شك من جماعة الإخوان المسلمين، التي وصفها بجماعة إسلامية نصف سرية سيطرت على تركيا قبل نحو عقد ونصف، ومنذ عامين سيطرت على مصر وتونس من خلال انتخابات للحكم في أعقاب الربيع العربي. وقال إن الحلم التركي – العثماني بعودة الإمبراطورية عبر موجة من الثورات الإسلامية قد تبخر مع “الانقلاب العسكري” الذي قاده الجنرال عبد الفتاح السيسي في صيف 2013.
دعم تركيا للإخوان المسلمين أوجد توترًا كبيرًا بينها وبين النظام المصري الجديد، في نوفمبر من ذلك العام طردت مصر السفير التركي، وردت تركيا بطرد السفير المصري. واتهمت مصر برئاسة السيسي تركيا مؤخرًا بشكل علني بدعم الإرهاب في الشرق الأوسط.
كذلك امتنعت إيران ونظام بشار الأسد عن ضرب داعش طالما كان التنظيم مشغولاً فقط بتصفية الثوار السنة في سوريا. النظام العراقي الشيعي أيضًا أبدى ارتياحًا لسيطرة داعش على المناطق السنية في الشرق، وبذلك برر نظام رئيس الحكومة السابق نوري المالكي تلقي الجيش العراقي لمساعدات مالية من الدول الغربية.
السعودية التي تقف اليوم على رأس المؤيدين لقتال داعش، هي الأب الروحي للتنظيم، فالسعودية قامت في الأساس على أيديولوجية وهابية متعصبة منحت تفسيرات متطرفة للمذهب الحنبلي في الإسلام، واعتبرت باقي المسلمين كفارًا، وفقًا لتعبير “يارون فريدمان”.
وخلص محلل “يديعوت” إلى أن معظم دول المنطقة متورطة بطريقة أو بأخرى في صناعة “المسخ الداعشي”، سواء من خلال تعليم التطرف (تونس دول الخليج والسعودية)، أو عبر تشويه سمعة المعارضين السياسيين (تركيا وقطر)، الكراهية للشيعة (المعارضة اللبنانية والعشائر النسية بالعراق)، أو عبر تصفية جماعات معارضة سنية أخرى كما فعل (النظامان السوري والعراقي).
لكن لم يفكر هؤﻻء – والكلام لـ”فريدمان”- في أن التنظيم الذي صنعوه سيصبح بهذه القوة لدرجة فرض سيطرته على حقول النفط ويشكل تهديدًا في نهاية الأمر على الأمن، هذه الدول لم تتخيل أن يكشف الأمر بقوة سياستها المنافقة ودعمها المستمر للإرهاب، الآن تنجر معظم دول المنطقة للحرب على داعش ليس إنطلاقًا من أيديولوجية بعينها، بل من الخوف وانعدام الخيارات.
وختم الكاتب مقاله قائلاً: ”موجة النازحين الأكراد الذي فروا بحياتهم لجنوب تركيا والتقدم غير المتوقع لداعش تجاه الحدود التركية، هو ما حرك البرلمان التركي للتصويت على الانضمام للتحالف ضد داعش قبل أسبوع، الآن قرار الانضمام للتحالف من عدمه في يد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، هل يتم السماح لطائرات التحالف والقوات الخاصة بالهجوم من تركيا؟ تغيير تركيا سياستها سيؤثر بلا شك بشكل حقيقي على وتيرة الحرب”.
معتز بالله محمد