في 2011 انتفضت الشوارع المغربية أيضا وامتلأت بالغاضبين.. عجت الميادين بالمقهورين، وخرج الشبان الحالمون يتزعمهم الإسلاميون وبقايا قوى أقصى اليسار. وبينما كان “الرفاق” يرددون شعار “لا تصالح”، ركب الإسلاميون قطار السلطة.
كان قرار “حزب العدالة والتنمية” إخلاء الشوارع أول ضربة موجعة يتلقاها “20 فبراير” في المغرب، قبل أن يبدأ التلاشي التدريجي للحراك عقب سحب فصيل إسلامي آخر (جماعة العدل والإحسان) أنصاره من الشوارع.
“تشتت حركة 20 فبراير، لكن روحها حية لا تموت” يقول الشاب محمد التسولي، الذي يبث برنامجا ساخرا يحظى بمتابعة كبيرة على شبكة الإنترنت في المغرب.
انتقل هذا الشاب، 25 سنة، من شوارع مدينة الدار البيضاء إلى منصات العالم الافتراضي بحثا عن بدائل أخرى لإيصال رسائله إلى المغاربة، بعد أن فشلت “حركة 20 فبراير” في دفع النظام السياسي لإحداث تغييرات جذرية في الدستور.
السخرية كنضال
يقول التسولي إن “الإسلاميين نسفوا حركة 20 فبراير في المهد. أجهضوا انتفاضة كانت ستقود إلى إقرار ملكية برلمانية في المغرب”، وهو مطلب لقطاع عريض من الحقوقيين في المغرب.
ويضيف لـ”موقع قناة الحرة”، أن السخرية السياسية، التي يقوم بها جزء، من “النضال من أجل التغيير وتحقيق الديمقراطية” في المغرب، مشيرا إلى أن برنامجه يحظى بنسب متابعة عالية، لأنه اختار “تناول المواضيع السياسية من دون خطوط حمراء ولا رقابة ذاتية”.
بالاعتماد على السخرية والكوميديا السوداء لانتقاد الأوضاع السياسية في البلد، استطاع برنامج “التسوليزم”، جذب أكثر من نصف مليون مشاهد على منصات التواصل الاجتماعي خاصة يوتيوب، ما دفع بعض المؤسسات الإعلامية لمحاولة احتضان برنامجه.
ويؤكد التسولي أنه تلقى عروضا كثيرة من مؤسسات إعلامية محلية، غير أن جلها تريد أن تفرض “مواضيع تبتعد عن نقد الممسكين بزمام السلطة” في هذا البلد. الخط التحريري لبرنامج التسوليزم يرفض ذلك، يقول التسولي، “نحن نكسر كل التابوهات والخطوط الحمراء، وهذا بالضبط سر نجاحنا منذ البداية”.
باسم يوسف المغرب؟
يواجه التسولي، موظف بنكي سابق، عدة انتقادات من بينها استنساخ برنامج “البرنامج” لصاحبه الإعلامي المصري باسم يوسف. لا ينزعج من ذلك، بل يعتبر أنه لا توجد حالة إبداع من فراغ، على حد تعبيره.
يقول إن “باسم يوسف أيضا نقل تجربة برنامجه من الإعلامي الأميركي جون ستيوارت”، مضيفا “أنا أدافع عن قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان في قالب إبداعي وجدته مناسبا، وقد تجاوب معه المؤمنون بنفس القيم. ومن حق الجميع انتقاد التجربة”.
أخرج التسولي، وهو أحد وجوه حركة “20 فبراير” في المغرب، “البودكاستينع” من تناول موضوعات مستهلكة وسطحية أحيانا، ليتناول مواضيع مصيرية تهم مستقبل المغرب انطلاقا من وجهة نظره، كالاعتقال السياسي، وغياب الديمقراطية، وانعدام التقسيم العادل للثروة، حسبما يقول.
ويؤكد الاعلامي الساخر، أن “الإعلام العمومي في المغرب يضيق الخناق على المناضلين. اخترت يوتيوب لمواصلة النفخ في حركة (20 فبراير) أفشلوها قبل أن تحقق أهدافها”.
وإذا كان برنامج باسم يوسف، خلال فترة حكم الرئيس المعزول محمد مرسي، حجرا مزعجا في حذاء إسلاميي مصر، فإن التسولي أيضا يخصص حيزا كبيرا من حلقاته لانتقاد حزب “العدالة والتنمية” الحاكم في المغرب. ويتعرض برنامجه لانتقادات قاسية من قبل المتعاطفين مع الإسلاميين، بسبب جرأته في انتقاد زعيمهم ورئيس الحكومة عبد الإله بنكيران.
وقد وصفه في إحدى حلقاته بـ”العازل الطبي” الذي يوظفه النظام السياسي، لخدمة أجنداته، قبل أن يتخلى عنه كما حدث للاشتراكيين في نهاية التسعينات من القرن الماضي.
وقد حاول أنصار حزب العدالة والتنمية، على حد رأي التسولي، دفع إدارة موقع فيسبوك لإغلاق صفحته.
وعن سبب تهجمه على “إسلامي القصر”، كما يسميهم، يقول التسولي إن “رئيس الحكومة هو الذي فرط في صلاحياته لفائدة الملك، هو الذي حرق جيوب المغاربة برفع أسعار المواد الغذائية، هو الذي رفع سن التقاعد إلى 65 سنة..”، وتساءل: “إذا لم أنتقد هذا الرجل، فمن يستحق ذلك؟”
ومن بين المنتقدين للتسولي، الكاتب الساخر تقي الدين التاجي، الذي يؤكد أن البرنامج “فقير من ناحية النص والسيناريو والأداء”. مضيفا لـ”راديو سوا”، صاحبه أيضا “يتكلف كثيرا ويتصنع بل يبالغ في استعمال ملامح الوجه. وقد أخذ قالب باسم يوسف من دون أي اجتهاد”.
“التسوليزم” والملك
يعتبر محمد التسولي أن الحاكم الفعلي في المغرب هو الملك محمد السادس، أما الأحزاب السياسية، فوظيفتها هي إعطاء الشرعية للنظام السياسي الحالي في الاستمرار، مضيفا أن “الناس تلوم بنكيران اليوم على كل شيء وكأنه المسؤول الفعلي عما يقع في البلد. الحقيقة هي غير ذلك. الجميع يعلم أن كل السلط بيد الملك”.
ويؤكد التسولي أنه ينتقد بنكيران لأنه سمح لنفسه بأن يكون “بيدقا تحركه أيادي المخزن”، مضيفا لقد أضحى “عائقا أمام الديموقراطية في المغرب. يرضخ لضغوط القصر، وليس لديه نية في مسايرة مطالب الشعب بتطبيق صلاحيات يخولها حتى الدستور المغربي الحالي على علاته”.
وعن سبب تركيزه النقد على الأحزاب السياسية فقط وليس على الملك، أكد التسولي أن الحلقات المقبلة “ستحمل الجديد”، مردفا “الانتقادات المبطنة للملكية موجودة في معظم الحلقات، خاصة تلك التي خصصتها لخطاب ألقاه الملك مؤخرا، وتساءل فيه أين ذهبت ثروة المغاربة؟”