بالنسبة للمدن الصحراوية مثل «دُبي» و«أبوظبي» فإن الترف والرفاهية والأمن في منطقة يُمزقها الصراع هي أشياء يُبذلُ الغالي والرخيص في سبيل الدفاع عنها.
لم يمنعها اهتمامها ببناء الأسواق التجارية الفخمة وناطحات السحاب من المشاركة في الحرب على تنظيم «الدولة الإسلامية» وبصورة لفتت انتباه المعنيين بالأمر، ففي الأسبوع الماضي شاركت الإمارات في الضربات الجوية التي تقودها الولايات ضد «الدولة الإسلامية» ما يؤكد حجم التهديدات من الإرهابيين الذين سيطروا مؤخرًا على مدنٍ في العراق، وبسطوا نفوذهم على أراض جديدة في سوريا الشهر الجاري.
من جانبه صرح «غانم نسيبة» –مؤسس كورنر ستون جلوبال أسوشييتس– «أنه أكثر من مجرد خط أحمر لهم؛ وهذا هو السبب وراء مسارعتهم للمشاركة في هذه الضربات»، مُحذرًا من «أنّ تنظيم الدولة الإسلامية لديه القدرة على التمدد حيث لا يُوجد تنظيم القاعدة».
وتنظر الإمارات وغيرها من دول الخليج إلى الجماعات الإسلامية بمثابة الخطر المحدق المتربص باقتصادهم المزدهر وإمبراطوريتهم الملكية التي لم تتطرق إليها الثورات التي اندلعت قبل أربع سنوات وعُرفت باسم «الربيع العربي»، ومن الناحية العسكرية تمتلك الإمارات واحدًا من أقوى أسلحة الجو في العالم، وعملت على زيادة مشاركاتها العسكرية خلال الأشهر الأخيرة، ما دفع بمسئولين أمريكيين بإعلان أن الإمارات ومصر عملتا خلال أغسطس/آب الماضي كفريق واحد لقمع الإسلاميين في ليبيا.
وفي حديثه أمام «الأمم المتحدة» 27 سبتمبر/أيلول الماضي صرّح وزير الخارجية الإماراتي الشيخ «عبدالله بن زايد آل نهيان» أنّ خطر تنظيم «الدولة الإسلامية» أخذ طريقه في التمدد إلى ما وراء منطقة الشرق الأوسط.
استراتيجية مُوحّدة
وأضاف وزير الخارجية: «وتحث الإمارات العربية المتحدة المجتمع الدولي وأعضائه على التعاون في صدّ هذه المجموعات الإرهابية، وتبنّي إجراءات شاملة لمواجهتها من خلال استراتيجية واضحة ومُوحّدة».
وقدمت الإمارات العام الماضي 94 شخصًا ينتمون لجماعة «الإخوان المسلمين» إلى المحاكمة بناءً على تهمٍ تتعلق بالتآمر على إسقاط الحكومة، وقامت بإنعاش الاقتصاد المصري بمليارات الدولارات منذ إسقاط الرئيس «محمد مرسي» إثر انقلاب قام به الجيش في 3 يوليو/تموز العام الماضي.
وفي معرض دفاعها عن نفسها بشأن الاتهامات الموجّهةِ لها بالتدخل العسكري في ليبيا الشهر الماضي خرجت التصريحات الإماراتية لتشير إلى أن الاتهامات ما هي إلا محاولة لصرف الأنظار بعيدًا عن الاضطرابات السياسية التي تعانيها ليبيا جرّاء الإسلاميين الموجودين داخل حدودها، وأعلنت الإمارات مشاركتها في الضربات الجوية ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» في سوريا ضمن أكبر مغامرة عسكرية أمريكية-عربية منذ حرب تحرير الكويت عام 1991م.
أكثر حزمًا
«الإمارات الآن تعمل بحزمٍ أكثر»؛ هكذا وصف «عبدالخالق عبدالله» المحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية في «جامعة الإمارات» الموقف الحالي للإمارات خلال مقابلة تليفزيونية معه مضيفًا: «النظام الإقليمي الخليجي أصبح ملموسًا من ذي قبل، فقد صار واضحًا الصديق من العدو، ومن ثمّ فالحضور ينبغي أن يكون أقوى من ذي قبل».
وظهرت أولى بشائر التغيُّر في السياسة الخارجية الإماراتية مع القيادة الجديدة التي خلفت مؤسس الدولة الشيخ «زايد بن سلطان آل نهيان» عام 2004 بعد 33 عامًا قضاها في الحكم، وفي الوقت الذي شاركت فيه الإمارات بحظر تصدير النفط للولايات المتحدة عام 1973م بسبب مساندتها لـ«إسرائيل» ضد العرب إلا أنّ الشيخ «زايد» في غالب الأحيان تفادى التصادم والمواجهة.
ويرجع نهج السياسة الخارجية الحالية إلى ولي عهد أبوظبي الشيخ «محمد بن زايد آل نهيان»؛ نتيجة لما اعتبره تهديد الإسلاميين في أعقاب سقوط أنظمة تونس وليبيا ومصر.
قوة عسكرية
يستعين سلاح الجو الإماراتي ببعض أحدث المعدات العسكرية؛ والتي تشمل مجموعات من الطائرات المقاتلة الأمريكية والفرنسية بالإضافة إلى أحدث أنظمة الدفاع المضادة للصواريخ، وتسعى الحكومة إلى تطوير أسطولها «داسو ميراج 200-9» بمزيد من الطائرات الحديثة.
ومن جانبه صرح «أندرو هاموند» محلل الشئون الخارجية بالمجلس الأوروبي: «إنه أمرٌ يدعوا للدهشة؛ لأنه لا أحد يعلم أنهم ينظرون إلى الإسلاميين كخطر محدق بهم، لقد كان ذلك أحد الصدمات التي تلقتها الثورات العربية».
ويحتل الاقتصاد الإماراتي البالغ 390 مليار دولار المرتبة الثانية بين اقتصاديات «مجلس التعاون الخليجي» بعد المملكة العربية السعودية، وينتج الدول الأعضاء الست بالمجلس حوالي 20% من الإجمالي العالمي للنفط.
ويُنظر إلى «دبي» على أنها مركز مالي؛ حيث يقصدها المصرفيون والمدراء التنفيذيون للشركات والسائحون الذي يلامسون بظهورهم أطول مباني العالم «برج بن خليفة»، وجذبت المدينة 11 مليون نزيل فندقي العام الماضي بزيادة قدرها 11% عن 2012م؛ أما العاصمة «أبوظبي» التي تُعدّ خزّانًا لـ6% من احتياطات النفط العالمية الثابتة فتقوم ببناء فروع لمتاحف «اللوفر» و«جوجينهايم» الشهيرة، وبها سباق «فورميلا ون» في سباق السيارات.
تحركات دفاعية
وبحسب المُحلل «عبدالخالق عبدالله» فإن هناك هاجس يشغل عقل الإمارات يتمثل في أنّ الإسلاميين لن يهدأ لهم بال حتى يصرفوا انتباههم وتركيزهم إلى إسقاط ممالك الخليج؛ خاصة بعد أن صعدت جماعة «الإخوان المسلمين» إلى سدّة الحكم في مصر بشكل مبدئي.
وأضاف: «نمط السياسة الخارجية للإمارات فيما يتعلق بالإخوان يظهر بشكل أكثر دفاعي أكثر منه هجومي» موضحًا أنّ الحكومة تُطارد الجماعة لأنها وضعت يدها على أدلة قدمتها للمحكمة تُثبت أنّها كانت تُخطط لإسقاط الحكومة.
ومن بين دول «مجلس التعاون الخليجي» الست توجد قطر الوحيدة التي تدعم جماعة «الإخوان المسلمين» في مصر خلال فترة حكم الرئيس «محمد مرسي» التي استمرت لعامٍ واحد، وفي مارس/ آذار الماضي أقدمت الإمارات والسعودية والبحرين على استدعاء سفرائهم من قطر بعد أن فشلوا في الضغط على قطر بوقف دعمها للجماعة التي يصفونها بأنها «تهدد أمن واستقرار» مجموعة التعاون الخليجي.
وبحسب تصريحات «غانم نسيبة» فإن صانعي السياسة الخارجية الإماراتية ينظرون إلى تنظيم «الدولة الإسلامية» وجماعة «الإخوان المسلمين» على أنهما وجهان لعملة واحدة.
وأضاف مبررًا وجهة النظر الإماراتية: «جماعة الإخوان وتنظيم الدولة الإسلامية ينتميان لنفس المعسكر الأيديولوجي، ويُنظر إليها على أنهما امتداد لبعضها البعض في مختلف المجالات، فأحدهما يمتد على الجبهة السياسية، والآخر يمتد على الجبهة العسكرية».
الشيخ «محمد بن راشد آل مكتوم» نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء وحاكم دبي قال «إن السلام الدائم يتطلب اجتثاث الأسباب الجذرية التي تؤدي إلى ظهور الجماعات المسلحة؛ وعلى رأسها الأفكار المتطرفة والبطالة».
وفي مقال نشرته صحيفة إماراتية محلية بتاريخ 28 سبتمبر/أيلول 2014 كتب حاكم دُبي: «العقيدة القوية التي تقود إلى الطريق القويم وتُرسّخ في عقول الشباب أن الله خلقنا لعمارة الأرض وليس لتدميرها هي الشيء الوحيد الذي بإمكانه منعهم من الانضمام للدولة الإسلامية استعدادًا للموت من أجلها».
المصدر | محمود حبوش، بلومبيرج