كتبت هبة صالح وسيميون كير تقريرا في صحيفة “فايننشال تايمز” عن حالة الإنكار، التي تعيشها السعودية بشأن أيديولوجية تنظيم الدولة المعروف بـ “داعش”.
وقال الكاتبان إن النموذج الإسلامي المتشدد في السعودية أصبح في متناول النقاد، الذين يرونه أساسا لأيديولوجية “داعش”.
ولاحظ الكاتبان غيابا واضحا في البحث عن الذات في السعودية، ودور الوهابية في هجمات 11/سبتمبر على الولايات المتحدة الأميركية.
ويضيفان أن الوهابية تشترك في ملامحها مع أيديولوجية “داعش”، من ناحية كراهية الشيعة، وتطبيق الحدود بطريقة متشددة مثل قطع الأطراف.
وذكر التقرير أن تنظيم “داعش” استخدم أدبيات مؤسس الوهابية، الشيخ محمد بن عبد الوهاب لتبرير تدمير المزارات الشيعية والكنائس المسيحية أثناء توسع التنظيم في كل من العراق وسوريا. وتم تجنيد الآلاف من الشبان السعوديين في صفوف التنظيم.
وبالرغم من أن الدولة شجعت وبشكل تكتيكي الأصوات الليبرالية في مرحلة ما بعد هجمات أيلول /سبتمبر 2001 إلا أن النقاش حول دور الأيديولوجية الرسمية للدولة في تعزيز وتشجيع الجماعات المتطرفة ظل بشكل عام خجولا، ولم تتم مناقشته إلا على وسائل التواصل الاجتماعي، وفق التقرير.
وتنقل الصحيفة ما كتبه المعلق والصحافي السعودي جمال خاشقجي في صحيفة “الحياة” السعودية في حزيران/يونيو الماضي وقال “للأسف ما نزال نعيش حالة إنكار، وحان الوقت كي نطرح السؤال، أين الخلل؟ وعلينا أن نبحث في داخل أنفسنا”.
وتضيف الصحيفة أن السلطات السعودية سارعت لشجب “داعش”، ولكن السلطات، وحسب مراقبين، كانت قلقة لتجنب فحص يمكن أن يكون له أثر مدمر للروابط الأيديولوجية المشتركة بن الجماعات المتطرفة والمدرسة الدينية السعودية التي يسند دعمها العائلة السعودية الحاكمة ويمنحها الشرعية.
وتتابع الصحيفة أن الوهابية تطغى على كل ملامح الحياة في المجتمع السعودي. وبعد هجمات 11/ 9، تعهدت السعودية بتشجيع التسامح. ولكن النقاد في الخارج يشتكون من عدم حدوث تغيير كبير، فما تزال المقررات والكتب المدرسية متحيزة ضد من لا يتبع العقيدة الوهابية.
وأعاقت التطورات الأخيرة، التي مرت على العالم العربي، النقاش. فبحسب غريغوري غوس المتخصص في الشؤون السعودية بجامعة تكساس إي أند أم ” منذ الربيع العربي أغلقت النافذة، لأن الحكومة شددت من قوانين الصحافة، وألمحت إلى أنها لن تتسامح مع أي نقاش يسائل القاعدة التي تقوم عليها شرعية الدولة”.
ويعتقد الكاتبان أنه في ظل المناخ الجديد، فأي إشارة ونقد لأثر الوهابية المعاصرة على “داعش” يؤدي للرد، ويقمع النقاش المفتوح، حسب المراقبين. وبدلا عن هذا فقد أمر النظام السعودي المؤسسة الدينية لشجب المتطرفين كوسيلة لحماية العقيدة الوهابية من التحليل الواسع.
ويقول غوس إن الملك “قد حدد خط” النقاش، وأمر علماء الدين بشحب الجماعة أي “داعش”. وقال المحلل السعودي عبدالعزيز القاسم إن السلطات السعودية قد أمرت المؤسسة الدينية “بشجب ظاهرة (داعش) والتحشيد ضدها”، بدلا من القيام بمراجعات تبعدهم والوهابية عن المتطرفين، كما أوردت الصحيفة.
لكن تركي الحمد، وهو كاتب ليبرالي سعودي معروف ناقش قائلا إن المؤسسة الدينية غير مؤهلة للقيام بالمهمة. وكتب قبل فترة في جريدة “العرب”ومقرها لندن “كيف يرد علماؤنا على (داعش) وكل المتطفلين الذين خرجوا على هامش الإسلام، حيث نشأت جراثيمها بيننا وفي بيوتنا، وكنا نحن من ربى فكرها وخطابها حتى كبرت؟”، وفق التقرير.
ولفت التقرير إلى أن قاسم وغيره ألمحوا إلى ميول داخل المؤسسة السعودية الحاكمة لتحميل الإخوان المسلمين مسؤولية صعود “داعش”، وهي الجماعة التي تمثل رؤيتها تهديدا على النظام السعودي. ولهذ دعمت السعودية والإمارات العربية المتحدة الإطاحة بنظام محمد مرسي العام الماضي. وفي العام الحالي منعت الرياض حركة الإخوان واعتبرتها حركة إرهابية.
وتشير الصحيفة إلى ما كتبه عبدالله بن بجاد العتيبي في صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية الصادرة في لندن، حيث قال إن “داعش” يمت بصلة أكثر لفكر الإخوان المسلمن منه لتعاليم الوهابية المتجذرة في التقاليد السلفية.
وناقش العتيبي أن جماعات العنف المصرية، التي سبقت القاعدة مثل الجماعة الإسلامية، تعتبر منتجا حقيقيا من الإخوان المسلمين، والتي قال إنها استلهمت فكر سيد قطب.
لكن العنف المبالغ فيه، الذي يمارسه “داعش” ضد الأقليات الدينية، ما هو إلا حقد مبالغ فيه لحقد الوهابية على الشيعة حسبما يقول المحللون السياسيون. فالتمييز ضد الشيعة ما يزال مستمرا في داخل السعودية، بالرغم من الجهود التي قام بها الملك خلال العقد الماضي لتعزيز فهم متسامح للدين وتعيين عدد من رموز الشيعة في المجلس الاستشاري.
فدعاة مثل ناصر العمر، الذي يتبعه أكثر من مليون شخص على التويتر، وإن أبعد نفسه عن تعاليم “داعش” لكن كتاباته، مثل غيره تظهر رفضه للشيعة باعتبارهم “روافض” وأعداء للأمة والدين، كما جاء في التقرير.
ويقول قاسم إن المشاعر المعادية للشيعة قد زادت بعد دخول حزب الله وقاتل إلى جانب نظام بشار الأسد في سوريا. وزادت هذه المشاعر بصعود الجماعات الشيعية في عدد من دول المنطقة مثل البحرين، حيث ما تزال الاضطرابات قائمة منذ قمع التظاهرات في عام 2011، وفي اليمن التي سيطرت جماعة الحوثي على العاصمة صنعاء، فيما يتسيد الشيعة حكومة بغداد.
ويخلص الكاتبان إلى أنه ولكل هذه الأسباب فزحف “داعش” لم يكن محل شجب داخل عدد من القطاعات السعودية. ويقول علماء السعودية إن تأثير إيران في سوريا والعراق زاد من آمال الشيعة وقواهم في منطقة الخليج، لكن صعود “داعش” قطع هذه الآمال.