“ويبقى ما يستحق التفسير هو الكيفية التي تجعل أشخاصا يكرهون مبارك ومرسي، لكنهم يبجلون السيسي، الذي يظهر سجله القليل من الاحترام للديمقراطية والليبرالية كسابقيه”
هكذا تطرق الباحث الأمريكي ستيفن كوك في مقال بموقع مجلس العلاقات الخارجية تحت عنوان “كارهون لمبارك ومحبون للسيسي” إلى ما اعتبره تناقضا صارخا لليبراليين مصريين، خلال السنوات القليلة الماضية.
وفيما يلي نص المقال:
مصر قدمت درسا خلال السنوات القليلة الماضية في الكيفية التي يمكن خلالها للمصالح الضيقة، والطمع والسياسة الإلغاء السريع للأفكار النبيلة والتطلعات.
الوقت الذي مضى منذ رحيل مبارك كانت فترة مليئة بالسخرية السياسية والعنف غير المسبوق، والتفكك الاقتصادي..وبالرغم من ذلك، ومع كل المشاكل التي تضرب المصريين، ما زال هنالك الكثيرون الذين يعتقدون أن مسار مصر إيحابي.
ليست الصفوة فحسب التي تشعر بالامتنان لتدخل الجيش في 3 يوليو، وإعادته للنظام السياسي الطبيعي القديم، لكن هناك تفاؤلا واسع النطاق.
ورغم الحذر الواجب تجاه استطلاعات الرأي، إلا أنها توضح دعما ساحقا للرئيس السيسي. وبحسب أصدقاء في القاهرة، فإن زهاء 80 % من الشعب يؤمنون ببرنامجه الجديد، ويعتقدون أنه ينقل البلاد إلى المسار الصحيح. ولكن إذا كانت الأمر هكذا، فلماذا يبدو المصريون غاضبين؟
ومن بين أكثر الغاضبين هي تلك المجموعة التي دأب الغرب على وصفهم بـ” العلمانيين واللييبراليين والنشطاء السياسيين..لا شك أن هناك البعض من المستفيدين(ماليا أو سياسيا) من إظهار “غضب مصطنع”، بينما تسبب الغضب في اضطراب آخرين.
وعلى سبيل المثال، كتب طارق حجي، الذي يطلق على نفسه لقب “مثقف”، والذي كان يسعى ذات يوم إلى التحدث في مؤسسات بحثية وجامعات ومكتبات أمريكية، وأماكن أخرى ساعدت على دعم صورته كـ”أديب” كتب مؤخرا: ” هؤلاء الأمريكان قساة ومجرمون متوحشون يستحقون ما حدث لهم في 11 سبتمبر 2001..حجي بالطبع وصل قمة التطرف، والقليل من الناس يتجاوبون معه.
هناك أيضا مصريون مناهضون للإخوان المسلمين والانقلاب.
لكن بين حجي وهؤلاء الأشخاص، يوجد عدد معتبر من المصريين، كانوا من أشد الداعين للتغيير السياسي خلال حقبة مبارك، لكنه باتوا الآن من بين أكثر المدافعين عن انقلاب 3 يوليو، والداعمين للنظام الجديد في حكم السيسي، والمتحمسين لتفكيك جماعة الإخوان، ويوافقون على كافة التجاوزات.كيف يحدث ذلك؟
فلنعترف أن التحليلات الغربية، بما في ذلك هذا المقال، لا تعنيها كثيرا معرفة أساب وجود أناس ناهضوا مبارك، ودعموا السيسي، بقدر الاهتمام بنبذهم، ونعتهم بالليبراليين المزيفين.
المسلمة المزعومة للسياسة المصرية تنص على “الاختيار بين الإسلاميين المنتخبين ديمقراطيا، واستبداد الجيش”، ويختار الليبراليون العسكر، بما يكشف زيف ليبراليتهم.
لكن المؤيدين “الليبراليين” لما بعد 3 يوليو، يعتقدون أن تأييدهم للانقلاب أمر في جوهر الليبرالية. فهم يرون أن التدخل العسكري منع مصر من الانزلاق إلى استبدادية دينية لم تكن لتذر أي آمال لبقاء الليبرالية.
وعلاوة على ذلك، فإن مبعث القلق الأول للعديد من هؤلاء المثقفين المعارضين لمبارك والداعمين للسيسي هو الحفاظ على، والترويج للمبادئ الليبرالية، والتي باتت أكثر أهمية بالنسبة لهم من صناديق الاقتراع… لكن ذلك يبدو بمثابة “وثبة عقائدية”، فمن الصعب تخيل أن السلطات المصرية، التي تعيد هيكلة المؤسسات السياسية للدولة لضمان عدم حدوث ثورة 25 يناير مجددا، ستخلق في ذات الوقت بيئة تسمح لليبرالية بالبقاء.
ومن بين ما سمعته خلال اتصالاتي المتعددة في مصر عبارة “الانقلاب كان ليبراليا حقا”، وكنت أتحدث ذات يوم مع صديقة مصرية، وتطرقنا لمناقشة التناقض بين الليبراليين الموالين للسيسي، وسألتها “كيف يكون شخص ما مدافعا بليغا عن حقوق الإنسان له وللآخرين المتفقين مع آرائه، بينما لا يكون كذلك مع الذين يمتلكون وجهات نظر مغايرة؟، فأجابتني قائلة: ”ستيفن..أنت لا تعلم ماذا فعل مرسي لنا خلال العام الذي تقلد خلاله الحكم، لقد أثر ذلك علينا بدرجة عميقة”، وضغطت عليها للإيضاح أكثر، لكنها لم تستطع تفسير كل ما تعنيه.. لقد أرجعت السبب إلى غطرسة واستبداد وعدم كفاءة مرسي، وعنف ما قبل الانقلاب، والذي لامت جماعة الإخوان عليه..كل ذلك يمكن تفهمه، لكن كان هنالك الكثير داخل رأسها لم تكن مستعدة للتفوه به.
خلال صيف 2013، فسر المصريون الصراع الجاري داخل المجتمع بأنه صراع هوية. الليبراليون وآخرون يدعون أن دعمهم للانقلاب يحمي مصر “المتعددة” و”المتسامحة” و”المنفتحة” و”العالمية”.
لكن النقطة التي تبدو ضائعة وسط مشاعر الغضب الموجهة صوب الإخوان في ذلك الوقت، هو أن الجماعة لم تكن القوة المؤثرة الوحيدة، في تشكيل مصر بل ساهم في تشكيلها الليبراليون والقوميون والأقباط والناصريون، مع الاعتراف بامتلاك الإخوان لدور هام.
عندما سقط نظام مبارك، فرض الإخوان المسلمين رؤية للمجتمع، تفاعل معها العديد مع المصريين، بحسب مؤشرات انتخابات 2011 و2012، لكن ذلك ليس تبريرا لسلطوية الإخوان، أو العام الكارثي لمرسي في السلطة.
ويبقى ما يستحق التفسير هو الكيفية التي تجعل أشخاصا ينتقدون مبارك، ويكرهون مرسي، لكنهم يحترمون السيسي، الذي يظهر سجله القليل من الاحترام للديمقراطية والليبرالية كسابقيه.