كتب الصحافيان “غلين غرينوالد” و”مرتضى حسين” في مقالهما المشترك أنه مع تحضير إدارة أوباما لقصف سوريا، ودون تفويض من الكونغرس أو الأمم المتحدة، واجهتها مشكلتين: الأولى صعوبة الحفاظ على الدعم الشعبي لحرب جديدة قد تطول لسنوات عديدة ضد تنظيم داعش، وهي المجموعة التي لا تشكل أي تهديد وشيك لـ”الوطن”. الثانية، عدم وجود مبرر قانوني لإطلاق حملة القصف الجديدة من دون مصداقية لادعاء الدفاع عن النفس أو موافقة الأمم المتحدة.
وعُثر على حل لهاتين المشكلتين باختراع العلامة التجارية الجديدة من تهديد الإرهاب تحت اسم: “مجموعة خراسان”. إذ وبعد أن أمضت أسابيع في تصوير تنظيم داعش باعتباره تهديدا غير مسبوق -أكثر راديكالية من تنظيم القاعدة!- بدأ مسؤولون في الادارة، وبشكل مفاجئ، بتلقين المؤسسات الإعلامية المفضلة لديهم وصحفيي الأمن القومي بحكايات وأكاذيب عن الجماعة السرية التي تعتبر أكثر ترويعا وأكثر تهديدا من داعش، وتشكل تهديدا مباشرا وفوريا للأمن الوطني الأمريكي.
ويبدو أنه تم إنشاء جماعة ارهابية جديدة من العدم في وسائل الاعلام. وكُشف، لأول مرة، عن هذه المجموعة الجديدة في مقالة نشرتها وكالة اسوشيتد برس يوم 13 سبتمبر، واستشهد بتحذير مسؤولين أميركيين، من دن ذكر اسميهما، من هذا الظلام الجديد الذي صوروه على أنه أسوأ من تنظيم داعش. ومما ورد فيه:
(في حين انتزعت مجموعة الدولة الإسلامية على أكبر قدر من الاهتمام الآن، ظهرت، فجأة، فرقة أخرى من المتطرفين في سوريا -مزيج من جهاديين مخضرمين من أفغانستان واليمن وسوريا وأوروبا- تشكل تهديدا أكبر مباشرا وشيكا للولايات المتحدة، وتعمل مع صانعي قنابل يمنيين، كما يدعي مسؤولون أمريكيون، لاستهداف الطيران الأمريكي.
في المركز، هناك الخلية المعروفة باسم مجموعة خراسان، مقاتلو مخضرمون من القاعدة قدموا من أفغانستان وباكستان إلى سوريا لإقامة روابط مع فرع تنظيم القاعدة هناك وجبهة النصرة.
ولكنَ مقاتلي خراسان، كما يقول مسؤولون أمريكيون، لم يسافروا إلى سوريا أساسا لمحاربة حكومة بشار الأسد. بدلا من ذلك، أرسلهم زعيم تنظيم القاعدة، أيمن الظواهري، لتجنيد الأوروبيين والأميركيين الذين يُسمح لهم بركوب طائرة متجهة إلى الولايات المتحدة بتدقيق أقل في جوازات السفر من مسؤولي الأمن).
وقد حذر مقال “اسوشيتد برس” الأميركيين من أن “الخوف هو أن يوفر مسلحو خراسان هذه المتفجرات المتطورة إلى المجندين الغربيين الذين يمكن لهم التسلل إلى رحلات متجهة الى الولايات المتحدة.” ورغم أن تنظيم داعش، كما ادعى المقال، يلقى معظم الاهتمام، تعتبر مجموعة خراسان “التهديد الأكثر إلحاحا”.
كان الاسم نفسه مخيفا: “خراسان تشير إلى إقليم تحت حكم الخلافة الإسلامية، أو الإمبراطورية الدينية، القديمة التي شملت أجزاء من أفغانستان”، وتصور وكالة AP المسؤولين الأميركيين الذين كانوا يزودونهم بالقصة كما لو أنهم منخرطون في نوع من أعمال البطولة غير مصرح لهم قول الحقيقة : “العديد من المسئولين الأمريكيين الذين أجروا مقابلات حول هذه القصة الذين لا يمكن ذكر أسمائهم بالاسم يتحدثون عما قالوا إنها معلومات استخبارية سرية للغاية”.
في صباح يوم 18 سبتمبر، بثت شبكة (سي بي اس نيوز) مقطعا يندرج ضمن الدعاية الحربية: ربط مباشر لحملة القصف الأمريكية الوشيكة بضرورة حماية الأمريكيين من التعرض لتفجير طائرات مدنية من قبل مجموعة خراسان، مصحوبا بنغمات صوت مشؤومة، روى المضيف:
(علمنا هذا الصباح عن تنامي تهديد إرهابي جديد قادم من سوريا. إنها خلية تنظيم القاعدة وربما لم تسمعوا عنها من قبل. كل شيء عنها مصنف سريا. “بوب أور” يحدثنا من واشنطن عن معلومات جديدة بشأن مجموعة تعتبر أكثر خطرا من تنظيم داعش).
ومما قاله الإعلامي “أور” في مراسلته الدعائية: “تحاول حكومة الولايات المتحدة أن تُبقي كل هذا سرا، لذا، حتى إنها لم تذكر اسم المجموعة في الأماكن العامة مراعاة للمخاوف الأمنية! ولكن، كان هناك “أور” لكشف الحقيقة، حيثق أكدت مصادره أن الأمر يتعلق بـ”خلية تابعة لتنظيم القاعدة تحت اسم خراسان”، وأنها تعمل على “تطوير مخططات جديدة لمهاجمة طيران الولايات المتحدة”.
في وقت لاحق من ذلك اليوم، بدأ مسؤولو إدارة أوباما يروجون علنا للمجموعة، يتحذير أطلقه مدير الاستخبارات الوطنية، جيمس كلابر، صارخا: “من حيث تهديد للوطن، فإن خراسان قد تشكل خطرا أكبر من الدولة الإسلامية”، ثم أعقبه سيل من تقارير إعلامية، تعرض دون تمحيص تفاصيل هذا التهديد عالي الخطورة، نقلا عن مسؤولين مجهولين، كما لو أنها كشفت سرا كبيرا تحاول الحكومة إخفاء.
يوم 20 سبتمبر، خصصت صحيفة “نيويورك تايمز” مقالا مطولا لتصعيد الموقف ضد مجموعة خراسان. وبدأت المادة بالقول إن مسؤولين أمريكيين يعتقدون أن مجموعة أخرى مختلفة عن تنظيم داعش، يشتبه في أنها تهدد أمريكا وأوروبا بشكل مباشر وأكثر خطورى حتى من تنظيم الدولة الإسلامية.
وجاء فيه ما يلي: “قال مسؤولون أميركيون إن مجموعة تدعى “خراسان” قد ظهرت في العام الماضي على شكل خلية في سوريا، قد تكون أكثر عزما على ضرب الولايات المتحدة أو منشآتها في الخارج بشن هجوم ارهابي. وقال المسؤولون إن الجماعة يقودها محسن الفضلي، وهو ناشط بارز في تنظيم الذي، وفقا لوزارة الخارجية، وكان على مقربة من بن لادن، وهو واحد من مجموعة صغيرة كان على علم بهجمات 11 سبتمبر 2001 قبل تنفيذها.
ومع بداية حملة القصف الجوي، اختفى تنظيم داعش -الموضوع الأصلي للهجوم- إلى حد كبير عن التداول الإعلامي والرسمي، وخصوصا مع تسويق مسؤولي إدارة أوباما وحلفائهم في الإعلام للهجمات التي استهدفت قادة خراسان وإحباط المؤامرات ضد أمريكا.
وفي اليوم الأول من القصف، أعلنت صحيفة “واشنطن بوست” أن “الولايات المتحدة قصفت خلية غير معروفة قوية تابعة لتنظيم القاعدة، يخشى بعض المسؤولين الأميركيين من أنها يمكن أن تشكل تهديدا مباشرا للولايات المتحدة”.
في اليوم نفسه، ادعت قناة CNN أن “مجموعة خراسان كانت من بين أهداف الضربات الأمريكية على سوريا صباح الثلاثاء”، وهكذا تحولت حملة القصف في سوريا بطريقة سحرية إلى دفاع خالص عن النفس، بالنظر إلى أن “المجموعة كانت تخطط بنشاط لاستهداف الأمن الوطني الأمركي وأهداف غربية، كمال قال مسؤول أمريكي بارز لـCNN يوم الثلاثاء”.
ومع ذلك، فإن ما كان واضحا، وفقا للكاتبين، هو أنه لا بد من قصف هذه المجموعة في سوريا لإنقاذ الأرواح الأمريكية؟؟، خصوصا مع تخطيط هذه المجموعة الإرهابية لإخفاء عبوات ناسفة في معجون الأسنان أو الملابس القابلة للاشتعال لاستهداف الطائرات الأمريكية.
ومع مداخلة مراسلة CNN في البنتاغون، باربرا ستار، على الهواء عُرضت أشرطة فيديو لمقاتلات أمريكية جديدة لامعة وهي تفجر سوريا، بينما المراسلة توضح كيف أن كل هذا لا بد منه لوقف هجوم مجموعة خراسان الوشيك الذي يجري الإعداد له لاستهداف الغرب، مدعية أن:
“ما سمعناه من مسؤول أمريكي كبير أن السبب في تنفيذ ضربات ضد خراسان الآن هو أن لديهم معلومات أن المجموعة -المشكلة من قدامى المحاربين تنظيم القاعدة- كانت في مراحل التخطيط لتنفيذ هجوم ضد الأمن الوطني الأمريكي أو استهداف أوروبا، وكانت المعلومات تشير إلى أن مجموعة خراسان في طريقها -ربما في مراحله النهائية- للتخطيط لهذا الهجوم.
ولكن بمجرد أن حقق الترويج الغرض منه لتبرير بدء حملة القصف على سوريا، تبخرت قصة خراسان بأسرع مما كشف به المنتج الجديد.
وما لفت الانتباه، أن البعض اتضح له أن “مجموعة خراسان” كانت إلى حد ما من اختراع الحكومة الأمريكية. ويبدو أن الصحفي ريتشارد إنجل من قناة “أن بي سي”، كان لديه أفكار أخرى عن حقيقة وجود هذه المجموعة، فبعد يوم من إذاعة تقريره عن ادعاءات الحكومة الأميركية عن محموعة خراسان، كتب تغريدة مثيرة: “أبلغنا الناشطون السوريون أنهم لم يسمعوا مطلقا بمجموعة خراسان أو قادتها”.
هناك أسئلة جدية حول حقيقة وجود مجموعة خراسان بأي بطريقة ذات معنى أو يمكن تحديدها. وفي هذا أوضح آكي بيريتز، مسؤول مكافحة الإرهاب في وكالة CIA حتى عام 2009، قائلا: “أنا بالتأكيد لم أسمع عن هذه المجموعة خلال عملي بالوكالة”، بينما كشف سفير الولايات المتحدة السابق في سوريا، روبرت فورد، أنه “استخدمنا مصطلح [خراسان] داخل الحكومة، ونحن لا نعرف من أين جاء. كل ما أعرفه أنهم لا يطلقون على أنفسهم هذه التسمية”.
ما حدث، إلى الآن، كان أمرا مألوفا، وفقا للكاتبين. إدارة أوباما كانت بحاجة إلى منطق دعائي وقانوني لقصف دولة أخرى ذات أغلبية مسلمة. ذلك أن استثارة المشاعر والعواطف بنشر شرائط فيديو عمليات إعدام داعش للرهائن الغربيين لم تكن كافية لخوض حرب جديدة طويلة.
كالعادة: عدم الكشف عن الهوية مُنح لمسؤولين أمريكيين لنسج هذه الادعاءات. وكالعادة، أيضا، لم يكن تقريبا أي دليل على أي شيء من هذا. ومع ذلك، حرصت وسائل الإعلام الأمريكية، كما هو الحال دائما، على تبرير الحروب الأمريكية.
الأسوأ من ذلك، فعلوا ذلك من خلال التظاهر بأن الحكومة الأمريكية كانت تحاول عدم التحدث عن كل هذا -سري للغاية-، لكن تمكن الصحفيون بإقدامهم وجرأتهم الصحفيين من كشف المستور من مصادرهم “الشجاعة”؟؟؟
خدمة العصر